نبيل عمرو: الإعلام كان يصنع مع السياسة في مطبخ ياسر عرفات
زلفى شحرور
قال نبيل عمرو عن الإعلام الفلسطيني في الخارج، إن "الإعلام كان يصنع مع السياسة في مطبخ ياسر عرفات، الذي كان يتدخل كما لو أنه رئيس تحرير أو محرر، وكان يقول لنا دائما "حاسْبوا على الكلام لأن الكلمة مقابلها دم".
وأضاف عمرو أيضا في شهادة له بالذكرى الأربعين لتأسيس "وفا" عن الإعلام الفلسطيني وطريقة أدائه لمهامه ودوره أن "الإعلام الفلسطيني ضعف بعد الخروج من بيروت بسبب فقدان الحاضنة، فقد كان هناك ثراء فكري وإعلامي ومهني لن يتكرر في أرض الوطن".
ولفت النظر إلى أن الإذاعة الفلسطينية استقطبت نجوما فلسطينيين في الإذاعات العربية، وإنتاج الأناشيد الوطنية كان يخضع لمعايير محددة، وكانت تربية الكادر تتم في مقراتها وبصورة يومية، حتى أن أبو جهاد وجه تعليمات مباشرة بخصوص عملية الشهيدة دلال المغربي عبر الإذاعة".
وذكر عمرو أن الإعلام الفلسطيني بدأ في زمن الثورة إعلاما فصائليا، وكان لحركة "فتح" إعلام قوي ومؤثر ومثله إعلام الفصائل، وعندما بدأت تنضج فكرة توحيد الفصائل الفلسطينية داخل إطار منظمة التحرير الفلسطينية، بدأت تنضج معها فكرة تأسيس إعلام موحد أيضا، ومن هنا كانت فكرة الإعلام الموحد الذي كان يرأسه حينها الشهيد كمال ناصر وكان مديره الشهيد ماجد أبو شرار.
ومع فكرة التوحد تحولت الأسماء وصارت مجلة حركة "فتح" باسم "فلسطين الثورة"، وصوت "العاصفة" أصبحت "صوت فلسطين"، وكانت "وفا" آخر ولادات مؤسسات الإعلام الموحد في بيروت وفي حضن الوحدة الوطنية في العام 1973.
وأصبحت "وفا" منذ تأسيسها المصدر الوحيد للخبر الرسمي، تصدر عنها أخبار اجتماعات القيادة وتصريحات القائد العام "أبو عمار"، وكانت آلية نشر الأخبار في الإذاعة وفي "فلسطين الثورة" تعتمد على ما تبثه "وفا".
وعن السياسات والرسالة الإعلامية، وكيف كان يتم صياغتها في المؤسسات الإعلامية التابعة لمنظمة التحرير، قال عمرو "الإعلام كان يصنع مع السياسة في مطبخ ياسر عرفات، وكان المسؤولون عن المؤسسات الإعلامية على اتصال معه بصورة دائمة ويمكن وصفه باللحظي سواء بالاتصال المباشر أو عبر الهاتف".
وأضاف "الإعلام أحد الأسلحة الأهم في معركة الوجود والبقاء الفلسطيني، وكان الرئيس عرفات لا يغفل الجانب الإعلامي، وكنا نعرف متى يحتاج الأمر إلى توجيه، ونستنتج ذلك بحكم كوننا شركاء في العملية السياسية، وكنا نجتهد وقادرين على التعبير عن السياسة بصورة دقيقة".
وتابع: في حال وجد اجتهاد خاطئ أو نُشر خبر لجس أفكار طرف معين كان يسحب الخبر من الصحف، ويتم نفيه في "وفا" حتى سميت في فترة لكثرة ما نفت أخبارا فلسطينية بـ"وكالة نفي".
وعن تدخل ياسر عرفات في الإعلام، قال عمرو "عرفات كان يتدخل كما لو كان محررا أو رئيس تحرير، ولا يتدخل في المضامين فقط بل كان يتدخل في الصياغة، وكان يقول لنا "حاسْبوا على الكلام لأن الكلمة مقابلها دم"".
وأضاف "كنا نتوسع في الكلام والتغطية الإعلامية كثيرا، وكان يغضب ويطالبنا بالكلام المقتضب وبالصوت المنخفض في المعارك الإعلامية، وكان لا يحب الهجوم الإعلامي حتى على الخصوم، لأنه كان يؤمن بشعرة معاوية، ويطالبنا بأن تكون الحملة الإعلامية ضد دول وأنظمة بالحملة المقبولة ولها خطوط رجعة".
