هرطقات مواطن فلسطيني من الداخل ـ د.مصطفى يوسف اللداوي
يكاد المواطن الفلسطيني في داخل فلسطين المحتلة أن يخرج عن طوره، ويصاب بالهلوسة والجنون وهو يحدث نفسه، وينظر حوله، ويلتفت إلى محيطه وجيرانه، ويقارن أوضاعه بأوضاع من حوله من دولٍ ومواطنين، متسائلاً عن أسباب التفرد والتميز، وعن مبررات الاختلاف والتباين، إذ كل شئٍ يخص الفلسطينيين في الداخل مختلف ومغايرٌ عن غيره، ولا يكاد يتشابه مع حالةٍ أخرى معاصرة أو من التاريخ القديم أو الحديث، وكأن قدر الفلسطينيين أن يكونوا نسيجاً مختلفاً وحدهم، وطرازاً غريباً دون غيرهم، وعليهم أن يوائموا أنفسهم مع هذه المتغيرات، وأن يقبلوا بنتائجها، ويسلموا بواقعها، ولا يعترضوا عليها كقدر، ولا يواجهوها كقضاء.
عدوهم ليس كأي عدو، فلم يسبق للشعوب أن عرفت مثلهم احتلالاً واغتصاباً، فهم وافدون غرباء، ومهاجرون ألوان، جاؤوا من أصقاعٍ شتى وبلادٍ بعيدة، يحملون معهم خزعبلاتٍ وأساطير وخرافات، وقصصاً اختلقوها ومقدساتٍ صنعوها، استوطنوا الأرض الفلسطينية، وحلوا مكان أهلها، وطردوا سكانها من بيوتهم وبساتينهم، وقتلوا رجالهم، وشتتوا أبناءهم، واستحلوا كل شئٍ في بلادهم، ولم يكفهم ما اغتصبوا ولم يرضهم ما احتلوا، بل بدأوا في التوسع والاستيطان على حساب أصحاب الحق وملاك الأرض، فاعتدوا واجتاحوا واحتلوا وقتلوا واغتصبوا، ثم جأروا بأصواتهم شكوى وادعاءاً بالظلم، وطالبوا العالم بمساندتهم ومساعدتهم، والانتصار لهم من الضحية التي مازالت دماؤها تنزف وجراحها تنعب، فزودوهم بالسلاح الفتاك والقدرة الغاشمة، فزادوا في ظلمهم وأمعنوا في فسادهم.
يتساءل الفلسطينيون لماذا يحرمون دون غيرهم من حقهم في أن تكون لهم دولة ووطن وعلم وجيش، وحدود وسيادة وتجارة خارجية وعلاقات دبلوماسية، ولماذا يحرمون من أن تكون لهم عملة وطنية، وقدرة على إصدار سندات خزينة وصك العملة التي تحمل علامات تاريخهم وماضي بلادهم، ولماذا يحرمون من عوائدهم الضريبية وعوائد تجارتهم الخارجية، ولماذا يقاسمهم العدو حقوقهم المالية ويصادر الكثير من صادراتهم الوطنية ووارداتهم الخاصة، دون تمييزٍ بين حاجات المرضى وضروريات العلاج، ولوازم الطبابة والأطفال، ومتطلبات المدارس والجامعات، ويتساءل الفلسطينيون لماذا يدمر العدو اقتصادهم ويخرب بنيانهم، ويدمر مصانعهم ومعاملهم، ويتلف محاصيلهم ويفسد إنتاجهم، ويقتلع من الجذور أشجارهم، وكأن بينه وبينها عداوةٌ تاريخية وحقدٌ متوارثٌ وثأرٌ قديم، فلا يشفي غليلهم سوى استئصالها، ولا يرضى نفوسهم الخبيثة غير حرقها ووأد الحياة فيها، ويتساءلون لماذا يطردهم العدو من بيوتهم، ويصادر أرضهم ويستولى على بساتينهم ويبني عليها مستوطنات ويقيم فيها مواقع عسكرية أو يشق فيها طرقاً أمنية أو التفافية، دون تقديرٍ لأصحاب الحق وملاك الأرض.
