"أيد خفية"- فؤاد أبو حجلة
في تبريرهم لجريمة الاعتداء على مخيم اليرموك في سوريا يقول أصدقاء النظام السوري وأنصاره المجندون للدفاع عن جرائمه إن هناك «أيدي خفية» تسعى للزج بالفلسطينيين في أتون المواجهة الدموية بين النظام القمعي الكاره للفلسطينيين ومعارضته الممولة من جهات كارهة للفلسطينيين.
وفي تبرير حماس لرفضها المصالحة الوطنية تقول الحركة إن هناك «أيدي خفية» تعبث بملف المصالحة وتعيق توصل فتح وحماس إلى اتفاق نهائي قابل للتنفيذ.
سمعت أيضا أن هناك «أيدي خفية» وراء المشاجرات العشائرية في الجامعات الأردنية، وهناك من يقول بوجود «أيدي خفية» تعبث في الشأن الداخلي اللبناني، وتعيق نمو الاقتصاد الجزائري، وتهدد التسامح الديني في مصر، وتفجر الوضع الأمني في البحرين.
من الواضح أن الأيدي الخفية كثيرة جدا، وربما تكون أكثر عددا من الأيدي المرئية في دول عربية تضع أيديها في الماء البارد، وتختار «تطنيش» مشكلاتها وتعليقها على شماعة الأيدي الخفية التي يبدو أنها أصبحت بديلا لاسرائيل في المسؤولية عن الخراب العربي الشامل.
ما هي الأيدي الخفية؟ هل هي أيد عادية بخمسة أصابع أم أن فيها أصابع أخرى؟ هل هي أيد بيضاء مثل أيدي المحسنين الذين أصبحوا يضيفون اسماءهم الرباعية إلى لقب «فاعل الخير»، أم هي أيدي سوداء مثل أيدي المختلسين الذين يسرقون المال العام؟ هل هي أيد صغيرة أم أيد كبيرة؟ وهل هي أيد عارية أم أيد مغطاة بالقفازات.. وإن كانت كذلك فما هو نوع القفازات.. هل هي قفازات من الجلد أو من المخمل أو من الصوف؟
في الواقع، لا أحد يستطيع الإجابة على هذه الأسئلة لأن أحدا لم ير الأيدي الخفية، ولم يتبين تفاصيلها.. لأنها خفية، وينبغي أن تظل كذلك حتى لا تضطر الدول الى البحث عن مبررات أخرى لتخلفها ولفشلها ولجرائمها.
قبل أكثر من ثلاثين سنة شاهدت فيلما اميركيا عن الأيدي، وقد حاول مخرج الفيلم أن يقدم صورة مختلفة لقيمة يد الانسان، فأظهرها حانية ودافئة وجميلة، لكن الأيدي الأميركية لم تكن على هذا النحو من الرقة في أفغانستان والعراق وليبيا والسودان.. ويبدو أن اميركا استخدمت في الجغرافيا العربية والاسلامية أيديها الخفية ذات المخالب المؤذية.
بيدين مرئيتين أكتب هذه المقالة وأتساءل عما يمكن أن أفعله لو كان لدي أيدي خفية!
الأيدي الخفية مجرد نكتة لم تعد مضحكة في وطن يحرق يديه بنار التبعية المشتعلة بين الماء والماء.