وبخصوص التنافس بين مسؤولي المؤسسات الإعلامية على الموقع والكادر، قال "كان هناك تنافس شخصي ومهني على المواقع في إطار فتح ومنظمة التحرير.. نتنافس على الأولوية في الموقع.. نتنافس على من هو الجهاز الأهم، وكان أبو عمار يعطي أهمية كبرى للإذاعة كونها تصل إلى حيث لا يصل غيرها، فكانت منبره الأساس في الإعلام، وكانت "فلسطين الثورة" و"وفا" على نفس الأهمية، كما كان يعطي أهمية للإعلام الخارجي".
وأضاف "تطوير المؤسسة الإعلامية كان مرهونا برئيسه، فإذا أراد لنفسه العمل بصورة ميكانيكية طبع عمل مؤسسته بهذا الطابع، وإذا أراد التوسع والتحديث كانت الظروف مواتية، فلم يكن علينا قيد في تدريب الكادر ولا في استقطاب كوادر فنية وثقافية، والإمكانيات المالية كانت جيدة ولم تكن قيود".
وتابع عمرو "في عملية التأسيس كان يدخل إلى منظومة العمل قليلو الخبرة، وبعد فترة بدأ الفرز حسب الكفاءة، فلا يمكن أن يدخل "فلسطين الثورة" من لا يجيد الكتابة، ولا يدخل الإذاعة مذيع بلغة مكسرة، فالكادر كان مؤهلا وقويا وقادرا على رعاية وتدريب العاملين معه، فقد مرت على مؤسسة الإعلام كوادر ذات وزن سياسي وإعلامي وثقافي عالمي وذات خبرة عالية مثل البرفيسور رشيد الخالدي في "وفا"، وأسماء كبيرة مثل: ماجد أبو شرار، وفؤاد ياسين، وأحمد عبد الرحمن، والطيب عبد الرحيم.
وقال "استفدنا من الكوادر الفلسطينية التي احتلت مواقع قيادية في مؤسسات إعلامية عربية، وكان هناك ثراء في الكادر الإعلامي، وساهم في ثرائه وجود مؤسسات بحثية كبيرة مثل مركز الأبحاث ومركز الدراسات، كذلك كان هناك ثراء فكري وإعلامي ومهني لن يتكرر، ولم نستطع تكراره في أرض الوطن".
وأضاف "كنا نستفيد جميعا من إنتاج مؤسسات الإعلام، فكنا نستعين في قسم الأخبار بالإذاعة بمحررين "وفا"، وكنا نرسل بعض التقارير لـ"وفا"، ونأخذ كلمة المحرر السياسي من "وفا" ومن "فلسطين الثورة" وهم يستفيدون كذلك بما تبثه الإذاعة".
وأشار عمرو إلى وجود إنتاج إعلامي على هامش هذه المؤسسات الإعلامية، مثل مجلة "الرصيف" التي كان يقوم عليها الكاتب علي فودة.
وروى عمرو بعض جوانب خبرته في الإذاعة، خاصة في فترة الاجتياح الإسرائيلي والإصرار على الاستمرار، فقال "قبل الاجتياح كنا نبث لمدة ثلاث ساعات، ومع الاجتياح عام 1982 زدنا البث لمدة 20 ساعة يوميا، وكان هذا تحدي لنا".
وأضاف "لنتمكن من توفير مادة للبث، عقدنا اجتماعا في مقر العلاقات الخارجية لفتح في مكتب أبو حاتم (محمد أبو ميزر) على ضوء الشموع، ودعونا له جميع المثقفين والكتاب الفلسطينيين واللبنانيين الذين كنا نتعاون معهم، وطلبنا منهم الالتحاق بمؤسسات الثورة وتحديدا الإذاعة، وبالفعل امتلأت الإذاعة بالكوادر وأصبح عندنا فائض مواد، والجميع كان يعزف على مقطوعة واحدة لها علاقة بالصمود والمعركة".
وذكر عمرو أن الإذاعة كانت الهدف الأول للاجتياح الإسرائيلي، وذلك لضرب قدرة القيادة على التعبئة ونقل أخبار الجرائم الإسرائيلية، وعندما لم يتمكنوا من تدمير محطة البث في صيدا على جبل سيروب بقصف الطيران؛ بسبب متانة بناءها تم قصفها بقنابل فراغية وارتجاجية.
وأضاف "بسبب هذه الضربة أصبحنا نقوم بالبث من محطة احتياطية من على سيارة، وكنا ننقلها من مكان إلى آخر، وقرأت مرة أنهم فكروا بقصفها لكنها كانت في منطقة مأهولة بالسكان فتخلوا عن ذلك، ورغم القصف كان أبو عمار يصل متخفيا وبصورة يومية إلى مكاتب الإذاعة لمتابعة سير عملها".
