وحدة الشعب اعمق من الافكار الخاطئة ـ عادل عبد الرحمن
في خضم البحث عن الخروج من نفق الانقلاب الحمساوي على الشرعية الوطنية، والاستعصاءات التي تنتجها حركة حماس كلما لاحت بارقة أمل لولوج لحظة المصالحة، واعادة الاعتبار للوحدة الوطنية وللقضية والاهداف والمصالح العليا للشعب الفلسطيني، خرجت بعض الاصوات باجتهادات غير واقعية، وبعيدة عن طموحات الشعب بقطاعاته المختلفة، منها على سبيل المثال لا الحصر ما يسمى "الوحدة الفيدرالية".
مما لا شك فيه، ان حق الاجتهاد مصون للكل الوطني لتجاوز عنق الزجاجة في ازمة المشروع الوطني. ولكن من الاجدر بالمجتهدين التدقيق باطروحاتهم قبل البوح بها على الملأ، وسؤال الذات عن مدى صوابية او اقتراب هذه الفكرة او تلك من الواقع، ومدى قدرتها على محاكاة الواقع الوطني، وتجاوبها مع تطلعات الشعب حتى لا تفسر وتقرأ عكس ما يطمح المجتهدون.
بالتأكيد الفكرة تحمل في طياتها عناصر فنائها واندثارها، لانها لا تتوافق مع مكونات الشعب الفلسطيني واهدافه الوطنية ولا مع كفاحه التحرري الطويل. لأن الفلسطينيين عرق واحد بغض النظر عن الاختلافات والتباينات السياسية او الدينية او الانتماءات الفكرية والعقائدية المتعددة؛ وهم نسيج وطني واحد، ولهم شخصية وهوية ثقافية واحدة وجامعة؛ والرواية الفلسطينية، هي ذاتها بين مجموع القوى السياسية، والاهداف الوطنية ذاتها طرد الاحتلال واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود الرابع من حزيران عام 1967، وضمان حق العودة للاجئين الفلسطينيين على اساس القرار الدولي 194.
إذاً الشعب الفلسطيني لا يتكون من اعراق مختلفة، ولا اهداف قواه السياسية متباينة، كما لا توجد "نزعات انفصالية" رغم وجود وحدوث الانقلاب الحمساوي على الشرعية الوطنية في حزيران يونيو 2007، الذي يطمح القائمون عليه لاختطاف الوطن الفلسطيني برمته لخدمة اغراضهم الفئوية الخاصة. وبالتالي الاكتفاء بالامارة راهنا في قطاع غزة، ليس نهاية اهداف الانقلابيين، بل هي المقدمة للانقضاض على باقي الوطن الفلسطيني. كما ان الفصل الجغرافي القائم موضوعيا بين جناحي الوطن نتاج النكبة والاحتلال الاسرائيلي، الذي ما زال يحول دون تقدم عملية السلام وخيار حل الدولتين للشعبين على حدود الرابع من حزيران 67، لا يسقط، ولم يلغِ وحدة الارض والشعب والقضية والاهداف الوطنية.
حتى اتفاقية اوسلو البائسة اقرت في موادها الرابعة والخامسة، بان الضفة بما فيها القدس الشرقية وقطاع غزة وحدة جغرافية وادارية واحدة، والولاية عليها للفلسطينيين (قيادة منظمة التحرير)، والسلطة الوطنية، ذراع المنظمة في الاراضي المحتلة عام 67، هي المسؤولة عن ابناء الشعب الفلسطيني . وهو ما كان، وما زال قائما حتى اللحظة الراهنة، وسيبقى لحين اقامة الدولة الوطنية المستقلة شاء المحتلون الاسرائيليون ام ابوا.
فضلا عن ذلك، ان الاجتهادات غير الموفقة، والناجمة عن حسابات وقراءات قاصرة تصب في مصلحة الاحتلال واعوانه، ولا تخدم الشعب العربي الفلسطيني من قريب او بعيد. الأمر الذي يفرض على اصحاب الاجتهادات الخاطئة، طي اوراقهم وافكارهم البعيدة عن المصالح الوطنية العليا للشعب حرصا على ذاتهم ومكانتهم في الساحة، والبحث عن افكار ورؤى اكثر واقعية والدفع بعجلة المصالحة للامام لقطع الطريق على قادة الانقلاب الحمساوي، ولأن وحدة الشعب اعمق واعظم من كل الافكار المشوشة والفاقدة الأهلية السياسية، التي لا تستند لمرتكزات فكرية او غيرها من العوامل ذات الصلة بالفيدرالية والكونفيدرالية.
ولو فكر المجتهدون قليلا بواقع دولة الابرتهايد الاسرائيلية، التي تضم فسيفساء قومية وعرقية ودينية ومذهبية وثقافية، وإصرار قادتها على وحدة "الشعب "الاسرائيلي على الاساس الديني، لما فكروا للحظة بطرح افكارهم الخاطئة. ولكن يبدو، ان استعصاء المصالحة افقدهم الصبر والقدرة على تحمل تبعات الكفاح لاعادة الاعتبار للوحدة الوطنية.