عندما تقع الأزمة في أَجَمَةْ- آصف قزموز
مرة أخرى يحضر الأولاد ليخبروا أباهم أن دجاجة قد سرقت من القن، فيرد الأب على الفور بالقول: روحوا دَوّروا على الجاجة. فيسخر الأبناء ويتغامزون بأمر أبيهم، قائلين: إن ضياع دجاجة لا يستحق أن نتعب أنفسنا في البحث عنها. وفي الأسبوع الثاني جاؤوا قائلين: لقد سرقت غنمة يا أبي؟ فيجيبهم: دوروا على الجاجة. وفي الأسبوع الثالث جاؤوا مرة أخرى وقالوا لأبيهم: لقد سرقوا الحصان يا أبي، فيرد الأب: انسرق لحصان؟! روحوا دوروا على الجاجة. فيستخفون مرة أخرى ويتساءلون: ما لأبينا نقول له سرق الحصان ويقول: روحوا دوروا على الدجاجة، كنو خَرْفَن ؟! وهكذا استمروا على هذه الحال، وفي كل مرة يسخرون من أبيهم باعتباره خرفان من منظورهم، وكل ما يُسْرَق منهم شيء، بيقول لهم روحوا دوروا على الجاجة، حتى جاؤوا يوماً وأخبروه أن أختهم المصون قد اختطفت وسألوه ما العمل، فيرد عليهم بالقول: دوروا على الجاجة. فانفجروا به صائحين، ما بك يا ابي: بنقولْ لَك: انْسَرَق لحصان بتقول دوروا على الجاجة، وقلنالك انسرقت الغَنَمة قلتلنا دَوْروا عالجاجة، واليوم بنقول لك خطفوا اختنا وبتعاود تقول لْنا دوروا على الجاجة. شو قصة الجاجة معاك كنّك بَطلت تسمع مليح يابا ؟ فيجيب قائلاً: لأ يابا أنا بسمع أحسن منكم، بس لو انكم اهتميتوا بأمر الجاجة ودَوَّرتوا عليها من الأول، كان ما انخطفت اختكم ولا انْسَرَق لحصان ولا الغَنَمات.
لقد أضعنا الكثير من الفرص والمكتسبات والحقوق على هذا النحو والمنوال الآنف الذكر. فعلى أرض مصر الشقيقة وميادينها المأزومة في أجمتها ما زال الحوار الصلحوي المصالحي الفلسطيني بكامل تجليات التسويف والتخريب والمماطلة تدور رحاه بجعجعة خالية من أي طحن، والأسباب والمعيقات والمعطلات باتت مكشوفة ومعروفة للقاصي والداني، ولا تحتاج لكثير من الذكاء ولا العَناء، نظراً لانكشاف تباين مصالح الطرف المتسبب والمكون للأزمة، وتعارضها مع مسار وجوهر أي صلح جدي وجذري. ما عزز وجعل سعيهم لتكريس إدامة الأزمة وحالة الانقسام وإدارتها بمنظور التعايش والشراكة، للموقف سيداً.
فأي متتبع للسلوك السياسي لـ"حماس" تجاه الصلح الموهوم، يستطيع أن يرى ببينونات وقرائن كبريات عمليات العرقلة والفرملة والهروب المتعمد من على مشارف نهايات كل جولة تفاوضية، أو عتبات أي حل أو حلحلة.
صحيح أن سلوكاً كهذا يؤمن مصالح ويخدم أهدافاً تعود لأصحابه وحدهم لا شريك لهم. لكن تلك المصالح والأهداف تلحق في ذات الوقت، أضراراً جسيمة بالمصالح الوطنية العامة للشعب. ولعل ما يؤكد صدقية هذا الأمر، هو ما عبر عنه القادة المتحاورون على الدوام عبر سيناريوهات تفاوضهم، التي أكد من خلالها أكثر من مسؤول سعيهم للبحث عن صيغة تعايش مصالحي انقسامي اقتسامي مع بقاء الوضع على حاله وعلى المتضرر أن يلجأ لمن يريد أو يشرب البحر. فما زال هاجس غزة في البحث عن ترسيم شرعية الانقسام الذي حصل ولو بصيغة تعايش واقتسام أو ما يمكن أن نسميه شكلاً من أشكال التقاسم الوظيفي، القائم على أساس تكريس الاقتسام والتعايش المصالحي، من خلال العمل على إدارة الأزمة بدلاً من حلها، وهذا أمر اعتادت أن تمارسه وتسلكه الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة في تعاملها مع الشعب الفلسطيني، على امتداد السنين الطويلة من عمر الصراع مع الاحتلال، على طول واختلاف مراحلة وتجلياته. ذلك لأن الوقائع الحسية تثبت جدوى هذه النظرية من خلال مردوداتها المجزية التي تَحَصَّل واستحوذ عليها الاحتلال منذ قيامته الأولى في فلسطين وحتى اليوم. ولعل في حالة الترقب والتريث التي تعيشها "حماس" بانتظار الفوز العظيم لمرسي وجماعة الإخوان في مصر، ما يشير بوضوح لمدى صدقية النوايا والجدية في المصالحة.