ورأى عمرو أن الإعلام قام بدوره في الاجتياح وأن البعض تميز بسبب طبيعة المعركة، فالإعلام الخارجي كان له دور مميز مع الصحفيين الأجانب، إضافة إلى تنظيمه معرض للصواريخ والشظايا وآلة الحرب الإسرائيلية في شارع فلسطين الثورة كشاهد على بشاعة الاجتياح، ولا ينسى عمرو الراحل خليل الزبن الذي رفض مغادرة مكتب "وفا" طوال فترة الاجتياح مصرا على الصمود والبقاء.
وقال: عملت الصحافة المكتوبة "فلسطين الثورة" و"وفا" بكل طاقاتها، وأسس زياد عبد الفتاح مجلة "المعركة" وكانت ناجحة ومواكبة للحدث، لكن العبء الأكبر كان ملقى على الإذاعة بحكم قدرتها على الوصول إلى مساحات لا تستطيعها الصحافة المكتوفة.
وعن معارك الإعلام الفلسطيني التي خاضها ضد دول وأنظمة دفاعا عن القرار الوطني المستقل وعلى الأخص بعد الخروج من لبنان، قال "الإعلام الفلسطيني كان يمشي بالتوازي مع القرار السياسي الذي كان محاط بتحديات كبرى ومتورط في معارك قوية ومتصلة، ومثله كان الإعلام الذي كان صوته مسموعا ومؤثرا على الرغم من ضعف الأداة في حين تميزوا هم بأدواتهم الإعلامية".
وأضاف "سر هذا النجاح الأيمان واليقين بالحق وبما نفعل، كنا ثوارا ولم نكن موظفين، فمكاتب "وفا" والإذاعة كانت في فوهة الدبابة الإسرائيلية المتمركزة على دوار "الكولا" الذي يبعد عنا نحو 200 متر فقط، ورغم ذلك استمرتا في أداء مهامهما".
وأشار عمرو إلى اعتماد الإعلام الفلسطيني على حلفائه وأصدقائه في الصحافة اللبنانية والعربية، فقال "كنا ننسق سويا ونعمل ليل نهار لإيصال رسالتنا الإعلامية عبر المنابر الفلسطينية وغيرها".
وقال "الإعلام الفلسطيني أيضا كان يؤثر بالإعلام اللبناني وفي الصحافة والشؤون الفكرية والسياسية والثقافية اللبنانية، في حين كان تأثير محمود درويش واضحا ومهما أيضا، وقد كانت "السفير" اللبنانية برئاسة طلال سلمان جريدة ديمقراطية وتقاتل في معارك الفلسطينيين وأصبحت صحيفة الحركة الوطنية اللبنانية، وكان هناك امتداد فلسطيني في الصحافة اللبنانية، وهناك أعلام في الصحافة اللبنانية مثل فريد الخطيب وشفيق الحوت وإبراهيم أبو ناب، وكان هناك تداخل في المنابر الفلسطينية واللبنانية".
وأردف "ضعف أداء الإعلام الفلسطيني بعد الخروج من بيروت؛ بسبب غياب الحاضنة التي يحتاج إليها، وبيروت كانت حاضنة قوية وفعالة.. بيروت ليست تونس ولا صنعاء ولا بغداد ولا دمشق، ومع فقدان الحاضنة فقدنا الأرض والقوة والفضاء اللبناني الذي ينطلق منه الإعلام، وبدأ الخفوت منذ ذلك الوقت، ففي الإذاعة كان هناك صداقات إذاعية لمدة ساعة في عدن وصنعاء وبغداد والجزائر لكنها لا ترقى لمستوى البث في بيروت، وصارت "فلسطين الثورة" تصدر من قبرص، و"وفا" من تونس.
وعن العناية بالكادر وتدريبه، قال عمرو "عملية التدريب كانت تتم بصورة ذاتية، فقد كانت رموز في الإعلام الإذاعي، فكان فؤاد ياسين مسؤول الإذاعة مؤسس "صوت العرب" و"إذاعة دمشق" وعنده كل الخبرات، وكان رسمي أبو علي مذيعا نجما في الإذاعة الأردنية، وخليل عليبوني ومازن النقيب كانا في "صوت العرب"، وهؤلاء كانوا قائمين على إذاعات، إذ أن أستاذة الإعلام في العالم العربي كانوا فلسطينيين، وقد كنا في الإذاعة ندرب صحفيين من خارج الإذاعة".
ونوه عمرو إلى تجربة تدريب الكادر في الإذاعة وقال "خلق فؤاد ياسين داخل الإذاعة مساحة للتعلم ومساحة للتخطيط، ففي كل يوم عمل من عمل الإذاعة كان يتولى واحدا من العاملين إدارتها تحت إشراف ياسين، وذلك بهدف تدريب كل العاملين فيها عل إداراتها وكنا نسميه مدير اليوم".