يتساءل الفلسطينيون لماذا يمنعون من حق التنقل في وطنهم الواحد، وزيارة مدنهم وقراهم وإن كانت تحت الاحتلال، فهم يحرمون من هذا الحق ولا يستطيعون الانتقال من مدينة إلى أخرى إلا بموافقاتٍ وأذوناتٍ مسبقة، وبعد أن يجتازوا حواجز عسكرية وبواباتٍ إليكترونية، تدقق في هوياتهم، وتدون بياناتهم، قبل أن تسمح لبعضهم بالمرور والاجتياز أو تأمر بعضهم بالعودة من حيث أتوا، إن لم يقوموا باعتقالهم وسوقهم إلى السجون والمعتقلات، وتهمتهم في ذلك أنهم عزموا على الزيارة وأصروا على وصل من انقطع من أرضهم وأرحامهم، بل إنهم يحرمون من زيارة المسجد الأقصى والصلاة فيه، ومن زيارة الحرم الإبراهيمي والإقامة فيه، وهي روح أرضهم وأقدس بقاعهم، التي إليها تشد الرحال، كما يستنكر الفلسطينيون حرمانهم من الحق في السفر والدراسة والتعليم، في الوقت الذي تكفل فيه كل الشرائع والقوانين الدولية حق الإنسان في السفر والانتقال وتلقي التعليم، والتخلص من كل أشكال القهر والحرمان.
يتساءل الفلسطينيون لماذا يحرمون من مياه الشفه وأرضهم بها غنية، فلا يبقي لهم العدو ماءاً نقياً للشرب، ولا مياه كافية للري، فيسحب مياههم ويسرق خيرات وطنهم، ويزيد في نسبة تملح ما بقي لهم من مياه جوفية، ويراقب كل محاولة فلسطينية لاستجرار الماء واستخراج بعضه مما يصلح للشرب، في الوقت الذي يغدق فيه على مستوطنيه ووافديه من مياهنا العزيزة، ولا يحرمهم من الاستمتاع بنعمة الماء التي هي أساس الحياة.
ويتساءل الفلسطينيون لماذا يموتون على الحواجز، ويقتلون في الطرقات، فلا رصاص العدو يرحمهم، ولا قصف صواريخه يتجاوزهم، ولا موافقة على نقل مرضاهم أو إسعاف جرحاهم، ولا تسهيلات تقدم للنساء الحوامل، والأطفال المرضى، والمسنين الضعفاء، ويعتصر الألم قلوب الفلسطينيين وهم يرون أبناءهم على مقربةٍ منهم في السجون والمعتقلات الإسرائيلية، يعانون فيها ويقاسون الويلات، فلا هم يستطيعون تحريرهم وإطلاق سراحهم، ولا هم يقوون على زيارتهم والاطمئنان عليهم، ولكنهم لا ينفكون عن نصرتهم والثورة من أجلهم، فحلم تحريرهم لا يتوقف، وأملهم في زيارتهم وتحسين ظروف اعتقالهم لا ينتهي.
كثيرةٌ هي الأفكار والهواجس التي تراود مخيلة وأفكار الفلسطينيين، إذ لا تتوقف حواراتهم الداخلية، ولا يمتنعون عن سؤال أنفسهم، لماذا نحن لسنا كغيرنا، ولماذا نختلف عن سوانا، ومتى نصبح مثل شعوب الأرض كلها، نتمتع بكل حقوقنا، ونستمتع بكل خيراتنا، ونستقل عن كل محتلٍ غاصبٍ، فلا يعترض إرادتنا أحد، ولا يغتصب حقنا أحد، ولا يكون وصياً على قراراتنا أحد، فنحن شعبٌ يستحق الحياة، ولدينا ما يميزنا عن شعوب الأرض الأخرى قوة ونجاحاً وتقدماً وازدهاراً وانتعاشاً، فلدينا الكثير مما يعوز غيرنا، وعندنا الوفير مما يحتاجه سوانا، ولدينا الإرادة والبأس ووضوح الرؤية ونفاذ البصيرة، والحكمة والعقل والعلم وسداد الرأي، ولدينا من الإمكانيات والقدرات ما يكفينا لأن نبز به غيرنا ونحقق بها أحلامنا.
ولكن حيرة الفلسطينيين الكبرى، ومتاهتهم التي لا نهاية لها، وسؤالهم المستحيل، وحلمهم العزيز، وأملهم الكبير هو في نهاية الفرقة، وفي خاتمة الانقسام، وفي تحقيق الوحدة، وتجاوز الاختلاف، إذ أن الفرقة والانقسام هي أم الأزمات، وسبب كل المشاكل والتحديات، فحتى نتجاوز همومنا، وننتصر على تحدياتنا، فإن علينا أولاً أن ننتصر على أنفسنا التي باتت تدور في مشاكلها كدوران العين في محجرها تيهاً وحيرة، إذ أن كل الأدواء التي يعاني منها الفلسطينيون سببها الاختلاف، وسبيلها إلى الحل والانتصار هو تكريس الوحدة وتعميق التفاهم، وإلا فإن مأساتنا ستتكرر، وألمنا سيستمر، ومعاناتنا ستتفاقم، وأحلامنا ستبقى نسجاً من الخيال، وضرباً من المستحيل، وشكلاً من أماني وخيالات المدمن المريض، فنحن بأيدينا ننكث كل يوم غزل أحلامنا، ونعود أدراجنا إلى نقطة البدء كلما اعتقدنا أننا انطلقنا وتجاوزنا أو كدنا نقترب من حد النهاية.