ليس من العدل أن يظل شعبنا مثقلاً بأعباء تبعات الانقسام واستمراره على أيدي أصحابه وفاعليه ومُفَعّليه، لا بل ويُموّله لحسابات أمرائه من كيس الموازنة وجيوب دافعي الضرائب في الضفة.
أي عدالة هذه التي تبيح استمرار الانقسام ومحاولات السعي لإدارته واقتسامه بين المنقسمين، مع بقائه ممولاً من جيوب الناس والموازنة، وبرعاية سياسية تتزايد رسميتها مع اطلالة كل يوم وإعلان فشل كل جولة تفاوضية عبر تصريحات ومواقف توتيرية أو تعجيزية يطلقها عادة أحد لاعبي فريق التفاوض مع السلطة على طول الخط السياسي الممتد من غزة عبر القاهرة حتى الدوحة وطهران وبالعكس.
يخطئ من يعتقد أننا ضد المصالحة وإنهاء الانقسام، لأن حقائق ما يجري في هذا الخضم الهائج بالمصالح المتنازعة على أكثر من جهة وصعيد وفي أكثر من بلد، لا تشير البتّه إلى أي أفق أو بصيص أمل بمصالحة ونهاية انقسام. لأن سقف غزة التفاوضي لا شيء بغير طموح وسعي جامح بشراكة ندية أو شريك مضارب مع السلطة الوطنية، اضافة لحفاظ على استمرار إدامة الأزمة وادارتها عبر التعايش معها واستمرار التمويل الجائر من طرف واحد لصالح الطرف المنقسم وحسب، أي بمنطوق شراكة في الغُنم لا في الغُرْم. يعني بدْهُم قُرْص مْقَرَّصْ من ذَقْن مْعَرَّصْ.
إلى متى ستستمر هذه الملهاة المسماة بالمصالحة وانهاء الانقسام؟ أما يكفينا حالة الانحباس وانسداد الأفق الحاصل في التفاوض مع الحكومة الإسرائيلية؟ والتي هي الأخرى حولتها الى ملهاة وحالة عبث تستثمرها وتدير من خلالها الأزمة على نحو مجزٍ لها ولسياساتها التي تندرج بذات الشبه والسلوك الجاري على حلبة التفاوض على المصالحة مع غزة. وإلى متى ستستمر هذه العملية من التنكيل السياسي والاقتصادي بنا لحساب المنقسمين المتحكمين بغزة؟ أما يكفينا أننا ندفع منذ سنين ثمن واستحقاقات والتزامات دولة وما نحن بدولة؟! ولماذا لا نعلن الحقائق للناس ونظهرها على الشعب كلّه لنكون أكثر قدرةً وجرأة وحزماً للذهاب باتجاه إقامة صيغة فيدرالية بين شطري الوطن المتفاوضين؟!
لما لا ونحن نشهد كل هذا التسويف والمماطلة وإضاعة الوقت في قصة ابريق الزيت التي لا تنتهي، وقد بات من الواضح أن أي مصالحة لا تحقق مآرب غزة آنفة الذكر في رعاية استمرار الانقسام واستمرار تمويله الشامل من موازنة السلطة مع كامل الإضافات وحفظ الأنفاق والأنفال، دون أي التزام مقابل تجاه السلطة مرفوضة وباطلة وتغضب الله والرسول تماماً مثلما تتجلى مشابهة النظير في مصر مع أقوال العريان الناطق باسم جماعة الإخوان، حين أعلن مسبقاً أنه إذا أظهرت نتائج الانتخابات نجاح أحمد شفيق فإن ذلك سيعني أن الانتخابات مزورة!! وهو ذات المنطق الذي مارسه إخوان مصر عبر إعلانهم الاستباقي مع اللحظة الأولى لانتهاء عمليات التصويت فوز مرشحهم وقبل بدء الفرز، وكأنما يهيئون ويحضرون الأرضية والمناخات اللازمة لهم لمنع نجاح أحمد شفيق والطعن المسبق بشرعية فوزه.