وتابع "كل يوم عند العاشرة كان يعقد اجتماع لكل العاملين، وكان مدير اليوم يأتي مبكرا في الصباح للتحضير للاجتماع، ويحدد بناء على عدد من مصادر المعلومات التي تصله من قسم معلومات المصادر خطة العمل لهذا اليوم، وفي الاجتماع يتم نقاش الخطة والتكليفات، ويحضر هذا الاجتماع كل كادر الإذاعة بحضور ياسين الذي يراقب العمل، ويقوم مدير اليوم بمراجعة كل المواد المكتوبة وله الحق بإجازتها والتعديل عليها، وله صلاحيات مطلقة حتى في إنزال مذيع عن الهواء، ويظل المسؤول الأول حتى انتهاء البث، وممنوع عليه المغادرة، هو من يفتح ويغلق باب الإذاعة".
وفي اليوم التالي تتم مراجعة وتقييم عمل اليوم السابق وتوجيه الملاحظات على العمل بهدف تعليم الجميع من أخطائهم، موضحا أن آلية العمل هذه كان معمول بها إلى حد ما في بيروت، ولكن ليس بذات الدقة والانتظام.
واستذكر عمرو "في العام 1971 استلمنا الإذاعة في القاهرة، واستمر البث منها حتى العام 1976 ومع اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية بدأنا البث من بيروت".
وقال "في بيروت توليت إدارة الإذاعة وأدخلت بعض التعديلات في العمل، من نوع السماح ببث بعض الأغاني الفردية التي كانت ممنوعة، وكنا نبث فقط أناشيد الثورة الفلسطينية، وأول أغنية فردية بثت كانت أغنية "الأرض بتتكلم عربي"، وأصبحنا نبث أغاني وطنية وأخرى لفيروز".
وأضاف "أدخلنا أيضا كوادر للعمل في الإذاعة من خارج "فتح"، وكان العمل في الإذاعة في البدايات حكرا على الفتحاويين، أدخلنا مناضلين عرب للعمل في الجوانب التقنية وللاستفادة من خبراتهم، خاصة مع وصول عدد كبير من المناضلين العراقيين إلى لبنان وتم الاستعانة بخبراتهم التقنية والكتابية".
وعن النداءات التي كانت توجه للفدائيين الفلسطينيين في مواقعهم المختلفة، والتي كانوا ينتظرونها على أحر من الجمر، قال عمرو "هذه النداءات كانت تصلنا من القطاع الغربي بتوقيع الأخ أبو جهاد أو بتفويض منه عبر جهاز اللاسلكي إلى القاهرة، وكانت هذه النداءات نظام شيفرة يستحيل اكتشافه، لأنه لا قواعد له وهو اتفاق بين طرفين، والمعروف منها فقط كان "ألف قاف" وتعني "أبو جهاد".
وأضاف "لم نكن نعرف عنها شيئا كنا نذيعها فقط، ولكن في العمليات الساخنة كنا نعرف، فأثناء تنفيذ عملية دلال المغربي جاء أبو جهاد للإذاعة وصار يرسل تعليماته مباشرة عبر الإذاعة".
وعن آليات الإنتاج الإذاعي، قال "كنا ننتج أناشيد الثورة الفلسطينية بالتعاون مع صوت العرب في القاهرة، وقد كانت من أهم الأناشيد التي أنتجت في العالم العربي، وكان يتم تسجيلها باستديوهات صوت العرب، في حين نقوم نحن بتحضير الكلام واللحن".
وأضاف "وضع فؤاد ياسين ضوابط لإنتاج الأناشيد بحيث لا تزيد عن دقيقتين وبحد أعلى ثلاث دقائق، وكانت تؤدى بصورة جماعية، وكان الكلام له علاقة بالموقف السياسي الراهن إما تفسيرا أو تعبئة، وعلى ضوء قرار إنتاج نشيد كنا نعقد اجتماعا يحضره كادر الإذاعة بكامله، مع حضور المؤلفين وهم صلاح الحسيني وحسيب القاضي وأبو هشام المزين، وبحضور الملحن مهدى سردانة".
وتابع عمرو: أحيانا كانت تأتينا توجيهات من القيادة لإنتاج نشيد لموقف معين، فمثلا في حصار لدورا في الخليل ومنع أهلها من مغادرتها لحين تسليم الفدائيين باجس أبو عطوان وموسى أبو مليحة، جاءنا اتصال بأننا لم نعالج الأمر في الإذاعة وعلينا الاهتمام به، وعقدنا اجتماعا وقام حسيب القاضي بتأليف النشيد ولحنه مهدي سردانة وخرجنا بنشيد يقول:
طوق يا عدو طوقطوق يا عدو طوق مدينتنا وقريتنا وشارعنا وحارتناوسجن أهلنا وشنقيمين الله عن الثورة ما نتخلى
قال نبيل عمرو عن الإعلام الفلسطيني في الخارج، إن "الإعلام كان يصنع مع السياسة في مطبخ ياسر عرفات، الذي كان يتدخل كما لو أنه رئيس تحرير أو محرر، وكان يقول لنا دائما "حاسْبوا على الكلام لأن الكلمة مقابلها دم".
