هاني الحسن الى رحمة الله- عدلي صادق
التحق هاني الحسن بركب الراحلين المرموقين، من رجالات الحركة الوطنية وقادتها وحاملي بيرقها.
وفي لحظة الموت هذه، بعد أيام سكونه المديد؛ نستذكر تاريخاً طويلاً، لا يمحوه موقف ولا واقعة ولا أي اجتهاد صائب أو خاطئ. فقد كان "أبو طارق" شعلة فكر متقد، شغوفاً بإضاءة نقاط ومساحات مظلمة، من وقائع وأسرار الأحداث والتطورات السياسية. فلا يختلف اثنان، على أن الشاب الذي كانه هاني، عندما ذهب الى ألمانيا طلباً للعلم، في مطلع الستينيات، هو مُحرك الخلية الفتحاوية الأولى في القارة الأوروبية، ورمز الشباب اليافع المتحمس. وعلى الرغم من أن الوقت لم يحن لكي يتقصى ويُصنّف باحثون، خليط المشارب الفكرية والميول التي شكلت تعددية الرؤى التفصيلية، لدى المجموعة الطليعية الأولى لحركة "فتح"؛ يمكن القول، إن هاني الحسن، ظل في توجهه الوطني، قيادياً ذكياً يفتح لنفسه آفاق عمل واسعة، وذا رؤية لا ترى مصلحة في الاصطدام مع بُنى وأنظمة تقليدية، في الوطن وفي المنطقة العربية، معنياً بالتوافق معها، على مشتركات لا يصح تجاهل أهميتها، في سياق النضال الفلسطيني العام. هو من أسرة لرجل من المتفقهين في الدين، ثم من القساميين البارزين في شأني الدين ومجاهدة المستعمر. تنسّم أبناؤه الأربعه فيما بعد خطاه، وإن اختلفت دروبهم. كان هاني، يلتقي مع شقيقه الأكبر المرحوم خالد (أبو السعيد) في الرؤية العامة ويقف وإياه، على مسافة بعيدة من اليسار في زمن صعوده وارتفاع أسهمه. لكنه (هاني) اتخذ لنفسه خطاً براغماتياً وغاص في كواليس السياسة ومفارقاتها ومقالبها، طلباً لمواطئ أقدام لحركة "فتح" في ساحة ملغمة أو معقدة. وهذا خط لم يكن يناسب طبيعة أبي السعيد، الأقرب الى الفكر والطرح السياسي الصارم، متأثراً بنسقه الأيديولوجي الإسلامي في سني الشباب اليافع. وفي إطار واسع من تنوع اهتمامات المرحوم هاني، جمع الرجل بين السياسة وأمن الثورة. أما الشقيق الذي بينهما، وهو علي الحسن (أبو أيمن) فقد آثر الوقوف على رابية لكي ينظر ويتابع ويقرض شعر القافية ملتزماً ببحوره، مثلما التزم التقاليد على كل صعيد، فلا يخوض غماراً ولا يغيب عن رؤية كل لقطات أيامنا. لكن بلال، الذي بدأ قومياً يسارياً، ثم استحال يوائم في ميدان الصحافة، وفي حقل الكلمة، بين اليسار الفصائلي وفطنة اليمين عندما يأخذها من قصيرها، وبعد أن تردت الأحوال وضاقت الخيارات؛ اجتهد لكي يقف في نقطة وسطى، بين السعودية وسوريا، ينتشي بانتعاش العلاقة بينهما، ويتوارى عن الأنظار إن انتكست العلاقة مثلما هي الآن!
* * *
المرحوم هاني الحسن، عاش أيامه صاحب موقف ورؤية في كل شأن، ولو كلفه ذلك أن يظل بين عادٍ ومَعْدُوٍ عليه. في خطاب المناسبات العامة، لم يكن يبرح أمثلته وعباراته، عن "يالطا" الجديدة" و"الحية والعصفور" و"العمل العسكري يزرع والعمل السياسي يحصد" ومقولة ماو تسي تونغ في لقاء فلسطيني نادر معه، عن "الثورة المستحيلة". لكنه في الخطاب الخاص، كان صاحب رواية تفصيلية في كل شأن، يستمد السامعون منه حماسة في السياسة وعناداً في التمسك بالأدوار التي يريدونها لأنفسهم. كانت له سماته الفريدة، ولعله ـ رحمه الله ـ قد خذل نفسه، في بعض اللقاءات على شاشة التلفزة، فبدا كما لو أنه شخص آخر، غير ذلك المتدفق الحصيف الذي يقنع سامعيه في أحاديثه الخاصة، ويغمرهم ببراهينه!
من المؤلم أن باغتته الجلطة الأولى، بالتزامن مع جلطة كبرى أصابت الحال الوطني العام، فلم يعد بمقدور واحدنا أن يتحسس آلام صاحبه. آوى الرجل الى سكون مديد، كان يخصم من المشهد، نكهته الخاصة واجتهاداته ومُحيّاه الطيّب. اختتم تجربة وسيرة حياة، امتزج فيها رفض "أوسلو" بترؤس وزارة الداخلية في كنفها. في ذاك الامتزاج، كان يأخذه انتماؤه الى البقاء حيثما يحل الركب ويضرب الجمع أوتاد الخيام. لم يفارق وإن اختلف مع الوجهة، ثم أسلمه المرض الى سكون السنوات الأخيرة، وصولاً الى سكونه الأبدي، الذي فارق معه الحياة. فإلى روحه الطاهرة، الدعاء بالرحمة ولها ثواب الفاتحة!
www.adlisadek.net
adlishaban@hotmail.com