فرسان الكلمة.. أحمد وعثمان وعزيز ثلاثة مشاعل مضوا على درب "وفا" الطويل
زلفى شحرور
أحمد وعثمان وعزيز.. ثلاثة مشاعل مضوا، قدموا حياتهم قرابين الدفاع عن قضيتهم بالكلمة في ملحمة بطولية خاضها شعبنا دفاعا عن حقه بالحياة وبناء دولته، جميعهم قضوا وهم يقومون بمهامهم.
أحمد صالح جمعة
أحمد جمعة واسمه الحركي خالد عبد الكريم، استشهد في بداية شهر حزيران من العام 1981، حيث وافته المنية في لندن بعد سنة من المعاناة والألم نتيجة إصابته بقذائف "هاوزر 125" سقطت على مبنى وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا" في بيروت يوم العاشر من أيار من العام 1981، حيث كان يعمل في قسم الاستماع.
القصف العشوائي من المليشيا اللبنانية في المنطقة الشرقية الذي استهدف منطقة الجامعة العربية وطالت قذيفتان مبنى "وفا"، استشهد على إثرها عامل السنترال في الوكالة عثمان عثمان، وأصيب أحمد الذي هرب من مكتبه المطل على الشارع الرئيسي باتجاه الغرف الداخلية لحماية نفسه لكنه وجد القذائف بانتظاره.
أصيب أحمد إصابات بالغة في الأمعاء، ما استدعى حمله على الفور إلى المستشفى، ويقول أحمد الشيخ المحرر في "وفا " حينها، "قمنا بنقله إلى مستشفى غزة في شاتيلا دون انتظار لسيارة الإسعاف وكنا ندرك خطورة حالته، وظللنا نحادثه طوال الطريق خوفا من أن يفقد الوعي قبل وصوله للمستشفى".
ظل أحمد في مستشفى غزة التابع للهلال الأحمر الفلسطيني لأيام ولم يتحسن حاله، ما استدعى نقله إلى مستشفى الجامعة الأمريكية، وظل فيها لحوالي الأربعة أشهر، بعدها تم نقله إلى مستشفى في العاصمة البريطانية لندن للعلاج، وقضى فيها سبعة أشهر وتحسن وضعه الصحي بصورة ملحوظة، ثم ما لبث أن انتكس حتى فارق الحياة.
وبعد استشهاد أحمد، نقل جثمانه إلى بيروت لمواراته الثرى في مقبرة الشهداء في شاتيلا.
احتفى رفاق أحمد وإخوته كثيرا بمراسم تشييعه علّهم يعوضون من غياب العائلة التي لم تتمكن بسبب الاحتلال من حضور مراسم الدفن في بيروت بناء على وصية الشهيد نفسه.
ولم يهدأ الطيران الإسرائيلي يوم التشييع عن التحليق في سماء بيروت، ونفذ عددا من الغارات الوهمية، ما دفع بالمشيعين لاستعجال الدفن بعد مراسم الصلاة عليه في الجامعة العربية، خاصة وأن هذه الفترة حملت معها تصعيدا عسكريا إسرائيليا، وكانت قبل الاجتياح الإسرائيلي لبيروت بأيام معدودة.
وما أن تحرك موكب التشييع حتى سمع صوت بكاء وعويل. كانت خالته كوكب التي وصلت مع خاله عمر، وما أن فتحت باب السيارة حتى صدمتها صورة أحمد المطبوعة على بوسترات على السيارات وعلى جدران البنايات في المنطقة.
غادرت كوكب بيروت بعد انتهاء بيت العزاء، لكنها لم تنس أن توصي رفاقه بوضع الزهور على قبر أحمد في المناسبات، وقالت لإحدى رفيقات الشهيد: "الله يخليكي يا خالتي حطوا ورد على قبر أحمد في الأعياد"، فرددت عليها: اعتدنا أن نضع الزهور على قبور شهدائنا، لكنها أصرت على أن يتم وضع هذه الورود باسم عائلتها.
"وفا" اتصلت بعائلة الشهيد في قرية طلوزة شمال شرق نابلس، وتحدثت مع شقيقه زياد للوقوف على بعض التفاصيل من حياة الشهيد، خاصة وأن العلاقات بين كوادر منظمة التحرير الفلسطينية لم يكن يتم التطرق فيها إلى القضايا الشخصية لأسباب متعلقة بالأمن.