وأضاف عمرو أيضا في شهادة له بالذكرى الأربعين لتأسيس "وفا" عن الإعلام الفلسطيني وطريقة أدائه لمهامه ودوره أن "الإعلام الفلسطيني ضعف بعد الخروج من بيروت بسبب فقدان الحاضنة، فقد كان هناك ثراء فكري وإعلامي ومهني لن يتكرر في أرض الوطن".
ولفت النظر إلى أن الإذاعة الفلسطينية استقطبت نجوما فلسطينيين في الإذاعات العربية، وإنتاج الأناشيد الوطنية كان يخضع لمعايير محددة، وكانت تربية الكادر تتم في مقراتها وبصورة يومية، حتى أن أبو جهاد وجه تعليمات مباشرة بخصوص عملية الشهيدة دلال المغربي عبر الإذاعة".
وذكر عمرو أن الإعلام الفلسطيني بدأ في زمن الثورة إعلاما فصائليا، وكان لحركة "فتح" إعلام قوي ومؤثر ومثله إعلام الفصائل، وعندما بدأت تنضج فكرة توحيد الفصائل الفلسطينية داخل إطار منظمة التحرير الفلسطينية، بدأت تنضج معها فكرة تأسيس إعلام موحد أيضا، ومن هنا كانت فكرة الإعلام الموحد الذي كان يرأسه حينها الشهيد كمال ناصر وكان مديره الشهيد ماجد أبو شرار.
ومع فكرة التوحد تحولت الأسماء وصارت مجلة حركة "فتح" باسم "فلسطين الثورة"، وصوت "العاصفة" أصبحت "صوت فلسطين"، وكانت "وفا" آخر ولادات مؤسسات الإعلام الموحد في بيروت وفي حضن الوحدة الوطنية في العام 1973.
وأصبحت "وفا" منذ تأسيسها المصدر الوحيد للخبر الرسمي، تصدر عنها أخبار اجتماعات القيادة وتصريحات القائد العام "أبو عمار"، وكانت آلية نشر الأخبار في الإذاعة وفي "فلسطين الثورة" تعتمد على ما تبثه "وفا".
وعن السياسات والرسالة الإعلامية، وكيف كان يتم صياغتها في المؤسسات الإعلامية التابعة لمنظمة التحرير، قال عمرو "الإعلام كان يصنع مع السياسة في مطبخ ياسر عرفات، وكان المسؤولون عن المؤسسات الإعلامية على اتصال معه بصورة دائمة ويمكن وصفه باللحظي سواء بالاتصال المباشر أو عبر الهاتف".
وأضاف "الإعلام أحد الأسلحة الأهم في معركة الوجود والبقاء الفلسطيني، وكان الرئيس عرفات لا يغفل الجانب الإعلامي، وكنا نعرف متى يحتاج الأمر إلى توجيه، ونستنتج ذلك بحكم كوننا شركاء في العملية السياسية، وكنا نجتهد وقادرين على التعبير عن السياسة بصورة دقيقة".
وتابع: في حال وجد اجتهاد خاطئ أو نُشر خبر لجس أفكار طرف معين كان يسحب الخبر من الصحف، ويتم نفيه في "وفا" حتى سميت في فترة لكثرة ما نفت أخبارا فلسطينية بـ"وكالة نفي".
وعن تدخل ياسر عرفات في الإعلام، قال عمرو "عرفات كان يتدخل كما لو كان محررا أو رئيس تحرير، ولا يتدخل في المضامين فقط بل كان يتدخل في الصياغة، وكان يقول لنا "حاسْبوا على الكلام لأن الكلمة مقابلها دم"".
وأضاف "كنا نتوسع في الكلام والتغطية الإعلامية كثيرا، وكان يغضب ويطالبنا بالكلام المقتضب وبالصوت المنخفض في المعارك الإعلامية، وكان لا يحب الهجوم الإعلامي حتى على الخصوم، لأنه كان يؤمن بشعرة معاوية، ويطالبنا بأن تكون الحملة الإعلامية ضد دول وأنظمة بالحملة المقبولة ولها خطوط رجعة".
