هاني الحسن... - يحيى رباح
وهكذا ينفذ سهم القضاء المحتوم، سنة الله في خلقه، حيث غيب الموت هاني الحسن «أبو طارق» وعضو اللجنة المركزية السابعة لحركة فتح، وأحمد ألمع نجومها، الذي سطع نجمه منذ الخمسينيات حين كان يدرس في ألمانيا، وشكل مجموعة من الزملاء الفلسطينيين في ذلك الوقت، هايل عبد الحميد وحمدان عاشور وعبد الله الافرنجي وعدنان سمارة وغازي الحسيني، وزهير المناصرة، وآخرون، أولى خلايا فتح الناشطة جدا، وصعدوا في فضاء حركة فتح الذي يسمح بتفتح كل أنواع الورود في الحديقة الفلسطينية، ولعبوا أدوارا مهمة في مسيرة الفتح والثورة الفلسطينية المعاصرة.
وتقلبت بهم الظروف كدأب العمل السياسي دائما، لكنهم ظلوا دائمي الحضور، بشكل أو بآخر، وظلت فتح في حياتهم نجمة الصباح والمساء ونشيدهم المقدس، وحلمهم الذي لا يغيب !!! بعضهم غيبه الموت اغتيالا بالرصاص مثل الشهيد هايل عبد الحميد الذي تم اغتياله مع صلاح خلف أبو إياد، بنوع من التدبير المشترك بين عدة أجهزة مخابرات !!! والبعض ما زال يواصل دوره في معركة البقاء الفلسطيني التي نحن الآن في أشد أطوارها ضراوة، أما هاني الحسن فقد هزمه المرض إلى حد الموت.
كان هاني الحسن الأخ الثالث من أربعة اخوة لمعوا معا في سماء العمل السياسي الفلسطيني، أولهم المرحوم خالد الحسن أحد مؤسسي حركة فتح التي أعلن عن ميلادها في عام 1958، وهو رجل ذو ثقافة موسوعية عالية، وعقل راجح، ورؤى عميقة، وكان معروفا باتساع علاقاته وصداقاته مع صانعي القرار في الشرق والغرب، ومع العرب والمسلمين، وكان دوره بارزا في حركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية.
أما الأخ الثاني فهو علي الحسن الذي كان من أقطاب تنظيم حركة فتح في الكويت، والأخ الثالث هو هاني «أبو طارق» الذي أكتب هذا المقال بين يدي ذكراه، اما الأخ الرابع فهو بلال الحسن الكاتب والصحفي والمحلل السياسي المعروف، الذي انتمى إلى صفوف الجبهة الديمقراطية، وكان أول ممثل لها في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، ثم تفرغ للعمل الصحفي، فأسس مجلة اليوم السابع الذي كان مقرها في باريس، والتي أحدثت إضاءة ساطعة في تاريخ الصحافة العربية المهاجرة !!! وما زال دائم الحضور على المستوى الفكري والصحفي والسياسي.
و لأن الأخوة الأربعة كانوا لامعين في وقت واحد، فقد كنا نطلق عليهم تحببا في بعض الأحيان لقب «آل كندي» تشبها بعائلة كندي الأميركية الإيرلندية الأصل التي قدمت للولايات المتحدة رئيسا ألمع من نجوم السينما وهو جون كندي وعددا من أخوته.
عملت مع هاني الحسن الذي عرفته منذ زمن طويل، في تجربة مهمة ومميزة في الأردن، حيث بعد غياب كامل عن الساحة الأردنية، وقطيعة نهائية دامت قرابة أربعة عشر عاما، أتيحت لنا الفرصة تحت سقف الاتفاق الأردني الفلسطيني في بداية عام 85، تشكيل لجنة عمل فتحوية في الساحة الأردنية وكان مفوضها هاني الحسن «أبو طارق»، وكنت عضوا في لجنة العمل تلك، ومسؤولا عن ملف الإعلام، حيث أصدرنا وقتها ولأول مرة بعد غياب طويل صحيفة أسبوعية تحت اسم «الفتح» وبقينا لمدة عامين 1985 و1986 نعمل على الساحة الأردنية تحت عنوان ذلك التنسيق، إلى أن تجدد الخلاف السياسي مرة أخرى فاضطررنا إلى مغادرة الأردن الشقيق بأشكال مختلفة، حيث طلب من الأخ أبو جهاد خليل الوزير المغادرة، وسجنت شخصيا لفترة قصيرة، (حوالي ثلاثة أسابيع فقط)، ثم ابعدت إلى العراق، وامتازت تلك الفترة بعدد الذين كان يتم ابعادهم، مثل أبو علي شاهين، وعز الدين الشريف وغيرهم، وفهم هاني الحسن الرسالة، فتقطعت زياراته إلى عمان إلى أن غادرها بشكل نهائي.
