تسمية الشوارع ـ بقلم: فيصل حوراني
عرفت أن لجنة تسمية الشوارع في بلدية رام الله ستسمي أحد شوارع المدينة باسم تيموثي روثرميل (Timothy Rothermel)، أو تيم ميل إذا لفظ الاسم بالاختصار المألوف. هذه المعلومة أحضرت إلى بالي أمورا عدّة في وقت واحد، أمورا قد يبدو في الظاهر أنها أقل أهمية من أن يخصص مقال للحديث عنها، أما في العمق، فهذه أمور أكثر أهمية من أن ينحصر الحديث عنها في مقال واحد. من هذه الأمور سأشير، هنا، إلى اثنين:
الأول يتصل بظاهرة الأداء المتميز لبلدية رام الله، الأداء الذي يتجسد في منجزات متواترة على صعد كثيرة. تميّز هذا الأداء يجلو لي عمق الأمور، فمن مجلس بلدي يمثل تحالفا بناء بين قوى وشخصيات وطنية مشحونة بهاجس خدمة جمهورها، يمكن على الدوام توقع أفضل أداء ممكن، ليس في الظروف السهلة وحدها، بل، خصوصا، في الظروف الصعبة التي تواجهها البلديات الفلسطينية جميعها في ظل الاحتلال الإسرائيلي البغيض.
والثاني يتصل بالأول وهو نابع منه. ففي خدمة البلدية، في خدمة المدينة بمجلسها البلدي الذي يعلي شأن الكفاءة، تشكلت لجنة كفؤة لتسمية الشوارع، وأنيطت رئاسة اللجنة بأستاذ جامعي، هو ذاته ناشط مثابر في حقول العمل الوطني جميعها، السياسي والاجتماعي والثقافي. هذه اللجنة التي واكب عملها التوسع المطرد لمدينة رام الله، اعتمدت قواعد لتسمية الشوارع، وتوخت أن تستوفي هذه القواعد تكريم من يستحقون التكريم، وتخليدا أمجد ما في الذاكرة الوطنية، وإبراز المدى الواسع لأبعاد الثقافة الفلسطينية.
وإذا كان هذا مما يمكن أن تفعله أيّ بلدية أو أيّ لجنة تسمية، فإن لجنة رام الله هذه تميزت بكفاءتها العالية في تطبيق القواعد كما في اختيارها. وهنا يمكن التنويه ببحث اللجنة الدؤوب لاستحضار أسماء الذين يستحقون التكريم، فلسطينيين أو عربا آخرين أو أجانب من كل جنسية. كما يمكن التنويه بتخصيص اللجنة حيزا واسعا لتكريم نبهاء المبدعين الكبار من كل جنسية ومن كل عصر.
وفي الحالات الثلاث، الفلسطينية والعربية والعالمية، يحظى بالتكريم كل من يستحقه، دون محاباة، ودون إغفال أحد. وقد ينبغي أن أضرب مثلا أسماء بعض الشوارع التي أعبرها في طريقي من المنزل إلى مركز المدينة: فاغنر، والمسمية، وجورج حاوي، والقاهرة، ودير طريف، وغير بعيد من هذه الشوارع شارع يحمل اسم بول إيلوار. بكلمات وجيزة: تستهدف القواعد التي اعتمدتها اللجنة لتسمية الشوارع تخليد ذكر قادة العمل الوطني الفلسطيني في كل المراحل ومن كل الأطياف، وأسماء القرى التي دمرتها إسرائيل، وأسماء نبهاء الشهداء من مختلف الفصائل، والمبدعين الفلسطينيين في مختلف حقول الإبداع، والنابهين من القادة العرب، والمبدعين العرب والأجانب، وأسماء الذين قدّموا خدمات للشعب الفلسطيني.
تيم ميل واحد من هؤلاء الأخيرين. فهذا الإنسان الأميركي المولود في العام 1945 في واينزفيل في ولاية نورث كارولينا، قضى جلّ سنوات عمله في خدمة فلسطينيي الأرض المحتلة من موقعه موظفا في برنامج الأمم المتحدة للتنمية UNDP ثم رئيسا لهذا البرنامج. عمل تيم ميل بكفاءة ومثابرة، وأحب الشعب الذي جنّد هو نفسه لخدمته، فأضاف التفاني في العمل إلى الكفاءة والمثابرة، فأنجز أقصى ما يمكن لموظف دولي محكوم بأنظمة عمله أن ينجزه. وفي وصية تيم ميل، هو الذي رحل عن دنيانا في 6 شباط/ فبراير 2012، طلب المحبّ لفلسطين أن يُحرق جثمانه وأن تحمل زوجته الرماد فتنشره ليختلط بتراب قطاع غزة وتراب الضفة، فيبقى بهذا في فلسطين التي أحبها وخدم ناسها.
تسمية شارع في رام الله باسم أميركيّ له هذا التاريخ تظهر بالملموس ما توخى هذا الحديث أن يؤكده: لبلدية رام الله مجلس يتقن أداء دوره في العمل الوطني، تماما كما يتقن أداء دوره في العمل المهني. ولهذه البلدية لجنة تسمية تتقن هذا وذاك، وتضيف إليهما معرفة بمن وما يستحقون تخليد الذكر.
ولن يملّ كاتب هذه السطور من تكرار القول: مكّن الفلسطيني الكفؤ من أداء الدور الذي يتقنه، تر العجب