وعي الدولة.. ضرورة حرية
الكتاب والأدباء والمثقفون من أصحاب المقولات، والنصوص، وكلما كانوا مشغولين على نحو إنساني، وأخلاقي، بالشأن الوطني العام، وهمومه، كانت كتاباتهم، تعمل عمليا على تخليق وعي الدولة، لدى متلقيها من العامة، والدولة بمعناها السياسي، وضرورتها البنيوية، لا للتطور والتقدم فحسب، وإنما أساسا بكونها ضرورة حرية، وكرامة، وإدراك أمثل للهوية الوطنية، من حيث قدرتها على تأمين مختلف منظومات الأمن والأمان، لحياة شعبها، بسيادة القانون والحكم الرشيد.
تخليق هذا الوعي يظل بالغ الضرورة حتى بنصوص ومقولات النقد، والاحتجاج، كلما كانت في أطرها الديمقراطية، الوطنية، لا المستوردة، التي تؤمن النقد البناء لا النقد الانفعالي، والفئوي، والحزبي، وحتى الشخصي، هذا الذي لا يقود في المحصلة لغير الهدم والتدمير..!!
من المؤسف ألا نرى العديد من الكتاب، والأدباء، والمثقفين عندنا، غير منخرط في هذه العملية، عملية تخليق وعي الدولة، لا بل إن بعض هؤلاء ما زال مأخوذا بالمقولات الحزبية وبيانات الاحتجاج الشعبوية، ضد السلطة الوطنية، التي أغلبها مرتبط بأجندات خارجية وعلى نحو باذخ التمويل، وغايتها الأساسية تدمير السلطة الوطنية، من خلال تقزيمها، وعزلها عن واقع إنجازاتها، بل وعزلها عن واقعها الراهن، الحافل بالمعضلات من كل نوع وهوية، والمحاصر بسياسات الاحتلال التعسفية العنيفة.
لا تعمل هذه المقولات والبيانات والتوليفات المفبركة غير عمل معول الهدم، وتجربة ما جرى في قطاع غزة، قبيل الانقلاب الحمساوي العنيف، على الشرعية الوطنية، الدستورية، تثبت ذلك إذ كان التحريض على هذه الشرعية عبر هذه المقولات، والبيانات، والتوليفات المفبركة، هو الأرضية التي نهض من فوقها الانقلاب الذي خطف غزة وجعلها رهينة الحسابات، والمصالح الحزبية، والإقليمية معا، التي أسقطت كل حسابات المصالح الوطنية (...!!) والأخطر الذي تحقق جراء ذلك تكشف قطاع غزة هدفا متاحا في الحسابات الإسرائيلية، لضرب المشروع الوطني الفلسطيني التحرري، ومنع قيام الدولة الفلسطينية..!!
لم تعمل تلك المقولات وبياناتها وتوليفاتها على بناء أي شيء يذكر، بل إنها دمرت أول ما دمرت نسيج الوحدة الوطنية، وحققت الانقسام، الذي تشبث به الاحتلال الإسرائيلي في إطار تحقيق أهداف حساباته تلك، والقصة معروفة كيف تشبث الاحتلال بهذا الانقسام وكيف عمل على تغذيته، بتكتيكات مخادعة ومسمومة ..!!
ما يصدر اليوم من مقولات التحريض ضد السلطة الوطنية، لا ينظر أصحابها إلى تجربة قطاع غزة، نعني أنهم لا ينظرون إلى نتائج التحريض الذي أسقط السلطة الشرعية في قطاع غزة، وأحل محلها سلطة المليشيات الحزبية والاستعرضات البلاغية، والأخطر سلطة التدخلات، والقرارات الإقليمية، والتمويلات الحرام، والتي استغلها الاحتلال الإسرائيلي في المحصلة، ليشن حربه العنيفة على قطاع غزة وقد أحاله حتى اللحظة إلى مجرد مقبرة مهولة...!!
لا بديل عن السلطة الوطنية، وعيا وموقفا، وحكما، وسياسة، لا من أجل التمكين الفئوي، وإنما لمنع الفوضى والانفلات الأمني الذي يسعى له الاحتلال الإسرائيلي كي ينقل حرب الإبادة التي يواصلها ضد قطاع غزة إلى الضفة الفلسطينية.
لا يجرب المجرب غير الذي عقله خرب ومخرب..!! هذه هي الخلاصة ولنا أن نتنبه جيدا إلى ذلك وبعد اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران الممانعة (...!!) علينا أن نعرف أننا بدون وحدة وطنية شاملة، سنظل جميعا لقمة سائغة أمام شهوات الاحتلال التوسعية الاستحواذية المدمرة .
رئيس التحرير