على امتداد عامي 85 و86 تعرفت على هاني الحسن أكثر وعن قرب شديد، واعترف أنه شخص موهوب، ولديه شجاعة أدبية فائقة، ولديه قاموس واسع من اللغة السياسية التي تساعده في صياغة المواقف مهما كانت معقدة، فهو على سبيل المثال أكبر مروج للشعار البراجماتي «البندقية تزرع والسياسة تحصد»، ولعب قبل ذلك أدواراً عديدة كان أهمها المفاوضات مع فليب حبيب في فترة الغزو الإسرائيلي العسكري الجارف للبنان وحصار بيروت، كما لعب أدوارا عديدة سواء على الصعيد الداخلي في العمل التنظيمي، او على صعيد العلاقات العربية والدولية، إلى أن داهمه المرض ثم جاءه الأجل.
أريد أن أقول: أن هاني الحسن «يرحمه الله» مثل بقية أخوته الثلاثة، ومثل أبناء جيله من النخب السياسية، لم يمروا مرورا عارضا، بل كان حضورهم لافتاً للنظر، والحضور السياسي في الساحة السياسية، معناه أنك تكسب الأصدقاء وتكتسب الأعداء أيضا !!! فكل حضور له ما يقاومه، وكل خيار له ثمن، ولكن ما بين الاتفاق والاختلاف، ما بين الرضى والسخط، ما بين الارتواء وجفاف الحلق يبقى الإنسان، الإنسان الفرد بذاته، مدى بنائه النفسي والأخلاقي والسياسي، ومساحة تصالحه مع نفسه، ويقينه مع قضيته !!! وأعتقد أن كثيرين غيري يتفقون معي بثقة أن هاني الحسن ظل طيلة حياته قنديلا مضيئا في فناء البيت الفلسطيني.
فلروحه الرحمة،
ولذكراه المحبة والاعتزاز والخلود.
وتقلبت بهم الظروف كدأب العمل السياسي دائما، لكنهم ظلوا دائمي الحضور، بشكل أو بآخر، وظلت فتح في حياتهم نجمة الصباح والمساء ونشيدهم المقدس، وحلمهم الذي لا يغيب !!! بعضهم غيبه الموت اغتيالا بالرصاص مثل الشهيد هايل عبد الحميد الذي تم اغتياله مع صلاح خلف أبو إياد، بنوع من التدبير المشترك بين عدة أجهزة مخابرات !!! والبعض ما زال يواصل دوره في معركة البقاء الفلسطيني التي نحن الآن في أشد أطوارها ضراوة، أما هاني الحسن فقد هزمه المرض إلى حد الموت.
كان هاني الحسن الأخ الثالث من أربعة اخوة لمعوا معا في سماء العمل السياسي الفلسطيني، أولهم المرحوم خالد الحسن أحد مؤسسي حركة فتح التي أعلن عن ميلادها في عام 1958، وهو رجل ذو ثقافة موسوعية عالية، وعقل راجح، ورؤى عميقة، وكان معروفا باتساع علاقاته وصداقاته مع صانعي القرار في الشرق والغرب، ومع العرب والمسلمين، وكان دوره بارزا في حركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية.
