الاحتلال يشدد إجراءاته العسكرية على حواجز نابلس    لازاريني: الأونروا هي الوصي الأمين على هوية لاجئي فلسطين وتاريخهم    شهداء في قصف الاحتلال منازل مواطنين في مدينة غزة    3 شهداء و10 مصابين في قصف الاحتلال شقة غرب غزة    الاحتلال يأخذ قياسات 3 منازل في قباطية جنوب جنين    فتح منطقة الشهيد عز الدين القسام الأولى والثانية إقليم جنين تستنكر قتل خارجين على القانون مواطنة داخل المدينة    استشهاد اب وأطفاله الثلاثة في قصف الاحتلال مخيم النصيرات    الاحتلال يواصل عدوانه على مدينة ومخيم طولكرم    الاحتلال يشدد من إجراءاته العسكرية شمال الضفة    50 شكوى حول العالم ضد جنود الاحتلال لارتكابهم جرائم في قطاع غزة    دائرة مناهضة الأبارتهايد تشيد بقرار محكمة برازيلية يقضي بإيقاف جندي إسرائيلي    المجلس الوطني يحذر من عواقب تنفيذ الاحتلال قراره بحظر "الأونروا"    14 شهيدا في قصف الاحتلال مناطق عدة من قطاع غزة    16 شهيدا في قصف للاحتلال على وسط قطاع غزة    نادي الأسير: المخاطر على مصير الدكتور أبو صفية تتضاعف بعد نفي الاحتلال وجود سجل يثبت اعتقاله  

نادي الأسير: المخاطر على مصير الدكتور أبو صفية تتضاعف بعد نفي الاحتلال وجود سجل يثبت اعتقاله

