الانتهازيون في فتح وحماس! - بكر ابو بكر
بلا شك ان هناك في “حماس” من أصحاب الرأي والفكر والعقل من تحترم الاختلاف معهم، وبلا شك ان هناك من هم مؤمنون بالحوار الملتزم والمنطق والمحاججة يحدوهم الأمل بان تكون الديمقراطية والمجتمع المدني والتعددية والنزاهة والشفافية مبتغاهم، وبغض النظر عن حجمهم، فإن تيارا آخر في حماس تأخذه دوما العزة بالإثم، ويناطح الصخور بادعاءات القداسة والعصمة من الله، وبالافتراء على الإسلام والمسلمين باستحضار عظمة اسلامنا العظيم واستنزالها على التنظيم/الحزب وأشخاصه، وما يقولون، ومن هؤلاء من فسدوا عندما جاءت إليهم السلطة منمقة وبحلة قشيبة عبر شلال الدم بالانقلاب فعميت أعينهم وافترضوا امكانية استمرارهم يخذلون الشعب ويكذبون عليه إلى الأبد.
وبلا شك ان في حركة فتح التي استوعبت الكثيرين من الناس، فئة من الانتهازيين الذين لا يقيمون وزنا لحسن الاختلاف مع الآخرين، والذين يستغلون مواقعهم (الوظيفية) أو نفوذهم كما يفعل أولئك في حماس الممانعون للمصالحة، فيلقون بالتهم على من يخالفونهم بنفس منطق الذي يفترض بذاته العصمة أو الصواب المطلق، وهم في الحقيقة يتعيشون كالطفيليات على اجساد المخلصين المؤمنين الثوريين في الحركة أو في أي تنظيم سياسي فلسطيني أو غيره.
إن أدبيات حركة فتح حافلة بالتوصيف لمثل هؤلاء الانتهازيين، وهي اذ لفظت الكثير منهم طوال مسيرتها بقوة، وأحيانا بعد إتاحة الفرصة تلو الأخرى لهم للرجوع عن الخطأ، إلا ان أمثال هؤلاء يتقنون فن اظهار العفة والطهارة وهم غارقون في الوحل.... ولأنهم انتهازيون فهم لا يبالون بالقيم فهاجسهم وهدفهم المصلحة الذاتية أو مصلحة (المشغل) دون غيره.
إن التطهّري شخص نظيف تصدمه الاساءات كما تصدمه السلبيات في داخل التنظيم، ولا يستطيع ان يستوعبها او يتعامل معها بطول النفس فيخور ويميل، وبالتالي لا يستطيع أن يحشد ايجابيا لتغييرما يرى من سلبيات، فيرى ان أفضل السبل هو بالخروج والمغادرة فتخسر الحركة بذلك كثيرا من رجالها الأنقياء.
ولكن الشخص أو الكادر الثوري وهو نقيض ذاك الانتهازي يصنع فكرا فاعلا، وأداء نموذجا، ويقدم الأسوة الحسنة بخلقه ومساره وتصرفاته، ويواجه السلبيات والأخطاء بحسب ما عليه ايمانه بالله أولا، وبمصلحة وطنه ثانيا، وبما هو متوجب عليه القيام به وفق دستور تنظيمه ثالثا فيلجأ للقنوات / الأطر الداخلية معلنا حربا ضد من يراهم انتهازيين يمتصون دم التنظيم ويعكسون صورا سلبية عنه.
في أي تنظيم فلسطيني أو منظمة ما أو نادٍ أو أي جماعة تجد بالضرورة التعددية والاختلافات التي ان استطاع القائد التعامل معها باتزان وحكمة، ومن خلال أن يوجهها لاستنهاض الفكرة والأداء في التنظيم، وهذا ما هو قائم حاليا في حركة فتح، وآمل ان يكون مثيله في التنظيمات الأخرى بما فيها حماس، فهو بذلك يبني حالة التفاف وأسلوب قيادة يجمع ولا يفرق.
