ألقاب ـ فؤاد أبو حجلة
على باب منزل جاري يافطة تحمل اسمه الكريم مسبوقا بكلمة «الدكتور»، وهي يافطة خادعة قادت بعض الجيران إلى طرق بابه بعد منتصف الليل طلبا لتدخله لاسعاف مريض أصيب بنوبة قلبية مفاجئة.
لم يعرف أقارب الجار المريض أن «الدكتور» المحترم لا علاقة له بالطب، وأن اللقب المطبوع على اليافطة يعني حصول الجار المنفوخ على شهادة الدكتوراة في التاريخ من جامعة سودانية كانت تبيع الشهادات للمنتسبين اليها عن بعد.
ورغم «هيافة» محتوى اللقب الا أن الجار المنفوخ يغضب كثيرا إذا خاطبه أحد دون ان يسبق اسمه بكلمة «دكتور». وهو لا يتفرد بهذا العشق للألقاب الكاذبة، فعلى مقربة من منزله يسكن «باشا» برتبة لواء، ومن الواضح أنه معجب باللقب لأن صاحب البقالة وعامل النظافة في الحي وحتى أولاده يخاطبونه بهذا اللقب.
عندما كنت رئيسا للتحرير كان الكثيرون، وخصوصا العاملين في الحكومة يصرفون لي لقب «عطوفة» أثناء الحديث معي وجها لوجه أو بالهاتف. وبصراحة فإنني لا أعرف معنى الكلمة حتى الآن، وكنت أحيانا أتساءل إن كانت هذه الكلمة شتيمة، وأن أولاد «الحلال» يشتمونني أو يسخرون مني بهذا اللقب التافه.
بحكم عملي عرفت الكثيرين من حملة الألقاب، وكان أكثرهم من أصحاب «المعالي»، وهو لقب يصرف للوزير مهما كان تافها، كما عرفت الكثيرين من أصحاب «الدولة» وهو لقب يحمله رئيس الوزراء حتى وإن كان «هبيلة». عرفت أيضا حملة ألقاب أخرى مثل «أفندي» و«بيك» و«سعادة» و«سماحة» و«نيافة»، ولا أذكر أنني احترمت أيا من هذا الألقاب المصروفة من دون «روشيتات».
ذات حوار مع أحد أصحاب المعالي، تيقنت أن هذا اللقب يصرف لشخص يتمتع بميزتين: أن يكون مرضيا عنه ومدعوما من جهة ما وأن يكون غبيا بالفطرة.
هناك نوع آخر من الألقاب التي تبدو منطقية وغير منفرة، وهي ألقاب غير متداولة على نطاق واسع وغير معترف بها رسميا، كأن يحوز المحرر السريع في صحيفة يومية على لقب «الجرافة» وأن يسمى المتهرب من دفع الضرائب «الفهلوي» وأن يسمى شاعر الحكومة «أبو خنانة».
تظل الألقاب كثيرة ومعشوقة وإن كانت غير مستحقة، لكن لقبا واحدا لا تعرفه الحكومات العربية ولا تعترف به لمواطنيها وهو «الانسان».