لن يقبل الفلسطينيون الإضرار بمصالح الأردن الشقيق
باسم برهوم
من دون شك أن أحد أوجه معاناة الفلسطينيين الكبيرة هي السفر والتنقل الحر السلس، ومن دون شك أن الفلسطيني يدرك أن هذه الأمنية لن تتحقق كما يشتهي ويريد إلا بزوال الاحتلال الإسرائيلي وفي ظل دولة فلسطينية ذات سيادة تسيطر على حدودها ومنافذها البرية والجوية والبحرية، والفلسطينيون يدركون أيضا أن من يحرمهم حريتهم دولة الاحتلال، وبالمقابل فإن من يعينهم ويسهل عليهم حياتهم الأردن الشقيق، ومصر الشقيقة من الجنوب. فالمهم، وفي وسط كل ذلك، أن العلاقة مع الأشقاء العرب، خاصة الأردن هي علاقة مصير مشترك لا انفصام فيها، وهي تستند إلى ثلاث ركائز، الأولى جذورها الممتدة عميقا في التاريخ، فليس هناك تاريخ للأردن بعيد عن فلسطين، ولا تاريخ لفلسطين يمكن فصله عن الأردن، أي فصل فهو فقط في عقل قوى الاستعمار. الركيزة الثانية تستند إلى الواقع الجيوسياسي، فهذا الواقع يفرض أولوية لا تعلوها أي أولويات في امتلاك علاقات سياسية واقتصادية راسخة وثابتة ومتكاملة تماما بين الأردن وفلسطين، فكلاهما الشيء نفسه. أما الركيزة الثالثة، وهي ما تميز خصوصية العلاقات الثنائية، وهي قوة الواقع الراهن، فلا تمتلك دولتان في العالم مثل هذا النسيج الاجتماعي- الاقتصادي المتداخل في كل التفاصيل، مثل الأردن وفلسطين.
فأي حديث فلسطيني، عن العلاقة مع الأردن واستراتيجيتها وأولويتها وأن مصالح الأردن هي مصالح فلسطين والشعب الفلسطيني، ليس حديث مجاملات، إنما هو حديث يعكس الحقيقة والواقع، فلا يوجد فلسطيني واحد لا يدرك ما الذي يعنيه الأردن لفلسطين، ليس فقط في ظروف الاحتلال وفي أوقات الشدة، وإنما بحكم التاريخ الطويل المشترك، بحكم هذا النسيج الاجتماعي، وإن من يفكر بالإضرار بالمصالح الأردنية، هو بالتأكيد ليس فلسطينيا، لأن أي ضرر بالمصالح الأردنية هو ضرر مباشر بالمصلحة الفلسطينية.
بخصوص مسألة مطار رامون، فمنذ أن بدأت الأوساط الإسرائيلية الحديث عن الموضوع، قلنا لن نكون نحن ضحايا الاحتلال حلا لمشاكل وأزمات دولة الاحتلال، فإن مسألة السفر عبر مطار لم تجد إسرائيل له حلولا لتشغيلة هي أمر مرفوض فلسطينيا. هذا الرفض يأتي مع التأكيد على حق الشعب الفلسطيني أن يكون له مطارا خاصا، وأن تكون مسألة سفره مسألة حرة وسلسة، ولكن ليس عبر مخطط إسرائيلي للإضرار بمصالح الأشقاء في الأردن.
قبل عدة أسابيع كنت قد كتبت مقالا حول موضوع مطار رامون وطالبت بموقف فلسطيني موحد ليس فقط من مطار رامون، وإنما حول مسألة المطار بشكل عام، من باب المطالبة بالسيادة، وأن يكون للفلسطينيين مطارهم وحدودهم، والحق في حرية الحركة والسفر متى شاؤوا وكيفما شاؤوا وبأقل تكلفة، وأن لا يتحول المسافر الفلسطيني إلى سلعة، أو "بقرة حلوب" تطمع جميع الأطراف بحلبها. فالسفر، سواء لعمل أو للسياحة، بالضرورة أن يكون أمرا ميسرا للجميع وفي كل الأوقات وعلى مدار الساعة، وليس كما يتم على معبر الكرامة الذي تتحكم سلطات الاحتلال الإسرائيلي به وتحدد ساعات السفر عبره حسب رغباتها هي. فالمسألة ليست تسهيلات فقط بل هي مسألة سيادة، لذلك طالبت بأن يكون للفلسطينيين مطارهم الخاص وفق الإجراءات الأمنية المعمول بها في كل مطارات العالم.
التسهيلات الخادعة عبر مطار رامون لا تمثل حلا لمعاناة السفر بالنسبة للفلسطيني، فهي مقيدة بعدد كبير من الإجراءات إلى جانب محدودية الوجهات، ولكن الأهم أن لا نسمح للاحتلال باستغلال معاناة الفلسطينيين بالسفر، لتشغيل مطارهم الفاشل.
علينا أن نبحث عن حلول بدل أن ندخل في دوامة تبادل اللوم مع بعضنا البعض، حلول تجعل سفر الفلسطيني أكثر سلاسة وأقل تكلفة، وعلى أشقائنا في الأردن أن يكونوا واثقين، بأننا لن نتسبب يوما في الإضرار بمصالحهم لأنها مصالحنا بالضبط وأكثر. كما أن هناك شعورا بالأمان ونحن نسافر ونتنقل في الأردن لأننا في نهاية الأمر شعب واحد..فكيف نسمح لدولة الاحتلال بدق إسفين بيننا، فهذا فخ لا يمكن أن نسمح نحن والأشقاء في الأردن بالوقوع فيه مهما بلغت المعاناة، التي جذرها ومسببها هو الاحتلال الإسرائيلي ذاته.