تريمسة باقية والاسد زائل- عادل عبد الرحمن
ارتكبت شبيحة وأجهزة النظام السوري مجزرة جديدة في قرية تريمسة ? محافظة حماة أودت بحياة (305) شهداء اضافة لعشرات الجرحى. جريمة بشعة، هي الكبرى منذ انطلاقة الثورة في الخامس عشر من آذار 2011. ودليل آخر على افلاس النظام الاسدي الآيل للسقوط؛ ومؤشر على فقدان نظام بشار السيطرة على مقاليد الامور؛ لاسيما انه راهن خلال الشهور الاخيرة على امكانية استعادة زمام الامور، مستفيدا من الغطاء، الذي شكله الفيتو الروسي ? الصيني في مجلس الأمن، ومن الفرصة، التي قدمتها المجموعة الدولية من خلال اللجنة العربية ? الأممية بقيادة كوفي عنان ومشاريع المساومة والتسويات الضحلة، التي تم الاتفاق عليها. التي انتهج النظام فيها اسلوب التسويف والمماطلة للايغال اكثر فاكثر في دم الشعب العربي السوري وقواه الثورية. لكنه فشل فشلا ذريعا في وأد الثورة، لا بل ان الثورة اتسع نطاقها وتعاظمت تداعياتها حتى باتت اصداؤها تدق ابواب قصره في دمشق، الذي لم يعد يأوي اليه إلا لعقد اللقاءات الرسمية.
مجزرة التريمسة وصمة عار جديدة تغطي رأس النظام الاستبدادي، ورأس كل القوى المتواطئة معه. وهي شاهد حي على مدى الوحشية، التي وصل اليها النظام الطائفي ? العائلي، والمآل الذي انحدر اليه. والمجزرة برهان قاطع على ان النظام الأسدي يسير بخطى حثيثة نحو نهايته المحتومة بغض النظر عن الزمن، الذي تستغرقه، والتي لم تعد بعيدة.
المتابع لجرائم ومذابح نظام بشار الأسد داخل وخارج سوريا، يلحظ دون عناء انه لم يعد يسيطر على المدن والارياف بما في ذلك دمشق وحلب، اكبر المدن السورية. فقد النظام مكانته. واجهزته لم تعد تخيف أحدا من المواطنين السوريين؛ وحضورها القمعي الارهابي اضمحل او تلاشى في اوساط الشعب. ووجودها الباقي يتمثل بعمليات القصف البري والجوي والبحري على الاحياء؛ لانها تخشى المواجهة المباشرة مع أبناء الشعب السوري. وهذا عامل اساسي في بداية تفكك وانهيار المؤسسة العسكرية، رغم كل ما يشاع من أنها ما زالت متماسكة حتى الآن. لأن التماسك البادي للعيان شكلي، اما حقيقة الامر، فانه يشير بشكل علمي الى تضعضع وتخلل بنيتها ودورها، وبالتالي انتفاء قدرتها على تأدية الوظيفة الموكلة لها.
ومن يدقق جيدا في قراءة التطورات الداخلية للنظام الاسدي ومؤسسته العسكرية والأمنية، يستطيع ان يخلص لاستنتاج لا لبس فيه، انها فقدت قدرتها على البقاء موحدة، والخوف يتعمق في اوساط قياداتها وهياكلها التراتبية المختلفة. حتى أمسى القطاع الأكبر منها، يمد خيوطه السرية مع أركان الثورة السورية.
بالتأكيد هناك زمرة متورطة مع النظام الاسدي، ما زالت تقف مع النظام لانها تدافع عن نفسها، وتخشى من عقاب الثورة. لذا ستبقى حول الرئيس بشار، ليس حبا به، وانما خشية مما ينتظرها من عقاب. الأمر الذي يفرض على قوى الثورة منفردة ومجتمعة طمأنة هذه المجموعة، لدفعها للتخلي عن نظام عائلة الاسد.
المجزرة الوحشية في تريمسة أيضا تملي على قوى الثورة المختلفة في الداخل والخارج توحيد ادواتها وصوتها وقرارها وشعاراتها، لتتمكن من تحشيد المواطنين حول الشعار الأساسي الناظم لها جميعا، وهو اسقاط نظام بشار الاسد، الذي فقد شرعيته ومكانته. وأيضا لمحاصرة القوى الداخلية والعربية والاقليمية والدولية بصوتها الموحد.
كما تفرض الضرورة الابتعاد عن الشعارات المنادية بالتدخل الخارجي، لان الثورة بكفاحها السلمي، رغم وحشية وبطش أجهزة وشبيحة بقايا النظام المتآكلة، قادرة على قبر النظام في المستقبل المنظور. وعدم التدخل الخارجي لا يسقط حق المعارضة بالمطالبة بفرض الحظر الجوي على المناطق المحاذية لتركيا والاردن والعراق. وحقها على القوى المناصرة للثورة على كل المستويات بتقديم الدعم والاسناد المادي والسياسي والديبلوماسي والمعنوي للثورة.
من المؤكد ان مجزرة تريمسة وضعت حدا لكل القوى المنادية بامكانية التعامل مع نظام بشار الاسد. وهو ما يعني انتفاء الحاجة للوساطة الدولية ? العربية، التي يقودها عنان، وبالتالي على العالم ان يسحب قوة المراقبة الدولية، لان لا ضرورة لها. وحتى الحديث عن حكومة انتقالية بين المعارضة والنظام لم يعد لها ما يبررها.
الثورة السورية تسير بخطى حثيثة نحو الانتصار، ولن يفت في عضدها لا مجزرة تريمسة ولا مجزرة حلوة ولا درعا ولا حمص ولا غيرها من السلسلة الطويلة من الجرائم والمذابح التي غطت الارض السورية من اقصاها الى اقصاها. وانتصارها الأكيد ليس ببعيد، لا بل ان المستقبل المنظور واعد برفع راية الثورة فوق ربوع سوريا العربية، سوريا الدولة المدنية، دولة كل مواطنيها.
a.a.alrhman@gmail.com