رهانات العجز والحماقة!-يحيى رباح
أترحم على روح الشاب محمد قشطة البالغ من العمر خمسة وعشرين عاما فقط، الذي قتل بالرصاص الذي كان يطلقه المحتفلون بفوز الدكتور محمد مرسي مرشح جماعة الإخوان المسلمين بمنصب الرئاسة المصرية يوم الأحد الماضي.
و السؤال الذي أطرحه على الجميع هو :
على أية قائمة يوضع قتيل الرصاص الاحتفالي محمد قشطة؟!
هل يوضع على قائمة الشهداء؟!
هل يوضع على قائمة المغدورين؟!
هل يوضع على قائمة الأوهام؟!
و الذي دفعني أن أطرح هذا السؤال على هذا النحو، هو المفارقة الكبرى، والحادة، وهي أن أنصار الدكتور محمد مرسي الفائز، وعددهم يزيد عن اثني عشر مليونا، وهم أصحاب العرس الأصليون، احتفلوا واحتفلوا حتى الصباح، ثم واصلوا الاحتفال، وما زالوا يحتفلون، ولكن لم يقتل منهم أحد، لا بالرصاص الاحتفالي، ولا بالشماريخ «صواريخ الألعاب النارية»، ولا بالرقص، ولا حتى بتوزيع الحلوى كما حدث في حارات غزة !!!
يا سبحان الله !!!
أهل العرس، وأصحاب العرس، صانعو العرس يحتفلون بلا خسائر !!! أما التابعون، وتابعو التابعين، الذين لا ناقة لهم ولا جمل، والذين لا يعرفون مطلقا كيف جرت الأمور، والذين سرعان ما يصرخون باكين ويلطمون الخدود حين يكتشفون أن إجراءات معبر رفح لن تتغير، فقد وقع بينهم قتلى، وجرحى، وزغردت نساؤهم، وصرخوا كالمجانين في شوارع غزة المطفأة، المزدحمة، الخائفة، وبينما كان الدكتور محمد مرسي رئيس مصر الجديد، يوجه إلى المصريين رسالة مصالحة ووئام، ويوجه إلى العالم رسالة سلام، فإن المتخلفين غريبي الأطوار في غزة كانوا يوجهون لبعضهم رسائل انتقام وتهديد، ويوجهون لمن حولهم رسائل حرب، وتنبح حناجرهم بصراخ الأوهام !!!
قال لي صاحبي:
ابتسم أنت في غزة
و ابتسمت، ولكن ابتسامتي كانت حزينة، لأن أهل القضية، أعدل قضية في التاريخ، وأعقد قضية في التاريخ، وصل بهم الحال من العجز إلى حد أنهم أصبحوا يرقصون في أعراس الآخرين، دون أن يبصرهم أحد أو يسألهم، لماذا ترقصون ؟
كلنا ندعو أن يكون وضع غزة كجزء عضوي من فلسطين وليس سيناء، سيكون أفضل !!! كلنا ندعو بإخلاص، ولكن رئيس مصر الجديد أمامه أولاً قضايا مصر، وقضايا مصر كبيرة ومعقدة ومزمنة، وتحتاج إلى عبقرية الفكر، وإخلاص النية، وكفاءة الأداء، واحتشاد الإرادة الواعية، وجدولة الأوليات، للعبور بها إلى شاطئ السلامة !!! ونحن يهمنا أن تكون مصر بخير، لأنها إن لم تكن بخير فكيف ستساعدنا ؟!
و إن لم تكن مستقرة في داخلها، فكيف ستصلح بيت الجيران ؟؟؟ وإن لم تكن قوية جدا، فكيف ستأخذ بيدنا كفلسطينيين؟!
و أتمنى أن ترقى الاحتفالات الحمقاء التي جرت بطريقة غير مفهومة ونتج عنها قتلى وجرحى في قطاع غزة، لتصبح فلسطين أكثر قوة وأحسن حالا !!! لأنه إذا بقيت فلسطين منقسمة فسوف تكون في نظر أي رئيس مصري مصدر خطر وحذر !!! وإذا لم تكن فلسطين عاقلة وموحدة وواعية، فإن أي رئيس مصري سينظر إليها بأنها عبء يجب الإفلات منه، وليس حمله على الظهر !!! وإذا لم تكن فلسطين على قدر هدفها النبيل، ودولتها المستقلة الموعودة، فإن هرطقات صفوت حجازي وبقية المهرطقين على طريقته سيجعلون النظرة إلينا تنقلب إلى نظرة للمجانين.
لنا خبرة نحن الفلسطينيين في انتظار جودو الذي لا يأتي، فقد راهنا على الاحزاب القومية، فتقاتلت مع بعضها حتى الموت حتى تعفي نفسها من القتال معنا وإلى جانبنا !!! وراهنا على الأمنية الأولى والثانية، وانتظرنا الأساطيل ترسو على شواطئ بيروت، بعد صمود أسطوري دام تسعين يوما، ولكن الأساطيل لم تأت فخرجنا إلى ما وراء المحيطات !!! وانتظرنا الزحف الإسلامي، ولكننا اكتشفنا أن هذا الزحف كان مكلفا بمهمة عاجلة في أفغانستان استمرت ربع قرن بالتمام والكمال !!!
لو مرة واحدة نراهن على أنفسنا، نحشد عناصر قوتنا، نستثمر قوة بقائنا في أرضنا، فربما يكون الوضع أفضل، وربما يجد المخلصون في هذه الأمة ما يثبتون عليه !!! فمتى يحدث ذلك، متى نخرج من خيالات العجز والأوهام ؟!
Yhya_rabahpress@yahoo.com
Yhya_rabahpress@hotmail.com