وفي المقابل فان المرض في الجسد تراه ظاهرا ويكون كامنا، ومما هو في التنظيمات الفلسطينية مرض حب الظهور وحب الجاهة والوجاهة وحب النفوذ والسلطة والكرسي الذي يعمي الأبصار (من الممكن العودة لكتاب: المتساقطون على طريق الدعوة للاخواني فتحي يكن) الى الدرجة التي يصبح فيها الاحتفال بقتل الف غزي بالانقلاب الأسود عيدا قوميا ؟!
والى الحد الذي تستباح فيه حريات الناس وأمانهم عبر اعتقالات لا انسانية مسيئة أو غير مبررة أو خارج نطاق القانون سواء في غزة أو في الضفة، في ملف ما زال يلوث أيدي هذه الفئات التي تقبل على الاعتقال باتهامها الآخرين (بالكفر او الردة أو العلمانية أو الاسلاموية او الخيانة...)، وأقصد هنا بوضوح البعض في فتح والبعض في حماس، بغض النظر عن حجم ومدى نفوذ هذين البعضين.
إن الذي يوجه الاتهام المفرط وبكلمات نابية أو مسرفة (وليس النقد أو الاختلاف المقبول) هو الملام الحقيقي لأنه لم يحسن إدارة الاختلاف مع مناوئيه، ولم يستطع أن يرسم نظاما نموذجيا، وربما لا يستطيع التعامل مع ذاته “العلوية الاستعلائية” التي تنظر للآخرين بدونية، على افتراض أنه الحق او المقدس أو الوجيه أوالباشا المعفي من دخول سقر (النار) مهما فعل.
في حركة فتح ذات المرونة والفكر الوسطي المتسامح ينشط فيها الانتهازيون مفترضين ان انسانية التعامل وقانون المحبة الحركي والتساهل النسبي يعني أن يزدادوا عتيّا، وأن زمانهم يطول.
وفي حماس ذات الفكر الايديولوجي الذي نختلف معه تنمو تيارات مصلحية ومتشددة فكريا وميدانيا تفترض لسبب التربية “الاخوانية” الاقصائية أنها بمنأى عن محاسبة الله، وبالتالي المتنورين في التنظيم فتعيث بالأرض فسادا بدعوى أنها من المصلحين.
ان ابرز حالات الظهور للانتهازيين عندما يصبحون في السلطة وتدفأ أقفيتهم على الكراسي فتثار نوازع الأنانية والتعصب والغضب والثأر والانتقام، ليس لله أو الوطن، وإنما للكرسي أو الشخص في حمية جاهلية كما قال خير البرية.
ان الحرص الأول داخل أي بلد أو مجتمع أو نظام سياسي أو تنظيم/حزب هو الحفاظ على حرية وكرامة الإنسان وصون ذاته وعائلته، لاسيما وأننا نواجه احتلالا بشعا يوجب علينا النأي إلى أقصى درجه عن التسربل بممارساته الإجرامية، ولا أريد أن اذكر حوادث هنا وهناك أسيء فيها من قبل أجهزة الأمن لأشخاص وعائلاتهم دون وجه حق قانوني وبداعي الشبهة وبشكل فيه من الاسفاف الكثير، حيث ان التوافق الاصل يجب أن يكون على احترام حقوق الإنسان وحريته وكرامته وعيشه وحقه في التعبير والتفكير والاختلاف بغض النظر عن الرأي السياسي والديني والطائفي والاجتماعي.
ان الحفاظ على كرامة الانسان وحريته ضمن الالتزام السياسي واحترام القوانين، تعني ان يكون الهدف نصب الاعين ويعني ان نقدم النماذج الايجابية، وان نفعّل آليات المحاسبة والمتابعة والرقابة التي بدونها يستشري السرطان ويسود الانتهازيون، وتنحرف التصرفات والأعمال والبوصلة عن الأهداف.