عدوهم ليس كأي عدو، فلم يسبق للشعوب أن عرفت مثلهم احتلالاً واغتصاباً، فهم وافدون غرباء، ومهاجرون ألوان، جاؤوا من أصقاعٍ شتى وبلادٍ بعيدة، يحملون معهم خزعبلاتٍ وأساطير وخرافات، وقصصاً اختلقوها ومقدساتٍ صنعوها، استوطنوا الأرض الفلسطينية، وحلوا مكان أهلها، وطردوا سكانها من بيوتهم وبساتينهم، وقتلوا رجالهم، وشتتوا أبناءهم، واستحلوا كل شئٍ في بلادهم، ولم يكفهم ما اغتصبوا ولم يرضهم ما احتلوا، بل بدأوا في التوسع والاستيطان على حساب أصحاب الحق وملاك الأرض، فاعتدوا واجتاحوا واحتلوا وقتلوا واغتصبوا، ثم جأروا بأصواتهم شكوى وادعاءاً بالظلم، وطالبوا العالم بمساندتهم ومساعدتهم، والانتصار لهم من الضحية التي مازالت دماؤها تنزف وجراحها تنعب، فزودوهم بالسلاح الفتاك والقدرة الغاشمة، فزادوا في ظلمهم وأمعنوا في فسادهم.
يتساءل الفلسطينيون لماذا يحرمون دون غيرهم من حقهم في أن تكون لهم دولة ووطن وعلم وجيش، وحدود وسيادة وتجارة خارجية وعلاقات دبلوماسية، ولماذا يحرمون من أن تكون لهم عملة وطنية، وقدرة على إصدار سندات خزينة وصك العملة التي تحمل علامات تاريخهم وماضي بلادهم، ولماذا يحرمون من عوائدهم الضريبية وعوائد تجارتهم الخارجية، ولماذا يقاسمهم العدو حقوقهم المالية ويصادر الكثير من صادراتهم الوطنية ووارداتهم الخاصة، دون تمييزٍ بين حاجات المرضى وضروريات العلاج، ولوازم الطبابة والأطفال، ومتطلبات المدارس والجامعات، ويتساءل الفلسطينيون لماذا يدمر العدو اقتصادهم ويخرب بنيانهم، ويدمر مصانعهم ومعاملهم، ويتلف محاصيلهم ويفسد إنتاجهم، ويقتلع من الجذور أشجارهم، وكأن بينه وبينها عداوةٌ تاريخية وحقدٌ متوارثٌ وثأرٌ قديم، فلا يشفي غليلهم سوى استئصالها، ولا يرضى نفوسهم الخبيثة غير حرقها ووأد الحياة فيها، ويتساءلون لماذا يطردهم العدو من بيوتهم، ويصادر أرضهم ويستولى على بساتينهم ويبني عليها مستوطنات ويقيم فيها مواقع عسكرية أو يشق فيها طرقاً أمنية أو التفافية، دون تقديرٍ لأصحاب الحق وملاك الأرض.
يتساءل الفلسطينيون لماذا يمنعون من حق التنقل في وطنهم الواحد، وزيارة مدنهم وقراهم وإن كانت تحت الاحتلال، فهم يحرمون من هذا الحق ولا يستطيعون الانتقال من مدينة إلى أخرى إلا بموافقاتٍ وأذوناتٍ مسبقة، وبعد أن يجتازوا حواجز عسكرية وبواباتٍ إليكترونية، تدقق في هوياتهم، وتدون بياناتهم، قبل أن تسمح لبعضهم بالمرور والاجتياز أو تأمر بعضهم بالعودة من حيث أتوا، إن لم يقوموا باعتقالهم وسوقهم إلى السجون والمعتقلات، وتهمتهم في ذلك أنهم عزموا على الزيارة وأصروا على وصل من انقطع من أرضهم وأرحامهم، بل إنهم يحرمون من زيارة المسجد الأقصى والصلاة فيه، ومن زيارة الحرم الإبراهيمي والإقامة فيه، وهي روح أرضهم وأقدس بقاعهم، التي إليها تشد الرحال، كما يستنكر الفلسطينيون حرمانهم من الحق في السفر والدراسة والتعليم، في الوقت الذي تكفل فيه كل الشرائع والقوانين الدولية حق الإنسان في السفر والانتقال وتلقي التعليم، والتخلص من كل أشكال القهر والحرمان.