وبخصوص التنافس بين مسؤولي المؤسسات الإعلامية على الموقع والكادر، قال "كان هناك تنافس شخصي ومهني على المواقع في إطار فتح ومنظمة التحرير.. نتنافس على الأولوية في الموقع.. نتنافس على من هو الجهاز الأهم، وكان أبو عمار يعطي أهمية كبرى للإذاعة كونها تصل إلى حيث لا يصل غيرها، فكانت منبره الأساس في الإعلام، وكانت "فلسطين الثورة" و"وفا" على نفس الأهمية، كما كان يعطي أهمية للإعلام الخارجي".
وأضاف "تطوير المؤسسة الإعلامية كان مرهونا برئيسه، فإذا أراد لنفسه العمل بصورة ميكانيكية طبع عمل مؤسسته بهذا الطابع، وإذا أراد التوسع والتحديث كانت الظروف مواتية، فلم يكن علينا قيد في تدريب الكادر ولا في استقطاب كوادر فنية وثقافية، والإمكانيات المالية كانت جيدة ولم تكن قيود".
وتابع عمرو "في عملية التأسيس كان يدخل إلى منظومة العمل قليلو الخبرة، وبعد فترة بدأ الفرز حسب الكفاءة، فلا يمكن أن يدخل "فلسطين الثورة" من لا يجيد الكتابة، ولا يدخل الإذاعة مذيع بلغة مكسرة، فالكادر كان مؤهلا وقويا وقادرا على رعاية وتدريب العاملين معه، فقد مرت على مؤسسة الإعلام كوادر ذات وزن سياسي وإعلامي وثقافي عالمي وذات خبرة عالية مثل البرفيسور رشيد الخالدي في "وفا"، وأسماء كبيرة مثل: ماجد أبو شرار، وفؤاد ياسين، وأحمد عبد الرحمن، والطيب عبد الرحيم.
وقال "استفدنا من الكوادر الفلسطينية التي احتلت مواقع قيادية في مؤسسات إعلامية عربية، وكان هناك ثراء في الكادر الإعلامي، وساهم في ثرائه وجود مؤسسات بحثية كبيرة مثل مركز الأبحاث ومركز الدراسات، كذلك كان هناك ثراء فكري وإعلامي ومهني لن يتكرر، ولم نستطع تكراره في أرض الوطن".
وأضاف "كنا نستفيد جميعا من إنتاج مؤسسات الإعلام، فكنا نستعين في قسم الأخبار بالإذاعة بمحررين "وفا"، وكنا نرسل بعض التقارير لـ"وفا"، ونأخذ كلمة المحرر السياسي من "وفا" ومن "فلسطين الثورة" وهم يستفيدون كذلك بما تبثه الإذاعة".
وأشار عمرو إلى وجود إنتاج إعلامي على هامش هذه المؤسسات الإعلامية، مثل مجلة "الرصيف" التي كان يقوم عليها الكاتب علي فودة.
وروى عمرو بعض جوانب خبرته في الإذاعة، خاصة في فترة الاجتياح الإسرائيلي والإصرار على الاستمرار، فقال "قبل الاجتياح كنا نبث لمدة ثلاث ساعات، ومع الاجتياح عام 1982 زدنا البث لمدة 20 ساعة يوميا، وكان هذا تحدي لنا".
وأضاف "لنتمكن من توفير مادة للبث، عقدنا اجتماعا في مقر العلاقات الخارجية لفتح في مكتب أبو حاتم (محمد أبو ميزر) على ضوء الشموع، ودعونا له جميع المثقفين والكتاب الفلسطينيين واللبنانيين الذين كنا نتعاون معهم، وطلبنا منهم الالتحاق بمؤسسات الثورة وتحديدا الإذاعة، وبالفعل امتلأت الإذاعة بالكوادر وأصبح عندنا فائض مواد، والجميع كان يعزف على مقطوعة واحدة لها علاقة بالصمود والمعركة".
وذكر عمرو أن الإذاعة كانت الهدف الأول للاجتياح الإسرائيلي، وذلك لضرب قدرة القيادة على التعبئة ونقل أخبار الجرائم الإسرائيلية، وعندما لم يتمكنوا من تدمير محطة البث في صيدا على جبل سيروب بقصف الطيران؛ بسبب متانة بناءها تم قصفها بقنابل فراغية وارتجاجية.
وأضاف "بسبب هذه الضربة أصبحنا نقوم بالبث من محطة احتياطية من على سيارة، وكنا ننقلها من مكان إلى آخر، وقرأت مرة أنهم فكروا بقصفها لكنها كانت في منطقة مأهولة بالسكان فتخلوا عن ذلك، ورغم القصف كان أبو عمار يصل متخفيا وبصورة يومية إلى مكاتب الإذاعة لمتابعة سير عملها".