وعن أحمد قال شقيقه: "أحمد من مواليد طلوزة في العام 1956، غادرها بعد إنهاء تعليمه المدرسي الذي توزع بين مدرسة قريته ومدرسة الصلاحية في نابلس في العامين 1973- 1974 باتجاه القاهرة لدراسة الطب، وهناك وبعد ثلاث سنوات من الدراسة وعلى ضوء توقيع الرئيس المصري آنذاك أنور السادات اتفاقية "كامب ديفيد" مع إسرائيل في العام 1978، تم إبعاد أحمد إلى بيروت، حاله حال العديد من الطلبة الفلسطينيين الدارسين في الجامعات المصرية.
غادر أحمد كما قال شقيقه زياد، باتجاه بغداد لدراسة الصحافة، ولم يطل به المقام فبعد سنة عاد إلى بيروت وهناك التحق بالجامعة اللبنانية إلى جانب عمله في "وفا".
وأضاف، "كان لأحمد مكانة اعتبارية في القرية قبل مغادرته لها، وكان أهل القرية يتعاملون معه كشخص ناضج وواعٍ، وكان عضوا في خلية فدائية مكونة من ستة أشخاص، وكشف أمرها بعد مغادرته للقاهرة بثلاثة أشهر وحكم عليه بالسجن عشرين سنة.
وعن علم عائلته بخبر إصابته قال شقيقه: على ما أذكر أننا عرفنا بعد حوالي عشرة أيام إذ لم تكن الاتصالات كما هي عليه الآن، ويومها توجه أخوالي وأقاربنا في الأردن لزيارته والاطمئنان عليه، وبعد حوالي الشهرين ذهب والدي إلى لبنان وظل معه هناك حتى سفره إلى لندن للعلاج بعد حوالي أربعة أشهر من إصابته، وكان خالي في بغداد على اتصال دائم معه بحكم قدرته على الاتصال، وبعد مغادرته لندن ذهب والدي إلى هناك وظل حوالي الثلاثة أشهر معه، وبعدما تحسن حاله واطمأن عليه، ثم عاد ليفاجأ بخبر انتكاسته واستشهاده.
وأضاف، "لكن أمي لم تتمكن من زيارته وما زالت هذا القضية غصة في قلبها، وكلما جاء ذكره تبكيه وكأنه استشهد يوم أمس، ولم تتمكن من زيارته بسبب العائلة الكبيرة التي ترعاها (خمس بنات وأربع أولاد) وكان أحمد أكبرنا.
غصّ زياد بالبكاء، وقال: العائلة كلها تشعر بحسرة وغصة في قلوبنا.. ربما لأننا لم نتعرف عليه جيدا وكنا صغارا حينها، وعدد منا ولد بعد استشهاده.
عثمان عثمان
استشهد عثمان عثمان في العاشر من أيار 1981 في ذات اليوم الذي أصيب بها زميله أحمد أثناء قيامه بعمله في مقر الوكالة الواقع في شارع "وفا" أو شارع "الدائرة السياسية" كما اصطلح على تسميته حينها، نتيجة قصف عشوائي من الميلشيا اللبنانية في المنطقة الشرقية من بيروت على منطقة الجامعة العربية.
استشهد عثمان على الفور نتيجة هذا القصف، وكان يبلغ من العمر 21 عاما، وهو من مواليد مخيم برج البراجنة.
واستهدف هذا القصف منطقة الجامعة العربية بعدد كبير من القذائف، وطال مبنى وكالة "وفا" عدد من القذائف.
عزيز التنح
سجل استشهاد الصحفي عزيز التنح أول حالة استشهاد لصحفي في انتفاضة الأقصى يوم 28/10/2001.
استشهد الزميل عزيز التنح مدير مكتب وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا" في بيت لحم، نتيجة إصابته بجروح بالغة في انفجار وقع بمقر جهاز الأمن في مدينة بيت لحم في التاسع عشر من شهر أيلول، حيث كان هناك في مهمة عمل.
نقل التنح للعلاج في الأردن لكنه فارق الحياة بعدها بأيام قليلة.
وزفّ التنح في شهر واحد مرتين، مرة يوم استشهاده ومرة يوم زفافه في 30-9-2001، وهو ما زاد من قسوة الاستشهاد ومن مرارة الحدث على عائلته وزملائه.
ولد الشهيد في الكويت في 4/11/1968 وأنهى دراسته الجامعية في معهد الصحافة وعلوم الأخبار في تونس عام 1994.
التحق التنح بحركة "فتح" ووكالة الأنباء "وفا" في تونس أثناء دراسته في العام 1988، وعلى ضوء اتفاق أوسلو في العام 1993 وعودة كادر ومؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية للوطن، عاد إلى غزة وانتقل بعدها للعمل في بيت لحم مديرا لمكتبها.
