شعب منظمة التحرير الفلسطينية - موفق مطر
يدرك الوطنيون ويعلمون أنه لا يقدر ظالم مهما امتلك من أدوات سلطة الظلم والجهل والتخلف والعنصرية أن يسجن شعباً بأكمله في حجرة دماغه العظمية ؟!! والمناضلون الفلسطينيون مكافحون يعلو هاماتهم وما فوق رؤوسهم العلم الوطني وهم أعضاء طبيعيون في منظمة التحرير الفلسطينية, لا يمنون على احد بالانضمام اليها, ولا يعيرون وطنهم المعنوي لتبرير الهروب واللجوء الى أوطان الآخرين والتسابق بالمناقصات لخدمة المشاريع الاقليمية, الوطنيون الفلسطينيون يناضلون لتحقيق أهداف مشروع وطني، قومي, وإنساني, ويدركون أن انتصاره وتجسيم أهدافه هزيمة لأعداء الإنسان, وتفكيك لألغام نمت كالفطريات السامة في بيئة السلام والمحبة والحضارة والتنوير, مشروع وطني يزهق إرهاب الباطل والجهل والتخلف, ويحطم أصناما من عظام, ويكشف غطاء معلبات جماعات الموت ويقي الناس من سمومها, ويلغي إلى الأبد أوامر الموت المجاني، فنضال الوطنيين الفلسطينيين إما أن يكون بيان الحقائق للناس في البلد ليقارنوها مع المزيف من ثقافتهم وأهدافهم ومبادئهم. أو يكون تجارة بالبارود, يكون فيها الإنسان ابن البلد حفنة تشعل بشرارة من قداحة الأنا الكافرة بمنطق الحياة !!
لقد حافظ مناضلو حركة التحرر الوطنية الفلسطينية على اختلاف مشاربهم الفكرية السياسية وتنوع نظرياتهم الكفاحية على كينونة الشخصية الوطنية الفلسطينية وسعوا وما زالوا لأن تكون فلسطين ديمومة الحركة, ومعيار التقدم والارتقاء لفكر وإرادة الفلسطيني الوطني المناضل, المرتبطة بحركة الإنسان العربي التقدمي ووجهته المتحركة على «دواليب» القيم الحضارية والعصرية, والثقافة الإنسانية التنويرية «فالحركة الفينيق» قامت من أجل أن تكون القلعة المنيعة والعصية على هجمات وحملات وحروب «القلع» والتجريف الاستعماري والاستيطاني والاستيلاء على الأرض.. فأعلت فتح ومعها قوى النضال الوطني مبدأ الارتقاء بوعي الإنسان المواطن, والمواطن الإنسان, وصاغت قوانين الكفاح في مرحلة الانطلاقة وما بعدها بقليل ودفعت باتجاه رفعة الإنسان الفلسطيني واعادة الثقة المهدورة عبر سلسلة حلقاتها نكبة وهزيمة ونكسة ثم شتات, فكان الانسان هو الهدف وهو المرجعية, فجغرافيا الوطن قد تتبدل وتتغير معالمها وطولها وعرضها, فهذا هو قانون التاريخ, لكن التاريخ المعلم يسطر لنا :» إذا فقد الإنسان وعيه الوطني, فانه سرعان ما سينضم إلى قافلة متسولي الجغرافيا الآمنة «دولة اللجوء» أو لعله سيقف في طوابير للاستحواذ على «شهادة العبودية» من كبير الأصنام الآدمية !!
لم تكن منظمة التحرير الا مشروع ثورة بمعنى التغيير الجذري, ومشروعا وطنيا لمواجهة مفاعيل وأفعال وتداعيات المشروع الاستيطاني الصهيوني على أرض وشعب فلسطين ، ويبني شخصية عربية أصيلة من تاريخ وجغرافية وعقيدة الإنسان المتكون هنا منذ بدأت الخليقة. فإذا أدركنا هذه الحقيقة, سنعرف لماذا تشن عليها الحروب والهجمات والحملات المزدوجة و«الغزوات» مرة من جبهة الاحتلال وأخرى من جبهة اللاوطنيين واللاعروبيين والكافرين بثقافة الحياة الذين هبطوا بالإنسان إلى ما دون البهيمة, ودمغوا العقائد والشريعة السماوية بالإرهاب !!