ورأى عمرو أن الإعلام قام بدوره في الاجتياح وأن البعض تميز بسبب طبيعة المعركة، فالإعلام الخارجي كان له دور مميز مع الصحفيين الأجانب، إضافة إلى تنظيمه معرض للصواريخ والشظايا وآلة الحرب الإسرائيلية في شارع فلسطين الثورة كشاهد على بشاعة الاجتياح، ولا ينسى عمرو الراحل خليل الزبن الذي رفض مغادرة مكتب "وفا" طوال فترة الاجتياح مصرا على الصمود والبقاء.
وقال: عملت الصحافة المكتوبة "فلسطين الثورة" و"وفا" بكل طاقاتها، وأسس زياد عبد الفتاح مجلة "المعركة" وكانت ناجحة ومواكبة للحدث، لكن العبء الأكبر كان ملقى على الإذاعة بحكم قدرتها على الوصول إلى مساحات لا تستطيعها الصحافة المكتوفة.
وعن معارك الإعلام الفلسطيني التي خاضها ضد دول وأنظمة دفاعا عن القرار الوطني المستقل وعلى الأخص بعد الخروج من لبنان، قال "الإعلام الفلسطيني كان يمشي بالتوازي مع القرار السياسي الذي كان محاط بتحديات كبرى ومتورط في معارك قوية ومتصلة، ومثله كان الإعلام الذي كان صوته مسموعا ومؤثرا على الرغم من ضعف الأداة في حين تميزوا هم بأدواتهم الإعلامية".
وأضاف "سر هذا النجاح الأيمان واليقين بالحق وبما نفعل، كنا ثوارا ولم نكن موظفين، فمكاتب "وفا" والإذاعة كانت في فوهة الدبابة الإسرائيلية المتمركزة على دوار "الكولا" الذي يبعد عنا نحو 200 متر فقط، ورغم ذلك استمرتا في أداء مهامهما".
وأشار عمرو إلى اعتماد الإعلام الفلسطيني على حلفائه وأصدقائه في الصحافة اللبنانية والعربية، فقال "كنا ننسق سويا ونعمل ليل نهار لإيصال رسالتنا الإعلامية عبر المنابر الفلسطينية وغيرها".
وقال "الإعلام الفلسطيني أيضا كان يؤثر بالإعلام اللبناني وفي الصحافة والشؤون الفكرية والسياسية والثقافية اللبنانية، في حين كان تأثير محمود درويش واضحا ومهما أيضا، وقد كانت "السفير" اللبنانية برئاسة طلال سلمان جريدة ديمقراطية وتقاتل في معارك الفلسطينيين وأصبحت صحيفة الحركة الوطنية اللبنانية، وكان هناك امتداد فلسطيني في الصحافة اللبنانية، وهناك أعلام في الصحافة اللبنانية مثل فريد الخطيب وشفيق الحوت وإبراهيم أبو ناب، وكان هناك تداخل في المنابر الفلسطينية واللبنانية".
وأردف "ضعف أداء الإعلام الفلسطيني بعد الخروج من بيروت؛ بسبب غياب الحاضنة التي يحتاج إليها، وبيروت كانت حاضنة قوية وفعالة.. بيروت ليست تونس ولا صنعاء ولا بغداد ولا دمشق، ومع فقدان الحاضنة فقدنا الأرض والقوة والفضاء اللبناني الذي ينطلق منه الإعلام، وبدأ الخفوت منذ ذلك الوقت، ففي الإذاعة كان هناك صداقات إذاعية لمدة ساعة في عدن وصنعاء وبغداد والجزائر لكنها لا ترقى لمستوى البث في بيروت، وصارت "فلسطين الثورة" تصدر من قبرص، و"وفا" من تونس.
وعن العناية بالكادر وتدريبه، قال عمرو "عملية التدريب كانت تتم بصورة ذاتية، فقد كانت رموز في الإعلام الإذاعي، فكان فؤاد ياسين مسؤول الإذاعة مؤسس "صوت العرب" و"إذاعة دمشق" وعنده كل الخبرات، وكان رسمي أبو علي مذيعا نجما في الإذاعة الأردنية، وخليل عليبوني ومازن النقيب كانا في "صوت العرب"، وهؤلاء كانوا قائمين على إذاعات، إذ أن أستاذة الإعلام في العالم العربي كانوا فلسطينيين، وقد كنا في الإذاعة ندرب صحفيين من خارج الإذاعة".
ونوه عمرو إلى تجربة تدريب الكادر في الإذاعة وقال "خلق فؤاد ياسين داخل الإذاعة مساحة للتعلم ومساحة للتخطيط، ففي كل يوم عمل من عمل الإذاعة كان يتولى واحدا من العاملين إدارتها تحت إشراف ياسين، وذلك بهدف تدريب كل العاملين فيها عل إداراتها وكنا نسميه مدير اليوم".
