ومن الحب ما قتل - فؤاد ابو حجلة
من يقرأ الخطاب الرسمي السوري يعتقد أن النظام الحاكم في دمشق متيم بحب فلسطين وأهلها، ومن لا يعرف تفاصيل الصراع لا يصدق أن أيدي هذا النظام ملوثة بالدم الفلسطيني في لبنان وفي سوريا وفي عواصم أوروبا التي شهدت جرائم الاغتيال لكوادرنا وقادتنا برصاص عملاء الحكم الدموي في الشام.
ربما غابت هذه الحقيقة عن حماس التي تحالفت مع دمشق ضد الشرعية الفلسطينية واستقوت علينا بالنفوذ الرسمي السوري وبالبلطجة الرسمية السورية سنوات طويلة، ولم تتذكر جرائم النظام السوري الا بعد أن قرر الاخوان المسلمون إمتطاء الثورات العربية واعادة التموضع، بالتنسيق مع الأميركان، لحصاد ما زرعه الشهداء في ميادين الثورات ضد أنظمة الحكم القمعية.
هذه الحقيقة غابت أيضا عن الذين اعتبروني من «مطايا الاستعمار ودعاة الوطن البديل» لأنني شاركت مائة مثقف وسياسي في التوقيع على بيان يطالب بطرد سفير نظام دمشق من عمان.
في الواقع لم تزعجني اتهامات الرفاق الثوريين، لأنهم في الأصل لا يقبلون وجود الفلسطيني حيا، ويترحمون كثيرا على شهدائنا لأنهم يتوقون إلى حشرنا جميعا في مقابر جماعية. فعلوا ذلك في لبنان ولو تمكنوا لأعادوا «التجربة» في كل بقاع الانتشار الفلسطيني.
كان التوقيع على البيان مجرد تعبير عن موقف كاره لهذا النظام وسفيره، ولم أتخيل أن بيانا واحدا سيطيح بسفير ويقطع العلاقات بين دولتين. وكنت سأوقع على أي بيان من هذا النوع حتى لو لم يكن هناك ربيع عربي، وحتى لو لم تشتعل الثورة ضد النظام السوري، لأن هذا السفير تحديدا ضالع في الجريمة وفاسد فقد كان مديرا للمخابرات، ولكم أن تتخيلوا ما الذي يفعله مدراء المخابرات في سوريا أو غيرها من الدول العربية. وبعد خروجه من موقعه الأمني، اقتدى هذا «السفيه» بتجارب زملائه مدراء المخابرات العرب فبدأ يعمل في «البزنس» باسم ابنه، مستخدما نفوذه وعلاقاته الحميمة مع رموز الفساد في بلاده.
إنها حالة جنون تجتاح أوساط المثقفين العرب، وخاصة أولئك الذين اكتشفوا تفاهة الموقف حين يكون بعيدا عن فلسطين، وهي حالة هذيان حقيقي يستطيع فيها الاخوان المسلمون أن ينقلوا البندقية من كتف إلى كتف من دون الحاجة إلى تبرير التحول من الموقف إلى نقيضه.
لكن كل ما يجري سيصب في النهاية، ولو بعد حين، في مسار الاقتراب من الحقيقة الوحيدة التي تؤكد أن لا حرية للعرب مع استمرار احتلال فلسطين.