أما الأخ الثاني فهو علي الحسن الذي كان من أقطاب تنظيم حركة فتح في الكويت، والأخ الثالث هو هاني «أبو طارق» الذي أكتب هذا المقال بين يدي ذكراه، اما الأخ الرابع فهو بلال الحسن الكاتب والصحفي والمحلل السياسي المعروف، الذي انتمى إلى صفوف الجبهة الديمقراطية، وكان أول ممثل لها في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، ثم تفرغ للعمل الصحفي، فأسس مجلة اليوم السابع الذي كان مقرها في باريس، والتي أحدثت إضاءة ساطعة في تاريخ الصحافة العربية المهاجرة !!! وما زال دائم الحضور على المستوى الفكري والصحفي والسياسي.
و لأن الأخوة الأربعة كانوا لامعين في وقت واحد، فقد كنا نطلق عليهم تحببا في بعض الأحيان لقب «آل كندي» تشبها بعائلة كندي الأميركية الإيرلندية الأصل التي قدمت للولايات المتحدة رئيسا ألمع من نجوم السينما وهو جون كندي وعددا من أخوته.
عملت مع هاني الحسن الذي عرفته منذ زمن طويل، في تجربة مهمة ومميزة في الأردن، حيث بعد غياب كامل عن الساحة الأردنية، وقطيعة نهائية دامت قرابة أربعة عشر عاما، أتيحت لنا الفرصة تحت سقف الاتفاق الأردني الفلسطيني في بداية عام 85، تشكيل لجنة عمل فتحوية في الساحة الأردنية وكان مفوضها هاني الحسن «أبو طارق»، وكنت عضوا في لجنة العمل تلك، ومسؤولا عن ملف الإعلام، حيث أصدرنا وقتها ولأول مرة بعد غياب طويل صحيفة أسبوعية تحت اسم «الفتح» وبقينا لمدة عامين 1985 و1986 نعمل على الساحة الأردنية تحت عنوان ذلك التنسيق، إلى أن تجدد الخلاف السياسي مرة أخرى فاضطررنا إلى مغادرة الأردن الشقيق بأشكال مختلفة، حيث طلب من الأخ أبو جهاد خليل الوزير المغادرة، وسجنت شخصيا لفترة قصيرة، (حوالي ثلاثة أسابيع فقط)، ثم ابعدت إلى العراق، وامتازت تلك الفترة بعدد الذين كان يتم ابعادهم، مثل أبو علي شاهين، وعز الدين الشريف وغيرهم، وفهم هاني الحسن الرسالة، فتقطعت زياراته إلى عمان إلى أن غادرها بشكل نهائي.
على امتداد عامي 85 و86 تعرفت على هاني الحسن أكثر وعن قرب شديد، واعترف أنه شخص موهوب، ولديه شجاعة أدبية فائقة، ولديه قاموس واسع من اللغة السياسية التي تساعده في صياغة المواقف مهما كانت معقدة، فهو على سبيل المثال أكبر مروج للشعار البراجماتي «البندقية تزرع والسياسة تحصد»، ولعب قبل ذلك أدواراً عديدة كان أهمها المفاوضات مع فليب حبيب في فترة الغزو الإسرائيلي العسكري الجارف للبنان وحصار بيروت، كما لعب أدوارا عديدة سواء على الصعيد الداخلي في العمل التنظيمي، او على صعيد العلاقات العربية والدولية، إلى أن داهمه المرض ثم جاءه الأجل.
أريد أن أقول: أن هاني الحسن «يرحمه الله» مثل بقية أخوته الثلاثة، ومثل أبناء جيله من النخب السياسية، لم يمروا مرورا عارضا، بل كان حضورهم لافتاً للنظر، والحضور السياسي في الساحة السياسية، معناه أنك تكسب الأصدقاء وتكتسب الأعداء أيضا !!! فكل حضور له ما يقاومه، وكل خيار له ثمن، ولكن ما بين الاتفاق والاختلاف، ما بين الرضى والسخط، ما بين الارتواء وجفاف الحلق يبقى الإنسان، الإنسان الفرد بذاته، مدى بنائه النفسي والأخلاقي والسياسي، ومساحة تصالحه مع نفسه، ويقينه مع قضيته !!! وأعتقد أن كثيرين غيري يتفقون معي بثقة أن هاني الحسن ظل طيلة حياته قنديلا مضيئا في فناء البيت الفلسطيني.
فلروحه الرحمة،
ولذكراه المحبة والاعتزاز والخلود.