يتساءل الفلسطينيون لماذا يحرمون من مياه الشفه وأرضهم بها غنية، فلا يبقي لهم العدو ماءاً نقياً للشرب، ولا مياه كافية للري، فيسحب مياههم ويسرق خيرات وطنهم، ويزيد في نسبة تملح ما بقي لهم من مياه جوفية، ويراقب كل محاولة فلسطينية لاستجرار الماء واستخراج بعضه مما يصلح للشرب، في الوقت الذي يغدق فيه على مستوطنيه ووافديه من مياهنا العزيزة، ولا يحرمهم من الاستمتاع بنعمة الماء التي هي أساس الحياة.
ويتساءل الفلسطينيون لماذا يموتون على الحواجز، ويقتلون في الطرقات، فلا رصاص العدو يرحمهم، ولا قصف صواريخه يتجاوزهم، ولا موافقة على نقل مرضاهم أو إسعاف جرحاهم، ولا تسهيلات تقدم للنساء الحوامل، والأطفال المرضى، والمسنين الضعفاء، ويعتصر الألم قلوب الفلسطينيين وهم يرون أبناءهم على مقربةٍ منهم في السجون والمعتقلات الإسرائيلية، يعانون فيها ويقاسون الويلات، فلا هم يستطيعون تحريرهم وإطلاق سراحهم، ولا هم يقوون على زيارتهم والاطمئنان عليهم، ولكنهم لا ينفكون عن نصرتهم والثورة من أجلهم، فحلم تحريرهم لا يتوقف، وأملهم في زيارتهم وتحسين ظروف اعتقالهم لا ينتهي.
كثيرةٌ هي الأفكار والهواجس التي تراود مخيلة وأفكار الفلسطينيين، إذ لا تتوقف حواراتهم الداخلية، ولا يمتنعون عن سؤال أنفسهم، لماذا نحن لسنا كغيرنا، ولماذا نختلف عن سوانا، ومتى نصبح مثل شعوب الأرض كلها، نتمتع بكل حقوقنا، ونستمتع بكل خيراتنا، ونستقل عن كل محتلٍ غاصبٍ، فلا يعترض إرادتنا أحد، ولا يغتصب حقنا أحد، ولا يكون وصياً على قراراتنا أحد، فنحن شعبٌ يستحق الحياة، ولدينا ما يميزنا عن شعوب الأرض الأخرى قوة ونجاحاً وتقدماً وازدهاراً وانتعاشاً، فلدينا الكثير مما يعوز غيرنا، وعندنا الوفير مما يحتاجه سوانا، ولدينا الإرادة والبأس ووضوح الرؤية ونفاذ البصيرة، والحكمة والعقل والعلم وسداد الرأي، ولدينا من الإمكانيات والقدرات ما يكفينا لأن نبز به غيرنا ونحقق بها أحلامنا.
ولكن حيرة الفلسطينيين الكبرى، ومتاهتهم التي لا نهاية لها، وسؤالهم المستحيل، وحلمهم العزيز، وأملهم الكبير هو في نهاية الفرقة، وفي خاتمة الانقسام، وفي تحقيق الوحدة، وتجاوز الاختلاف، إذ أن الفرقة والانقسام هي أم الأزمات، وسبب كل المشاكل والتحديات، فحتى نتجاوز همومنا، وننتصر على تحدياتنا، فإن علينا أولاً أن ننتصر على أنفسنا التي باتت تدور في مشاكلها كدوران العين في محجرها تيهاً وحيرة، إذ أن كل الأدواء التي يعاني منها الفلسطينيون سببها الاختلاف، وسبيلها إلى الحل والانتصار هو تكريس الوحدة وتعميق التفاهم، وإلا فإن مأساتنا ستتكرر، وألمنا سيستمر، ومعاناتنا ستتفاقم، وأحلامنا ستبقى نسجاً من الخيال، وضرباً من المستحيل، وشكلاً من أماني وخيالات المدمن المريض، فنحن بأيدينا ننكث كل يوم غزل أحلامنا، ونعود أدراجنا إلى نقطة البدء كلما اعتقدنا أننا انطلقنا وتجاوزنا أو كدنا نقترب من حد النهاية.