حين تغيب الدولة ...!!
للدولة فضائلها التي تؤمن لشعبها بدستورها، وقوانينها، وسياساتها، سبل التطور والتنور، والازدهار حين تؤمن له مختلف منظومات الأمن والأمان، والدولة بعد كل تعريف، وتقدير، ضرورة سيادة، وكرامة، وحرية، لكن للدولة أيضا شروطها كي تكون كذلك ومن ذلك أن يكون نظامها السياسي، نظاما دستوريا، ديمقراطيا، وبدون قوى مليشياوية تصادر حق الدولة، في احتكار ممارسة القوة، وحقها في القرار السيادي، قرار السلم والحرب أولا، مع هذه القوى تغيب الدولة، وتحل الفوضى، ويحل العنف والمغامرات الطائشة الاستعراضية...!! ولنا في تجربة الحكم المليشياوي الحمساوي في قطاع غزة أوضح مثال على ذلك.
قد يقول قائل بهذا الشأن: إننا لسنا دولة ذات سيادة حتى الآن، فلا يصح لنا هذا المثال؟ سينسى من يقول ذلك أننا في الواقع السياسي، وفق النظام الأساسي، ووثيقة إعلان الاستقلال، دولة حقا، وإن كانت حتى اليوم تحت الاحتلال، دولة لها مقعد المراقب في الأمم المتحدة واعترافات دولية عديدة بها، اعترافات تؤكد حقيقتها بلا أي لبس وتشكيك.
قد يسمح الواقع الميداني للقوى المذهبية أن تكون على سدة الحكم في الدولة، لكن حين التوافق والتعايش الديمقراطي الحضاري، بين هذه القوى، وفي إطار وحدة وطنية حقيقية، تصبح سياساتها، سياسات بناء وتطور وتنمية.
ومثال على ذلك، وفق حديث لرجل الدين الشيعي اللبناني، الشيخ محمد الحاج حسن، في شريط مصور، فإن المارونية السياسية كما قال، جعلت من لبنان سويسرا الشرق، فيما جعلته السنية السياسية، مع رفيق الحريري ناهضا نحو البناء والتطور والازدهار، وحتى الشيعية السياسية الوطنية، توافقت مع ذلك، إلى أن انقسمت هذه الأخيرة بالتدخل الإيراني، الذي غيب الدولة على هذا النحو أو ذاك...!!
حديث الشيخ محمد الحاج حسن هذا، كان في معرض استعراضه النقدي للأسباب التي أدت إلى تخليق الواقع الصعب والخطير الذي يعيشه لبنان اليوم، والذي بات العدوان الإسرائيلي العنيف المتواصل ضده، يفاقم هذا الواقع، ويهدد استقراره لبنان، وحياته تماما ..!!
معضلتنا تكمن بالفكر المليشياوي وسياساته، وهذا فكر لا أصالة فيه، ولا استقلالية، بحكم التمويل الإقليمي الحرام، الذي يرعاه، ويطالبه بالتطاول على الواقع والحقيقة، ويدفع به في دروب مغامرات لا تحمد عقباها...!!
بأي لغة علينا أن نتحدث الآن عما جرى ويجري حتى اللحظة ضد قطاع غزة، إسرائيل بحربها العدوانية لم تبق له حتى اللحظة قدرا من هواء نظيف، ولا أي ملاذ آمن هناك، ورائحة دم الضحايا الشهداء، تعبق في كل مكان فيه، وأحدث تفاصيل المذبحة الإسرائيلية اليوم 200 ألف مواطن في جباليا، يواجهون خطر الموت، إما بالقصف الإسرائيلي وإما بالجوع والعطش، محاصرون منذ سبعة أيام وإذا ما باتت هناك سبعة أخرى لن تكون هناك سوى الفجيعة الكبرى. بأية لغة إن لم تكن لغة النقد والمراجعة والمحاسبة، لغة الحق والحقيقة ، لغة التقوى والمسؤولية الوطنية والإنسانية، وفي الوقت ذاته، لابد بعد الان من نبذ لغة الخديعة الإعلامية، ولغة العته السياسي، والحمق الحزبي التي مازالت خطب النكران والمكابرة تواصلها بل تردد ولا خجل ..!!
رئيس التحرير