هدى خشفة.. وصلت "وفا" متطوعة وقضت فيها كل حياتها المهنية
زلفى شحرور
وصلت هدى خشفة لوكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية "وفا" للعمل متطوعة في صفوفها في العام 1975، وقضت حياتها المهنية الطويلة متنقلة معها في المنافي وفي أقسامها المتعددة، حتى غدت "وفا" جزءا من مشوار حياتها..وربما لا تمايز بين علاقتها بعائلتها وعلاقتها بعملها.
شعورها بالانتماء للوكالة يشابه شعور الانتماء للعائلة الكبيرة، كما قالت خشفة في شهادتها بمناسبة الذكرى الأربعين لتأسيس الوكالة "عندي انتماء لوفا.. أشعر أنها أصبحت جزء مني.. من حياتي.. من تاريخي، وأشعر أن كل من يأتي على ذكر "وفا" بصورة سلبية كأنه يطعن في شخصي، وأفرح عندما يكون الكلام عنها إيجابيا".
حكت هدى (56 عاما، وهي أم لأربعة من الأبناء وجدة لثلاثة من الأحفاد)عن تاريخ هذه العلاقة، فقالت "كنا نعمل في اللجان والروابط الشعبية التي انشقت عن جبهة التحرير العربية على ضوء تشكيل جبهة الرفض، وأفرزت عددا من كوادر جبهة الرفض للعمل متطوعين في مؤسسات الإعلام الموحد لعدد من الساعات المحدودة ، وكان أغلبنا طلابا في الجامعات".
وأضافت "تم فرزي على قسم الرصد مع زميلتي رحاب ..وكان يتابع عملنا حينذاك رئيس التحرير سليمان أبو جاموس، وكان يصدر عن هذا القسم نشرة يومية توزع مع نشرة "وفا" الإخبارية".
وتتابع "العمل كان يتركز على رصد نشرات إذاعة العدو وخاصة أقوال الصحف الصباحية، وبقيت أعمل في الرصد الإذاعي كمتطوعة لمدة سنتين وبعدها عرض علي العمل بمكافأة ..وافقت وتم تسليمي القسم بالكامل وأصبحت أنا المسؤولة عن العمل".
تذكر هدى أن التطوع للعمل في الوكالة كان ظاهرة، فالنشرة الانجليزية كان يقوم عليها عدد من المتطوعين الطلبة في الجامعة الأميركية، وكان يشرف عليها البرفيسور رشيد الخالدي الذي كان يعمل حينها في الجامعة الأمريكية.
وتتابع حكايتها مع "وفا":في بداية العمل لم يكن عددنا كبيرا، ولكن بدأ القسم يتوسع خاصة بعد استقبال "وفا" في العام 1980 لعدد من العراقيين المعارضين والفارين من قمع الرئيس العراقي صدام حسين وغالبيتهم أعضاء في الحزب الشيوعي العراقي".
وأضافت "توسع العمل وأصبح عددنا في قسم الرصد قبل الخروج من بيروت 12 موظفا، وكانوا يتوزعون على أربع مناوبات للعمل، وكانت النشرة تصدر حوالي الساعة الرابعة، وتتم طباعتها بماكينات الطباعة الستانسل القديمة ويتم سحبها بماكينة الطباعة القديمة، ومن ثم يتم جمعها للتوزيع على مكاتب القيادة وعلى الصحف المحلية اللبنانية والسفارات، وعملي كان يقوم على متابعتها واختيار المواد التي تهمنا، وبعد الساعة الرابعة يتركز العمل على متابعة أي خبر جديد لإيصاله للقيادة".
وتابعت روايتها "في نشرة الرصد، كنا نركز على أخبار الضفة وتصريحات قادة العدو وكل ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، كنا نرصد الإذاعات العربية إضافة إلى إذاعة العدو وإذاعة لندن ومونت كارلو والإذاعة اللبنانية، وكانت الصحف اللبنانية تأخذ عنا بعض هذه الأخبار وتنسبها لـ"وفا"، وأحيانا كانت تصلنا تعليمات بالتركيز على قضية بذاتها لرصد كل ما يتعلق بتفاصيلها".