أحمد وعثمان وعزيز.. ثلاثة مشاعل مضوا، قدموا حياتهم قرابين الدفاع عن قضيتهم بالكلمة في ملحمة بطولية خاضها شعبنا دفاعا عن حقه بالحياة وبناء دولته، جميعهم قضوا وهم يقومون بمهامهم.
أحمد صالح جمعة
أحمد جمعة واسمه الحركي خالد عبد الكريم، استشهد في بداية شهر حزيران من العام 1981، حيث وافته المنية في لندن بعد سنة من المعاناة والألم نتيجة إصابته بقذائف "هاوزر 125" سقطت على مبنى وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا" في بيروت يوم العاشر من أيار من العام 1981، حيث كان يعمل في قسم الاستماع.
القصف العشوائي من المليشيا اللبنانية في المنطقة الشرقية الذي استهدف منطقة الجامعة العربية وطالت قذيفتان مبنى "وفا"، استشهد على إثرها عامل السنترال في الوكالة عثمان عثمان، وأصيب أحمد الذي هرب من مكتبه المطل على الشارع الرئيسي باتجاه الغرف الداخلية لحماية نفسه لكنه وجد القذائف بانتظاره.
أصيب أحمد إصابات بالغة في الأمعاء، ما استدعى حمله على الفور إلى المستشفى، ويقول أحمد الشيخ المحرر في "وفا " حينها، "قمنا بنقله إلى مستشفى غزة في شاتيلا دون انتظار لسيارة الإسعاف وكنا ندرك خطورة حالته، وظللنا نحادثه طوال الطريق خوفا من أن يفقد الوعي قبل وصوله للمستشفى".
ظل أحمد في مستشفى غزة التابع للهلال الأحمر الفلسطيني لأيام ولم يتحسن حاله، ما استدعى نقله إلى مستشفى الجامعة الأمريكية، وظل فيها لحوالي الأربعة أشهر، بعدها تم نقله إلى مستشفى في العاصمة البريطانية لندن للعلاج، وقضى فيها سبعة أشهر وتحسن وضعه الصحي بصورة ملحوظة، ثم ما لبث أن انتكس حتى فارق الحياة.
وبعد استشهاد أحمد، نقل جثمانه إلى بيروت لمواراته الثرى في مقبرة الشهداء في شاتيلا.
احتفى رفاق أحمد وإخوته كثيرا بمراسم تشييعه علّهم يعوضون من غياب العائلة التي لم تتمكن بسبب الاحتلال من حضور مراسم الدفن في بيروت بناء على وصية الشهيد نفسه.
ولم يهدأ الطيران الإسرائيلي يوم التشييع عن التحليق في سماء بيروت، ونفذ عددا من الغارات الوهمية، ما دفع بالمشيعين لاستعجال الدفن بعد مراسم الصلاة عليه في الجامعة العربية، خاصة وأن هذه الفترة حملت معها تصعيدا عسكريا إسرائيليا، وكانت قبل الاجتياح الإسرائيلي لبيروت بأيام معدودة.
وما أن تحرك موكب التشييع حتى سمع صوت بكاء وعويل. كانت خالته كوكب التي وصلت مع خاله عمر، وما أن فتحت باب السيارة حتى صدمتها صورة أحمد المطبوعة على بوسترات على السيارات وعلى جدران البنايات في المنطقة.
غادرت كوكب بيروت بعد انتهاء بيت العزاء، لكنها لم تنس أن توصي رفاقه بوضع الزهور على قبر أحمد في المناسبات، وقالت لإحدى رفيقات الشهيد: "الله يخليكي يا خالتي حطوا ورد على قبر أحمد في الأعياد"، فرددت عليها: اعتدنا أن نضع الزهور على قبور شهدائنا، لكنها أصرت على أن يتم وضع هذه الورود باسم عائلتها.
"وفا" اتصلت بعائلة الشهيد في قرية طلوزة شمال شرق نابلس، وتحدثت مع شقيقه زياد للوقوف على بعض التفاصيل من حياة الشهيد، خاصة وأن العلاقات بين كوادر منظمة التحرير الفلسطينية لم يكن يتم التطرق فيها إلى القضايا الشخصية لأسباب متعلقة بالأمن.