وتابع "كل يوم عند العاشرة كان يعقد اجتماع لكل العاملين، وكان مدير اليوم يأتي مبكرا في الصباح للتحضير للاجتماع، ويحدد بناء على عدد من مصادر المعلومات التي تصله من قسم معلومات المصادر خطة العمل لهذا اليوم، وفي الاجتماع يتم نقاش الخطة والتكليفات، ويحضر هذا الاجتماع كل كادر الإذاعة بحضور ياسين الذي يراقب العمل، ويقوم مدير اليوم بمراجعة كل المواد المكتوبة وله الحق بإجازتها والتعديل عليها، وله صلاحيات مطلقة حتى في إنزال مذيع عن الهواء، ويظل المسؤول الأول حتى انتهاء البث، وممنوع عليه المغادرة، هو من يفتح ويغلق باب الإذاعة".
وفي اليوم التالي تتم مراجعة وتقييم عمل اليوم السابق وتوجيه الملاحظات على العمل بهدف تعليم الجميع من أخطائهم، موضحا أن آلية العمل هذه كان معمول بها إلى حد ما في بيروت، ولكن ليس بذات الدقة والانتظام.
واستذكر عمرو "في العام 1971 استلمنا الإذاعة في القاهرة، واستمر البث منها حتى العام 1976 ومع اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية بدأنا البث من بيروت".
وقال "في بيروت توليت إدارة الإذاعة وأدخلت بعض التعديلات في العمل، من نوع السماح ببث بعض الأغاني الفردية التي كانت ممنوعة، وكنا نبث فقط أناشيد الثورة الفلسطينية، وأول أغنية فردية بثت كانت أغنية "الأرض بتتكلم عربي"، وأصبحنا نبث أغاني وطنية وأخرى لفيروز".
وأضاف "أدخلنا أيضا كوادر للعمل في الإذاعة من خارج "فتح"، وكان العمل في الإذاعة في البدايات حكرا على الفتحاويين، أدخلنا مناضلين عرب للعمل في الجوانب التقنية وللاستفادة من خبراتهم، خاصة مع وصول عدد كبير من المناضلين العراقيين إلى لبنان وتم الاستعانة بخبراتهم التقنية والكتابية".
وعن النداءات التي كانت توجه للفدائيين الفلسطينيين في مواقعهم المختلفة، والتي كانوا ينتظرونها على أحر من الجمر، قال عمرو "هذه النداءات كانت تصلنا من القطاع الغربي بتوقيع الأخ أبو جهاد أو بتفويض منه عبر جهاز اللاسلكي إلى القاهرة، وكانت هذه النداءات نظام شيفرة يستحيل اكتشافه، لأنه لا قواعد له وهو اتفاق بين طرفين، والمعروف منها فقط كان "ألف قاف" وتعني "أبو جهاد".
وأضاف "لم نكن نعرف عنها شيئا كنا نذيعها فقط، ولكن في العمليات الساخنة كنا نعرف، فأثناء تنفيذ عملية دلال المغربي جاء أبو جهاد للإذاعة وصار يرسل تعليماته مباشرة عبر الإذاعة".
وعن آليات الإنتاج الإذاعي، قال "كنا ننتج أناشيد الثورة الفلسطينية بالتعاون مع صوت العرب في القاهرة، وقد كانت من أهم الأناشيد التي أنتجت في العالم العربي، وكان يتم تسجيلها باستديوهات صوت العرب، في حين نقوم نحن بتحضير الكلام واللحن".
وأضاف "وضع فؤاد ياسين ضوابط لإنتاج الأناشيد بحيث لا تزيد عن دقيقتين وبحد أعلى ثلاث دقائق، وكانت تؤدى بصورة جماعية، وكان الكلام له علاقة بالموقف السياسي الراهن إما تفسيرا أو تعبئة، وعلى ضوء قرار إنتاج نشيد كنا نعقد اجتماعا يحضره كادر الإذاعة بكامله، مع حضور المؤلفين وهم صلاح الحسيني وحسيب القاضي وأبو هشام المزين، وبحضور الملحن مهدى سردانة".
وتابع عمرو: أحيانا كانت تأتينا توجيهات من القيادة لإنتاج نشيد لموقف معين، فمثلا في حصار لدورا في الخليل ومنع أهلها من مغادرتها لحين تسليم الفدائيين باجس أبو عطوان وموسى أبو مليحة، جاءنا اتصال بأننا لم نعالج الأمر في الإذاعة وعلينا الاهتمام به، وعقدنا اجتماعا وقام حسيب القاضي بتأليف النشيد ولحنه مهدي سردانة وخرجنا بنشيد يقول:
طوق يا عدو طوقطوق يا عدو طوق مدينتنا وقريتنا وشارعنا وحارتناوسجن أهلنا وشنقيمين الله عن الثورة ما نتخلى