فطالما أن الاحتلال مجزٍ لأصحابه فلن يتخلوا عنه إلا مكرهين بضغط دولي أو بصفقة تكون هي الأخرى مجزية. وطالما أن الانقسام مجزٍ لمن فعلوه وصنَّعوه ووظفوه ووجهوه، فلن يفرطوا فيه طواعية، إلا على ذات القاعدة والمنطق، كل من موقعه معنا وحساباته، ومسافات القرب والبعد من مصالح شعبنا الواقعة في شباك الفئويات الضيقة، وتحت رحمة الرهان على صحوة الضمائر والأخلاق الوطنية، وقيامة الحس بالمسؤولية الوطنية الواجبة تجاه شعبنا.
asefsaeed@yahoo.com
لقد أضعنا الكثير من الفرص والمكتسبات والحقوق على هذا النحو والمنوال الآنف الذكر. فعلى أرض مصر الشقيقة وميادينها المأزومة في أجمتها ما زال الحوار الصلحوي المصالحي الفلسطيني بكامل تجليات التسويف والتخريب والمماطلة تدور رحاه بجعجعة خالية من أي طحن، والأسباب والمعيقات والمعطلات باتت مكشوفة ومعروفة للقاصي والداني، ولا تحتاج لكثير من الذكاء ولا العَناء، نظراً لانكشاف تباين مصالح الطرف المتسبب والمكون للأزمة، وتعارضها مع مسار وجوهر أي صلح جدي وجذري. ما عزز وجعل سعيهم لتكريس إدامة الأزمة وحالة الانقسام وإدارتها بمنظور التعايش والشراكة، للموقف سيداً.
فأي متتبع للسلوك السياسي لـ"حماس" تجاه الصلح الموهوم، يستطيع أن يرى ببينونات وقرائن كبريات عمليات العرقلة والفرملة والهروب المتعمد من على مشارف نهايات كل جولة تفاوضية، أو عتبات أي حل أو حلحلة.
صحيح أن سلوكاً كهذا يؤمن مصالح ويخدم أهدافاً تعود لأصحابه وحدهم لا شريك لهم. لكن تلك المصالح والأهداف تلحق في ذات الوقت، أضراراً جسيمة بالمصالح الوطنية العامة للشعب. ولعل ما يؤكد صدقية هذا الأمر، هو ما عبر عنه القادة المتحاورون على الدوام عبر سيناريوهات تفاوضهم، التي أكد من خلالها أكثر من مسؤول سعيهم للبحث عن صيغة تعايش مصالحي انقسامي اقتسامي مع بقاء الوضع على حاله وعلى المتضرر أن يلجأ لمن يريد أو يشرب البحر. فما زال هاجس غزة في البحث عن ترسيم شرعية الانقسام الذي حصل ولو بصيغة تعايش واقتسام أو ما يمكن أن نسميه شكلاً من أشكال التقاسم الوظيفي، القائم على أساس تكريس الاقتسام والتعايش المصالحي، من خلال العمل على إدارة الأزمة بدلاً من حلها، وهذا أمر اعتادت أن تمارسه وتسلكه الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة في تعاملها مع الشعب الفلسطيني، على امتداد السنين الطويلة من عمر الصراع مع الاحتلال، على طول واختلاف مراحلة وتجلياته. ذلك لأن الوقائع الحسية تثبت جدوى هذه النظرية من خلال مردوداتها المجزية التي تَحَصَّل واستحوذ عليها الاحتلال منذ قيامته الأولى في فلسطين وحتى اليوم. ولعل في حالة الترقب والتريث التي تعيشها "حماس" بانتظار الفوز العظيم لمرسي وجماعة الإخوان في مصر، ما يشير بوضوح لمدى صدقية النوايا والجدية في المصالحة.
ليس من العدل أن يظل شعبنا مثقلاً بأعباء تبعات الانقسام واستمراره على أيدي أصحابه وفاعليه ومُفَعّليه، لا بل ويُموّله لحسابات أمرائه من كيس الموازنة وجيوب دافعي الضرائب في الضفة.