وعن أحمد قال شقيقه: "أحمد من مواليد طلوزة في العام 1956، غادرها بعد إنهاء تعليمه المدرسي الذي توزع بين مدرسة قريته ومدرسة الصلاحية في نابلس في العامين 1973- 1974 باتجاه القاهرة لدراسة الطب، وهناك وبعد ثلاث سنوات من الدراسة وعلى ضوء توقيع الرئيس المصري آنذاك أنور السادات اتفاقية "كامب ديفيد" مع إسرائيل في العام 1978، تم إبعاد أحمد إلى بيروت، حاله حال العديد من الطلبة الفلسطينيين الدارسين في الجامعات المصرية.
غادر أحمد كما قال شقيقه زياد، باتجاه بغداد لدراسة الصحافة، ولم يطل به المقام فبعد سنة عاد إلى بيروت وهناك التحق بالجامعة اللبنانية إلى جانب عمله في "وفا".
وأضاف، "كان لأحمد مكانة اعتبارية في القرية قبل مغادرته لها، وكان أهل القرية يتعاملون معه كشخص ناضج وواعٍ، وكان عضوا في خلية فدائية مكونة من ستة أشخاص، وكشف أمرها بعد مغادرته للقاهرة بثلاثة أشهر وحكم عليه بالسجن عشرين سنة.
وعن علم عائلته بخبر إصابته قال شقيقه: على ما أذكر أننا عرفنا بعد حوالي عشرة أيام إذ لم تكن الاتصالات كما هي عليه الآن، ويومها توجه أخوالي وأقاربنا في الأردن لزيارته والاطمئنان عليه، وبعد حوالي الشهرين ذهب والدي إلى لبنان وظل معه هناك حتى سفره إلى لندن للعلاج بعد حوالي أربعة أشهر من إصابته، وكان خالي في بغداد على اتصال دائم معه بحكم قدرته على الاتصال، وبعد مغادرته لندن ذهب والدي إلى هناك وظل حوالي الثلاثة أشهر معه، وبعدما تحسن حاله واطمأن عليه، ثم عاد ليفاجأ بخبر انتكاسته واستشهاده.
وأضاف، "لكن أمي لم تتمكن من زيارته وما زالت هذا القضية غصة في قلبها، وكلما جاء ذكره تبكيه وكأنه استشهد يوم أمس، ولم تتمكن من زيارته بسبب العائلة الكبيرة التي ترعاها (خمس بنات وأربع أولاد) وكان أحمد أكبرنا.
غصّ زياد بالبكاء، وقال: العائلة كلها تشعر بحسرة وغصة في قلوبنا.. ربما لأننا لم نتعرف عليه جيدا وكنا صغارا حينها، وعدد منا ولد بعد استشهاده.
عثمان عثمان
استشهد عثمان عثمان في العاشر من أيار 1981 في ذات اليوم الذي أصيب بها زميله أحمد أثناء قيامه بعمله في مقر الوكالة الواقع في شارع "وفا" أو شارع "الدائرة السياسية" كما اصطلح على تسميته حينها، نتيجة قصف عشوائي من الميلشيا اللبنانية في المنطقة الشرقية من بيروت على منطقة الجامعة العربية.
استشهد عثمان على الفور نتيجة هذا القصف، وكان يبلغ من العمر 21 عاما، وهو من مواليد مخيم برج البراجنة.
واستهدف هذا القصف منطقة الجامعة العربية بعدد كبير من القذائف، وطال مبنى وكالة "وفا" عدد من القذائف.
عزيز التنح
سجل استشهاد الصحفي عزيز التنح أول حالة استشهاد لصحفي في انتفاضة الأقصى يوم 28/10/2001.
استشهد الزميل عزيز التنح مدير مكتب وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا" في بيت لحم، نتيجة إصابته بجروح بالغة في انفجار وقع بمقر جهاز الأمن في مدينة بيت لحم في التاسع عشر من شهر أيلول، حيث كان هناك في مهمة عمل.
نقل التنح للعلاج في الأردن لكنه فارق الحياة بعدها بأيام قليلة.
وزفّ التنح في شهر واحد مرتين، مرة يوم استشهاده ومرة يوم زفافه في 30-9-2001، وهو ما زاد من قسوة الاستشهاد ومن مرارة الحدث على عائلته وزملائه.
ولد الشهيد في الكويت في 4/11/1968 وأنهى دراسته الجامعية في معهد الصحافة وعلوم الأخبار في تونس عام 1994.
التحق التنح بحركة "فتح" ووكالة الأنباء "وفا" في تونس أثناء دراسته في العام 1988، وعلى ضوء اتفاق أوسلو في العام 1993 وعودة كادر ومؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية للوطن، عاد إلى غزة وانتقل بعدها للعمل في بيت لحم مديرا لمكتبها.