ويتجدد حزيران - خالد مسمار
كل عام يمّر على الفلسطيني، بل وعلى العربي، شهران يحملان أصعب الذكريات وأكثرها ايلاما..
وما هي الأشهر التي فيها، أصلا، ذكريات حلوة؟!
أربعة وستون عاماً مرت على ذكرى النكبة في أيار 1948!
وخمسة وأربعون عاما مرت على ذكرى النكسة في حزيران 1967!
أيار وحزيران..
يا الله، ما أصعب تذكرهما!
كنا أطفالا في ايار 48.. أقصد جيلنا
ذقنا طعم الهزيمة والانكسار في سن مبكرة كان بحاجة إلى المرح والفرح لا إلى ما هو أكبر من ادراكه.
دخل في وعينا الصغير بل وعلى مرأى من أعيننا، الذل والمهانة التي صحبت اللاجئ الفلسطيني الممتطي شاحنات الهجرة تنقلهم إلى المجهول.
يومها سموه يوم استقلالهم.. وسميناه نحن يوم نكبتنا.. ما أشطر العرب في تسمية مآسيهم! كنا يومها أطفالا، أعني جيلنا، مذهولين مما نرى ونشاهد فيلما طويلا مأساويا ما زال مستمرا.
وكنا شبابا في حزيران 1967م..
يومها اهتز كياني وكيان كل فلسطيني بعد ان احتلت أرضه كلها من النهر إلى البحر.
واهتز كيان كل عربي يوم وصل الاعداء إلى سيناء في مصر وإلى كل الجولان في سوريا وفلسطين.
كنت يومها أهتز وارتجف كأن زلزالا اجتاحني من هول ما لم أكن شخصيا أتوقعه بعد انهياز العملاق الناصري جمال عبد الناصر..
يا لهول المصيبة.. التي سميناها النكسة.. وما أشطر العرب في تسمية مآسيهم!
وانطلق المارد من قمقمه..
وفجرت فتح انطلاقتها الثانية..
أعقبتها بالانتصار في معركة الكرامة الخالدة في العام 68.
حيث استطاع الفدائي الفلسطيني والجندي العربي الأردني دحر المحتل الصهيوني المدجج بترسانة أميركية حديثة وهزمته هزيمة نكراء بعد ان كان يتبجح بأنه الجيش الذي لا يقهر.
وانقلب السحر على الساحر بعد أقل من عام من هزيمة حزيران..
ولكن، ربما يتساءل البعض..
وأين نحن الآن!؟
فلسطين.. ما زالت مقطعة الأوصال: الاستيطان ينحرها من الوريد إلى الوريد.
الأرض تبتلع والمياه تصادر والشجرة المباركة تحرق او تقتلع، والجدار اللعين يتلوى كالأفعى حول خاصرة فلسطين، يفصل القدس عن اخوتها، يمنع تواصل الأسر ببعضها بل يقسم البيت الواحد داخل وخارج الجدار!
ويتحدث المحتل الغاضب عن دولة ممسوخة على بقايا هذه الجغرافيا! وللاسف هناك من ابناء جلدتنا، من يسيل لعابه على هذه المؤقتة الممسوخة.
كنا أطفالا وانتكبنا!
كنا شبابا وانتكسنا! ثم انطلقنا بثورة عاصفة هزت الكيان المحتل.
وأصبحنا الآن شيوخا..
بعد ان استشهد منا من استشهد..
وبعد ان أسر منا من أسر..
وبعد ان تخاذل منا من تخاذل،
ولكن مقولة دالاس وبن غوريون وغولدا مائير ان الكبار يموتون، والصغار ينسون.. فشلت واثبتنا ذلك عمليا..
وستفشل ايضا باذن الله، طالما في هذا الشعب الصابر المرابط، وطالما في هذه الامة العظيمة جيل جديد يكسر حاجز الخوف في وجه انظمة مستبدة مهزومة وضائعة سيصل إلى القدس ويحرر الاقصى المبارك من براثن هذا الاحتلال البغيض وليس ذلك على الله ببعيد.