حياد إيجابي- فؤاد أبو حجلة
كنت وما أزال مقتنعا بضرورة بقاء فلسطينيي الشتات العربي بعيدين عن الصراع القائم بين أنظمة الحكم ومعارضاتها، فما جرى في عواصم عربية وما يجري في عواصم أخرى ملتبس وغامض ومثير للشبهة، لأن الشعوب لا تصحو بكبسة زر، ولأن الظلم الذي يثور ضده الناس ليس ظلما جديدا ولا هو وليد لحظته.
هناك قرار غربي بإعادة تشكيل المنطقة سياسيا بحيث تتراجع قضية فلسطين في قائمة الاولويات السياسية، وبحيث يحل النموذج الديني المرتبط بالغرب محل النموذج الرجعي القمعي المرتبط بالغرب أيضا، وذلك بعد أن تم استهلاك الرجعيات العربية التي فقدت صلاحيتها بالنسبة لواشنطن وحلفائها الأوروبيين.
ليس ما تقدم استنتاجا مدفوعا بميل سياسي، بل محاولة لقراءة المشهد العربي بلغة مختلفة بعيدة عن خطاب المعارضة وشعاراتها الملتهبة وعن خطاب النظام العربي وشعاراته البائسة. وليس في هذا الاستنتاج تقليل من تضحيات الثائرين ضد الطغاة، فهؤلاء لا يرسمون النهايات ولا يحددون الخلاصات. إنهم مواطنون يثورون انتقاما لكرامتهم ودفاعا حريتهم وعن رغيف أطفالهم، لكن اللعبة السياسية تتجاوز ذلك إلى ما هو أبعد من سقوط الطغاة والفاسدين المتحكمين بمقدرات البلاد ورقاب العباد.
أميركا تجدد حلفاءها، وتغلق منافذ التغيير الحقيقي وتمنع وصول قوى التغيير الى الحكم حتى تضمن استمرار هيمنتها على المنطقة، وهي تقدم القرابين واحدا تلو الآخر لتصنع رموزا جديدة في معادلة الجمود في المنطقة.. لكي يستمر هذا الجمود الذي يجنب الإدارة الأميركية حرج انكشاف التطابق السياسي بينها وبين اسرائيل التي يتغير الحكم فيها ولا تتغير سياستها.
واشنطن بحاجة إلى «شرعية» ولو كانت شرعية مؤقتة تمنحها إياها نظم حكم جديدة تزعم امتلاكها للشرعية الدينية، وهي بحاجة أيضا الى نماذج للدولة الدينية ينهي وجودها مبررات الاعتراض على دولة يهودية في فلسطين.
علينا أن نتابع وأن نراقب المشهد العربي بكل تفاصيله، لكن علينا الحذر أيضا من محاولات الزج بالفلسطينيين في هذا المشهد كطرف في الصراع القائم بين الانظمة النائمة على ريش النعام الأميركي والمعارضات العائدة الى البلاد بقوة الدفع الأميركي.
في هذا السياق أقرأ جريمة مخيم النيرب في سوريا، وفي هذا السياق أقرأ التصريحات الاسرائيلية المطمئنة في غمرة الربيع العربي.
لدينا قضيتنا ولسنا بحاجة إلى دروس في النضال من أي طرف. ولدينا حكمة التجربة التي تفرض علينا الآن الالتزام بالحياد الايجابي.