الاحتلال يشدد إجراءاته العسكرية على حواجز نابلس    لازاريني: الأونروا هي الوصي الأمين على هوية لاجئي فلسطين وتاريخهم    شهداء في قصف الاحتلال منازل مواطنين في مدينة غزة    3 شهداء و10 مصابين في قصف الاحتلال شقة غرب غزة    الاحتلال يأخذ قياسات 3 منازل في قباطية جنوب جنين    فتح منطقة الشهيد عز الدين القسام الأولى والثانية إقليم جنين تستنكر قتل خارجين على القانون مواطنة داخل المدينة    استشهاد اب وأطفاله الثلاثة في قصف الاحتلال مخيم النصيرات    الاحتلال يواصل عدوانه على مدينة ومخيم طولكرم    الاحتلال يشدد من إجراءاته العسكرية شمال الضفة    50 شكوى حول العالم ضد جنود الاحتلال لارتكابهم جرائم في قطاع غزة    دائرة مناهضة الأبارتهايد تشيد بقرار محكمة برازيلية يقضي بإيقاف جندي إسرائيلي    المجلس الوطني يحذر من عواقب تنفيذ الاحتلال قراره بحظر "الأونروا"    14 شهيدا في قصف الاحتلال مناطق عدة من قطاع غزة    16 شهيدا في قصف للاحتلال على وسط قطاع غزة    نادي الأسير: المخاطر على مصير الدكتور أبو صفية تتضاعف بعد نفي الاحتلال وجود سجل يثبت اعتقاله  

نادي الأسير: المخاطر على مصير الدكتور أبو صفية تتضاعف بعد نفي الاحتلال وجود سجل يثبت اعتقاله

الآن

من أكون في اعتقادكم؟ - أحمد دحبور

تناقلت الوكالات، يوم الجمعة الفائت، نبأ وفاة الفيلسوف المفكر الفرنسي الشهير روجيه غارودي، وهو من أثار سلسلة عواصف وزوابع فكرية على امتداد حياته الحافلة التي امتدت ثمانية وتسعين عاماً، فقد كان هذا الرجل، ذات يوم، عضواً في المكتب السياسي للحزب الشيوعي الفرنسي، وقدم خلال مرحلته الشيوعية كتباً هامة، لعل أشهرها بالنسبة إلينا نحن العرب، كتابه المترجم «النظرية المادية في المعرفة»، وفيه يشدد على ركائز الفلسفة المادية الجدلية التاريخية. وكان له، ضمن انتاجه الوفير، عمل روائي وحيد بعنوان «من أكون في اعتقادكم؟»، وكما يدل عنوان الرواية فإن العمل قائم على الأسئلة، وفيه أن بطله مولود عام 1950، أي في منتصف القرن الماضي، وهو غير مكتف بالأجوبة التي قدمها الفكر الأوروبي، ولكنه يسمع في أواخر الرواية بجماعة اسلامية تفكر وتفعل بشكل مختلف ما أثار فضوله وفضول قراء العالم وتوقعاتهم..
أما القنبلة المدوية التي ألقاها غارودي، فهي في كتابه الشهير «ماركسية القرن العشرين» الذي يقول - وأنا أنقل عن الذاكرة - إن الجزائري ذا الثقافة الاسلامية يستطيع أن يصل إلى النتائج التي وصل إليها ماركس وأنجلز بغير السبل التي اتبعاها، فبدلا من مادية فيور باخ وجدلية هيغل المثالية وأبحاث آدم سميث الاقتصادية، يستطيع أن يقرأ المعتزلة والقرامطة وابن خلدون ليصل إلى فلسفة متكاملة تشكل مقدمة تغنيه عن كلاسيكيات الماركسية.
وقد تصدى لهذا الرأي الجريء، منظر الحزب الشيوعي الفرنسي الفيلسوف لوي ألتوسر، في معركة فكرية نشيطة توجها غارودي بكتابه «الحقيقة كلها» الذي تم على أثره فصله من الحزب الشيوعي.
أما المثقفون العرب فقد استقبلوا هذا الحدث بخفة تراوحت بين حماسة انفعالية أو تهوين كاريكاتوري، ولا سيما بعد مفاجأة كبرى طلع بها غارودي، معلنا ترك الماركسية واعتناق الاسلام، وقد أصدركتابا مثيرا في ذلك بعنوان «ما يعد به الاسلام». ومن المتحمسين العرب لهذا التحول، كان هناك الكاتب نزيه الحكيم الذي ترجم ماركسية القرن العشرين، واضعا مقدمة للطبعة العربية تظن منها أن الرجل من الاخوان المسلمين.
ثم تبين لي أنه مسيحي متزوج من شقيقة الأستاذ ميشيل غعلق مؤسس حزب البعث وهو من اعتنق الاسلام بدوره بعد ذلك.
أما بين المستخفين بهذا الموقف، فيحضرني اسم المفكر العربي المصري د. فؤاد زكريا الذي جمعتني إليه مصادفة عفوية في بيت الصديق الراحل صلاح حزين، وكان معنا الصديق رشاد أبو شاور، وفوجئنا يومها بالدكتور زكريا وهو يسخر من تحولات غارودي ويعتبره قابضاً؟؟
والواقع أن ما ذهب إليه الفيلسوف الفرنسي كان أبعد من الخفة الحماسية ومن التهوين الكيدي، فالرجل كان يسأل بالفم الملآن: من أكون في اعتقادكم؟.. ولهذا سرعان ما خفتت حماسة المتحمسين لاسلامه، عندما توسع في تأويل الأمة حسب القول الكريم: «لكل أمة أجل»، فاعتبر الأجل المقصود هو ما تحصل عليه كل أمة حسب تطور وعيها وثقافتها مع حركة الزمن، أي أنه - وهو الذي أصبح مسلما كما أكد ذلك في جلاء - ظل ملتزما بالمنهج الجدلي، من حيث ربط الأسباب بالنتائج وفق تحولات وتطورات لا يمكن للانسان أن يغفل عنها..
هكذا أغضب هذا المفكر الكبير معظم مجايليه، والتزم بما أملاه عليه عقله وايمانه، وزاد الطين بلة، من وجهة نظر الغرب الاستعماري، عندما أصدر كتابه «الأساطير المؤسسة للسياسة الصهيونية»، فرفض الادعاء الصهيوني الذي قرر أن عدد ضحايا الهولوكست من اليهود على يد النازيين قد بلغ ستة ملايين. وأجرى حسابات رياضية لاثبات استحالة هذا الرقم. علما أن بلاده - أي فرنسا - تلاحق باسم القانون الرسمي من يشكك في حقيقة هذا الرقم المفزع، مع أنه لم يكن يخفف من الكارثة التي تعرض لها اليهود مفرقا بين حقيقة أن القتل بشع ومدان وبين الرقم الصهيوني المقرر، ولسان حاله ما جاء في القرآن الكريم من أن من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا..
والآن يمضي روجيه غارودي إلى لحظة الحق، تاركا تراثا غنيا هو الآن ملك التراث البشري، لم يدخل في حسابه أن يرضي أحدا أو يغضب أحدا.. بل أن يقول الحق الذي يراه متطابقا مع الحقيقة.. مفسحا لمن يريد ان يعرف، أن يعرف حقا من يكون.. علما بأنه بعد اعلان اسلامه قد تزوج من فلسطينية.. وأطلق عليه المتحمسون لتحولاته اسما عربي الصياغة هو رجاء جارودي!!..


 
 

إقرأ أيضاً

الأكثر زيارة

Developed by MONGID | Software House جميع الحقوق محفوظة لـمفوضية العلاقات الوطنية © 2025