الآن

هاني الحسن.. "عملاق آخر يغيب" - عيسى عبد الحفيظ

جانب من تشييع جثمان الراحل هاني الحسن أخيراً ترجل هاني الحسن «أبو طارق» عن حصانه الفتحاوي لينضم إلى قافلة شهداء فتح ومركزيتها التي كان يطيب له دائما أن يردد أن عشرة من قادتها سقطوا رميا بالرصاص، وها هو يلحق بهم وبشقيقه خالد الحسن أبو السعيد رائد الفكر الفتحاوي وأحد أبرز المنظرين العرب ان لم يكن على المستوى العالمي برمته.
هاني الحسن خريج المدرسة الفتحاوية وأصبح فيما بعد أحد أهم قيادييها بعد أن صقلت تجربته الغربة في ألمانيا وبداية العمل السري ورئاسة الاتحاد العام لطلبة فلسطين الذي خرج جل قيادات الحركة، ثم عاد ليلتحق في صفوف المقاتلين بعد هزيمة حزيران عام 1967.
يقول هاني الحسن في ذلك انه وبعد الهزيمة جاءت غولدا مائير إلى ألمانيا في زيارة رسمية وعقدت ندوة صحفية ونشوة (النصر) الرخيص تطغى عليها وعلى القيادة الاسرائيلية، سألها صحفي ماذا ستفعلون بالشعب الفلسطيني بعد أن آلت لكم الضفة الغربية وقطاع غزة؟ فما كان منها إلا أن نظرت يمنة ويسرة وهي تتصنع الاندهاش من السؤال ثم قالت مجيبة على السؤال: أين هم الفلسطينيون، أنا لا أرى شيئا يسمى بهذا الاسم؟
ويعقب هاني الحسن على ذلك بقوله أن الاستفزاز وصل به إلى درجة قرر معها ترك ألمانيا والعودة للالتحاق بالفدائيين.
هاني الحسن «أبو طارق» رجل المهمات الصعبة التي كان الختيار يوكلها اليه، واذكر الحوار المكثف الذي خاضه أبو طارق مع الفصائل الفلسطينية قبيل انعقاد دورة المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر (دورة الوحدة الوطنية) عام 1987 وكان جلهم من اليسار الفلسطيني حين قدم هاني الحسن عرضا يساريا على الطريقة الفتحاوية، لم يملك الحاضرون الا الموافقة والثناء عليه، واذكر جيدا ان الختيار ابتسم في نهاية اللقاء قائلا على سبيل المداعبة للحاضرين ومنهم القائد ضمير فلسطين الراحل جورج حبش: أترون عندنا في فتح من يفهم في النظرية الماركسية اللينية والديالكتيك أفضل منكم.
هاني الحسن، ذو التوجه الديني الاسلامي الوسطي المتعمق في دراسة الاسلام كمبدأ وممارسة واستخلاص، اثبت حتى للايرانيين عندما ذهب كأول سفير لفلسطين بعد انتصار الثورة الاسلامية عام 1979 ان حركة فتح التي يتهمها البعض تارة بالعلمانية وتارة بالبرجوازية وتارة باليمينية، انها حركة وليست جبهة وليست منظمة وليست حزبا وليست جمعية خيرية. انها ثورة بكل ما تحمله الكلمة من معان. كان ضليعا في تاريخ حركات التحرر من آسيا وافريقيا وأميركا اللاتينية ونسج علاقات عالية المستوى واستطيع القول بكل ثقة أنه كان يعرف عن بعض الحركات أكثر مما يعرفه أعضاء تلك الحركات.
قارئ ممتاز ومواظب لا يكل ولا يمل واذكر جيدا في حديث ثنائي وكنا نتحدث عن حيفا مسقط رأسه انني اخبرته بوجود كتاب عن تاريخ حيفا الحديث ولكني نسيت اسم المؤلف فذكر اسمه فورا وعنوان الكتاب؟!  هاني الحسن الشجرة الوارفة الظلال تفيأ الكثيرون تحت ظلالها، يسود الصمت حينما يتكلم ويعم السكوت وكأن الحاضرين ينتظرونه بفارغ الصبر للاستماع إلى جمله ومصطلحاته العميقة فهو صاحب اختراعها بدءا من (الخارق يصبح مألوفا) وانتهاء بالكفاح المسلح يزرع والعمل السياسي يحصد ومجرم من يزرع ولا يحصد، ومرورا بقاموس كامل للمصطلحات وتلك النظرة التي تشعر وكأنه بها يسبر غورك وينفذ إلى اعماقك حتى تصبح افكارك مكشوفة امامه حين قدمته أول مرة في الجزائر قلت انه مدرسة فعاتبني بعد الندوة قائلا: كان يجب ان تقول انني أمثل مدرسة فتح لأنني خريجها ثم تفرغت للعمل فيها.
كتب الكثير وكانت كتاباته كلها بمثابة البوصلة التي نهتدي بها عند السجال الحاد، وعندما كنا نذكر ذلك أمامه يبتسم بتواضع ويقول اننا جميعا نتعلم من الشعب.
قد تختلف معه سياسيا ولكنك لا تملك الا ان تحترم عقله وتحليلاته وبعد نظره وعمقه الفكري يمتلك موهبة أمنية خارقة لا تعلم من أين يستمدها. في احدى الندوات التي قدمته فيها وفي مقر احد الاجهزة، وقف (أحدهم) يصرخ مدعيا الثورية الزائدة وضرورة تغيير الاستراتيجية والعودة إلى الكفاح المسلح وعندما انتهت الندوة وهبطنا معا في المصعد استفسر مني عن ذاك الشخص قائلا ان مداخلته تحوي اكثر من علامة استفهام وكان أبو طارق على حق في شكه فقد اثبتت الايام اللاحقة ان هذا الـ (أحدهم) كان مرتبطا بجهاز أمن غير فلسطيني
كان أبو طارق منفتحا مع الذين يثق بهم إلى درجة الغوص في الاحداث الجسام واذكر ذات ليلة من أيام الحصار ان اقترح عليّ الصديق اللواء أبو عاصم زيارة الفقيد هاني الحسن في بيته ولم نكن نسكن بعيدين عن مقر اقامته وبقينا حتى وقت متأخر من الليل وهو يتنقل من حادثة إلى أخرى وخاصة في الساحة اللبنانية التي شهدت الفترة الذهبية للصعود الثوري والمكاسب الدبلوماسية الفلسطينية وعرج على توليه حقيبة الداخلية وملابساتها وما صاحبها من أحداث وخاصة مع الجانب الاسرائيلي ومفهوم التنسيق الأمني وكانت رؤياه فلسطينية حتى النخاع، لم يستطع اي طرف وحتى الادارة الاميركية ان تدوس على الخط الأحمر الذي رسمه هاني الحسن فالكرامة الوطنية والامانة التاريخية، والوعي الامني الملتزم بقضايا الشعب، والاصرار على التعامل بالمثل كانت جدران السد الذي يحول بين وزير داخلية فلسطين وبين السقوط في معترك ومعادلة الطرف الأقوى والطرف الاضعف.
كان ينتفض لأي كلمة أو جملة من أكبر رؤساء وملوك العالم يشتم منها رائحة النيل من الكرامة الوطنية أو كرامته الشخصية ويكيل الصاع صاعين. صدامي من الدرجة الأولى عند اللزوم وهادئ كجدول ماء عندما يخاطب الكوادر.
اذكر في احدى ندواته بالجزائر وكان ذلك في السبعينيات ان احد المعلمين اشتكى من الراتب الذي يتقاضاه ونسبة التحويل من العملة الصعبة، وألح بالشكوى طالبا تدخل القيادة الفلسطينية رسميا في ذلك.
فاحتد أبو طارق وضرب الطاولة بيده صارخا أيضا: ألا تعلم لماذا يجري هذا، لأنك بلا وطن لذا يجب علينا جميعا ان نسعى لامتلاك وطن ولو على مساحة شبر في فلسطين. وكان ذلك عقب حرب اكتوبر المجيدة التي رأى فيها هاني الحسن أنها فتحت الطريق لحل ما للقضية الفلسطينية ولكن السادات رمى بأوراقه كاملة أمام كيسنجر وكانت مصر وفلسطين حسب تحليل هاني الحسن ستحصلان على شروط افضل بكثير لو لم يقم السادات بذلك.
حاول الشهيد أبو طارق ان يبني تنظيما، نجح احيانا واخفق احيانا اخرى، وكان الدمج بين تجربة الخارج والداخل التنظيمية ليس بالأمر السهل وما زال كذلك، بالاضافة إلى العوائق والعراقيل التي برزت من هنا وهناك، ولم تخل احيانا من روح المؤامرة.
ها هو يرحل حاملا معه الهم الفلسطيني كما حمله في الحياة الدنيا، مودعا حركة فتح التي ترك بصماته عليها بأحرف من نار ونور وللحديث بقايا...

إقرأ أيضاً

الأكثر زيارة

Developed by MONGID | Software House جميع الحقوق محفوظة لـمفوضية العلاقات الوطنية © 2025