لم تكن منظمة التحرير مجرد فكرة, ولا هي وليدة واحد أو اثنين من الوطنيين الفلسطينيين, ولا هي ارث لأحد بعينه, فالثورات والحركات الوطنية التقدمية لا يرثها إلا المستقبل, أما الجماعات الفئوية المتعصبة فانها تسجل في صفحات التاريخ «الذكرى»!!
يؤكد جميع الوطنيين الفلسطينيين بان حركة فتح قد حفظت استقرار وتوازن الشخصية الوطنية الفلسطينية, عبر محورية الحركة حول تحرير الأرض الوطن والانسان «الجغرافيا والوعي..» فالعربي الفلسطيني لا يمكن فصل شخصيته بمكوناتها المادية والروحية وآمالها وطموحاتها عن «أرض» السلام والأمة الوسط. فحركة فتح لم تك سراً أعجز العالم..ولم يطلب واحد من مناضليها تقديس نظرياتها وأدبياتها وشخوص مناضليها, بل أخضعت كل ما فيها للنقاش والنقد البناء وحكمة العقل, وأخضعت كينونتها لقوانين المد والجزر, والزيادة والنقصان والفوز والخسارة, والانتصار والهزيمة وحددت وجهتها نحو آفاق الحرية في كل اتجاه.. حرية الروح والبدن والنفس والطموحات والآمال ، وأوثقت عروة الحرية مع التراب الذي كان منه ابن آدم الفلسطيني, وأيقنت أن الناس العقلاء يتجهون نحو إشعاعات النور الحقيقي فتهديهم إلى سبل الحياة الأفضل مهما غلبت على بصيرتهم الأنوار الاصطناعية المستوردة التي بسبب كثافتها وشدتها وسطوتها تسبب العمى, وتحول الدنيا بظلم المشتغلين على طاقتها إلى ظلام.!!
ادمجت الحركة رصيدها الكفاحي وآمنت بشراكة القوى الفلسطينية في قرار صنع المستقبل «النصر» لصالح الإنسان العربي الفلسطيني, حتى باتت شهادة المناضل هي الأعلى في سلم ومراتب جامعة الوطن وفي أكاديمية الكفاح الإنساني المعرفي والثقافي الإنساني, وعمل الوطنيون على أن يصير مصطلح « المناضل» مرادفا لكلمة الإنسان.إنسان الحياة والعلم والسلام والحرية.
أراني مجبرا عندما أكتب عن حركة التحرر الوطنية الفلسطينية أن أستحضر نواعير حماة مدينة «أبي الفداء» في سوريا, فهذه النواعير التي ألهمت الآلاف من الشعراء والكتاب والفنانين منذ خمسة وعشرين قرناً من الزمن حتى اليوم تغرف ماء نهر العاصي الذي يبعث الحياة الخضراء في المدينة وما جاورها إلى مستوى أعلى من مستوى النهر لتصبه في ساقيات مرفوعة على أعمدة ضخمة وعالية بنيت وجدد بعضها خلال القرون الماضية, تتفرع الساقيات فتصل أنحاء المدينة وبساتينها فترويها وتبث الحياة فيها... بقي أن نعرف أن صناع هذه النواعير منذ آلاف السنين لم يدقوا المسامير الفولاذية في مداميك واعمدة دواليب الحياة هذه ( النواعير ), فهل من حكمة أعظم, وصنعة أحسن ؟!
يجوز لنا بأن نؤمن وباليقين وقلوبنا مطمئنة بان حركة التحرر الوطنية الفلسطينية ورؤى قواها التحررية والتقدمية, والرسالة النبيلة التي تحملها للمستقبل الفلسطيني, لم تربط مصيرها يوما ما لا عضوياً ولا مادياً ولا حتى نظريا بالزائل, أو المنقلب, أو المنشق المنشطر, ولأنها لم تفرض حدودا قاهرة وإجبارية لمستوى ومساحة التفكير والإبداع من أجل تأكيد الوجود, فوحده الشعب يمتلك حقائق البقاء ومقوماته.. شعب منظمة التحرير الفلسطينية.