أي عدالة هذه التي تبيح استمرار الانقسام ومحاولات السعي لإدارته واقتسامه بين المنقسمين، مع بقائه ممولاً من جيوب الناس والموازنة، وبرعاية سياسية تتزايد رسميتها مع اطلالة كل يوم وإعلان فشل كل جولة تفاوضية عبر تصريحات ومواقف توتيرية أو تعجيزية يطلقها عادة أحد لاعبي فريق التفاوض مع السلطة على طول الخط السياسي الممتد من غزة عبر القاهرة حتى الدوحة وطهران وبالعكس.
يخطئ من يعتقد أننا ضد المصالحة وإنهاء الانقسام، لأن حقائق ما يجري في هذا الخضم الهائج بالمصالح المتنازعة على أكثر من جهة وصعيد وفي أكثر من بلد، لا تشير البتّه إلى أي أفق أو بصيص أمل بمصالحة ونهاية انقسام. لأن سقف غزة التفاوضي لا شيء بغير طموح وسعي جامح بشراكة ندية أو شريك مضارب مع السلطة الوطنية، اضافة لحفاظ على استمرار إدامة الأزمة وادارتها عبر التعايش معها واستمرار التمويل الجائر من طرف واحد لصالح الطرف المنقسم وحسب، أي بمنطوق شراكة في الغُنم لا في الغُرْم. يعني بدْهُم قُرْص مْقَرَّصْ من ذَقْن مْعَرَّصْ.
إلى متى ستستمر هذه الملهاة المسماة بالمصالحة وانهاء الانقسام؟ أما يكفينا حالة الانحباس وانسداد الأفق الحاصل في التفاوض مع الحكومة الإسرائيلية؟ والتي هي الأخرى حولتها الى ملهاة وحالة عبث تستثمرها وتدير من خلالها الأزمة على نحو مجزٍ لها ولسياساتها التي تندرج بذات الشبه والسلوك الجاري على حلبة التفاوض على المصالحة مع غزة. وإلى متى ستستمر هذه العملية من التنكيل السياسي والاقتصادي بنا لحساب المنقسمين المتحكمين بغزة؟ أما يكفينا أننا ندفع منذ سنين ثمن واستحقاقات والتزامات دولة وما نحن بدولة؟! ولماذا لا نعلن الحقائق للناس ونظهرها على الشعب كلّه لنكون أكثر قدرةً وجرأة وحزماً للذهاب باتجاه إقامة صيغة فيدرالية بين شطري الوطن المتفاوضين؟!
لما لا ونحن نشهد كل هذا التسويف والمماطلة وإضاعة الوقت في قصة ابريق الزيت التي لا تنتهي، وقد بات من الواضح أن أي مصالحة لا تحقق مآرب غزة آنفة الذكر في رعاية استمرار الانقسام واستمرار تمويله الشامل من موازنة السلطة مع كامل الإضافات وحفظ الأنفاق والأنفال، دون أي التزام مقابل تجاه السلطة مرفوضة وباطلة وتغضب الله والرسول تماماً مثلما تتجلى مشابهة النظير في مصر مع أقوال العريان الناطق باسم جماعة الإخوان، حين أعلن مسبقاً أنه إذا أظهرت نتائج الانتخابات نجاح أحمد شفيق فإن ذلك سيعني أن الانتخابات مزورة!! وهو ذات المنطق الذي مارسه إخوان مصر عبر إعلانهم الاستباقي مع اللحظة الأولى لانتهاء عمليات التصويت فوز مرشحهم وقبل بدء الفرز، وكأنما يهيئون ويحضرون الأرضية والمناخات اللازمة لهم لمنع نجاح أحمد شفيق والطعن المسبق بشرعية فوزه.
فطالما أن الاحتلال مجزٍ لأصحابه فلن يتخلوا عنه إلا مكرهين بضغط دولي أو بصفقة تكون هي الأخرى مجزية. وطالما أن الانقسام مجزٍ لمن فعلوه وصنَّعوه ووظفوه ووجهوه، فلن يفرطوا فيه طواعية، إلا على ذات القاعدة والمنطق، كل من موقعه معنا وحساباته، ومسافات القرب والبعد من مصالح شعبنا الواقعة في شباك الفئويات الضيقة، وتحت رحمة الرهان على صحوة الضمائر والأخلاق الوطنية، وقيامة الحس بالمسؤولية الوطنية الواجبة تجاه شعبنا.
asefsaeed@yahoo.com