وأضافت "في الرصد كنا نعتبر أنفسنا جزءا من المعركة، ولم نقم بتفويت أي خبر مها كان صغيرا إذا كنا نشعر بأهميته، وبعض الأخبار كان يتم إرسالها إلى القيادة على الفور دون انتظار صدور النشرة، فمرة لفت انتباهنا خبر من إذاعة العدو قالت فيه إن قوات الفدائيين يتدربون في معسكرات في منطقة الدامور جنوب بيروت وعلى الفور تم إبلاغ مكتب أبو عمار بالخبر، وعليه تم إخلاء جميع القواعد في المنطقة وبالفعل في صباح اليوم التالي قصفت إسرائيل المنطقة بالطيران".
وقالت خشفة "مع الوقت أصبحنا نعرف حدود عملنا الذي لم يتوقف يوما حتى في أيام الأعياد ولم يكن أحد منا يتذمر من الدوام، بل كان هناك نكهة خاصة للعيد، وكنا ننتظر فيه زيارة أبو عمار لنا ونتنبأ بما يحمله لنا من هدايا مثل الأقلام والساعات".
وأضافت "حتى في لحظات القصف لم نكن نستشعر الخطر وكان العمل يستمر رغم القصف، ففي صيف العام 1981 وأثناء غارات طائرات العدو "لإف 16" على منطقة الفكهاني، أمسكنا ماجد أبو شرار بيده وأخرجنا من المبنى حفاظا على أرواحنا".
ولم يمنع القصف العشوائي المدفعي على منطقة الجامعة العربية من المليشيا اللبنانية في المنطقة الشرقية وطال الوكالة بعض من قذائفه من الاستمرار بعملها رغم الدمار والشهداء، واستشهد فيه كل من عثمان عثمان العامل على السنترال وخالد عبد الكريم (الاسم الحقيقي احمد صالح جمعة)من قسم الرصد والذي استشهد متأثرا بجروحه بعد عام، فبعد القصف قام العاملون في الوكالة بتنظيف المكان بأيديهم واستمروا في عملهم رغم مرارة الألم.
وظلت هدى على رأس عملها حتى العام 1982، وقبل الاجتياح بحوالي الشهرين تم انتدابها مع زوجها الموظف في الوكالة أيضا احمد الشيخ لمدة سنتين إلى وكالة الأنباء الألمانية الناطقة "A.D.N" في ألمانيا الديمقراطية، وكان يتركز عملهم على تصحيح النشرة العربية التي كانت تصدرها الوكالة الألمانية.
وعادت هدى في العام 1983 مرة أخرى للرصد ولكن من تونس..وضحكت وهي تقول "مرة أخرى عدت لاستلام الرصد من أبو جاموس الذي كان يتابعه، وتتابع لكن ليس بذات الزخم الذي كان في بيروت، فعملنا كان محدودا ولم يتجاوز عدد العاملين في الرصد أربعة موظفين، لكننا ظلنا نركز على أخبار الوطن المحتل وإذاعة العدو".
ولم تطل إقامتها في تونس، فالهموم الشخصية بدأت تطل برأسها في حياتها وحياة زوجها، فغادرت إلى الأردن، بسبب الحاجة لإضافة طفلتهما التي كانت في طريقها للحياة لأوراقهم الثبوتية، وفيها التحقت بالعمل في مكتب منظمة التحرير في عمان.
وعن هذه الفترة، قالت "في مقر السفارة عملنا في للدائرة الإعلامية في السفارة وكان المسؤول عنه حينها الحاج خالد مسمار وتحت إشراف نبيل عمرو، وهناك عملت على تأسيس أرشيف أخبار في السفارة حتى العودة للوطن".
وفي العام 1999 عادت حليمة لعادتها القديمة، ومن رام الله عادت لرصد إذاعة إسرائيل و"صوت فلسطين" ولكن بروح مختلفة عن السابق.
ووصفت هذه المرحلة التي امتدت حتى الانقسام "كان العمل بسيطا ومتواضعا بسبب وجود قسم للرصد في غزة، وكان يتم نشر بعض هذه الأخبار في "وفا".
وأضافت: مع الانقسام وانتقال مركز ثقل عمل الوكالة إلى رام الله، ومع قلة الكادر الإداري، وجدت نفسي في مهام جديدة لها علاقة بخبرتي السابقة، وإن كان الحنين يأخذني إلى عمل الرصد الإذاعي.