وفاة عمر سليمان.. واحياء "دويلة غزة"- موفق مطر
لا نعلم على وجه الدقة علاقة إعلان حماس (غزة جزءا محررا) بوفاة اللواء عمر سليمان نائب رئيس جمهورية مصر العربية السابق الذي كان وزيرا للمخابرات العامة ومشرفا مباشرا على ملف غزة والمصالحة الفلسطينية، لكنا نستطيع ربط غياب دفتر أسرار غزة و"الجماعة وجناحها المسلح "حماس" كسبب مباشر لطرح الاعلان للاختبار بعد 24 ساعة على تشييعه، وان كنا نميل للاعتقاد أن تغييب سليمان في هذا الوقت بالذات جزء من المشروع الأميركي الاسرائيلي البديل الذي يعلم رؤوس اقلامه محمد رشيد كسمسار، اما التفاصيل فمتروكة للاعبين الكبار.
نعلم أن محمد رشيد يشتغل مستشارا وسمسارا (وسيطا) سياسيا لرئيس سياسة حماس خالد مشعل، فتأثيره على قيادة حماس ? بدا واضحا بعد المتغيرات في مصر العربية ? حين قررت حماس السير بتنفيذ استشارة رشيد والاعلان عن "اقامة الدولة الفلسطينية من غزة"؟!. ليس بسبب ايمانها ببعد نظر يتمتع به السياسي الموهوب رشيد، وانما لقناعتها بحرفيته ومهنيته العالية في ربط ووصل المقطوع مع "حلقات اللاعبين الكبار"، من ضباط المخابرات السريين والساسة الذين يريدون تمرير مشاريعهم المخالفة لقرارات واجماع الشرعية الدولية.. فالرجل بات معروفا بقدرته على الولوج الى المواضع التي يتحاشى الوطنيون السقوط في مستنقعها.
لا يمكن لحماس خداع الجمهور الفلسطيني بإعلان "غزة جزءا محررا" للتعمية على الهدف الحقيقي، فهذا الشعار مرفوع منذ اعادة انتشار قوات الاحتلال الاسرائيلي في قطاع غزة، حتى ان رئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل كان تحدث بهذا المنطق في كلمته بافتتاح مؤتمر حركة النهضة في تونس قبل ايام عندما قال "ان ما أخذ بالقوة لا يسترد الا بالقوة وأن غزة حررت بالقوة" ولعل كلام مشعل يغنينا عن مراجعة أرشيف تصريحات مشايخ وقيادات حماس الذين هدفوا من تعميم هذه المقولة الى سلخ غزة عن الوطن، لتكون حدود "دويلة حماس "هي الجبهة الشرقية لدولة الاخوان بمصر، كما هي في ميثاقها الجناح المسلح لجماعة الاخوان المسلمين في مصر، أما اسماعيل هنية فقد كشف عن هدف حماس وأبعاده عندما خطب في الجمعة الماضية عن "دولة الخلافة" وزوال ممانعيها واسباب عدم اقامتها اثر انقلاب "جماعته "على السلطة الوطنية ومنظمة التحرير الفلسطينية والمشروع الوطني عام 2007.
شاغل خالد مشعل القيادة الفلسطينية حتى بلغت المتغيرات في مصر مستوى حلم الاخوان، لكن هل سيذهب الاخوان الى حيث تريد حماس أم أن كليهما سيذهبان الى حيث تريد الادارة الأميركية واسرائيل، فاعلان الدولة الفلسطينية من غزة هو الوصفة السحرية لتحرير الادارة الأميركية وحكومة اسرائيل من التزاماتهما بالاتفاقيات الموقعة مع منظمة التحرير الفلسطينية، وانجع قوة ضغط على الرئيس ابو مازن وقيادة منظمة التحرير لمنعه من الذهاب الى الأمم المتحدة مجددا، واجباره - كما يظنون - على قبول المشروع الاسرائيلي دولة بحدود مؤقته.
ما بين مقالة محمد رشيد التي حملت عنوان اعلان الدولة الفلسطينية من غزة، وما نشر من أخبار عن نوايا قيادة حماس أقل من مئة يوم، كانت كافية لانضاج هذا الحل واختباره، ولا بد من الملاحظة هنا أن خالد مشعل كان في كل مناسبة يطالب الأحزاب الاسلاموية التي تولت السلطة في بلاد عربية الاهتمام بتكريس حكمها، والقبض على السلطات في بلادها كأولوية، وعدم الاستعجال في موضوع فلسطين، اذ قال في افتتاح مؤتمر حركة النهضة بتونس: "خذوا راحتكم..لا تستعجلوا" الأمر الذي اثار انتباه عضو اللجنة المركزية لحركة فتح عباس زكي الذي قال في خطابه بذات الافتتاح: لا حرية ولا ديمقراطية ولا ربيع عربي ولا اسلام دون تحرير القدس..فالقدس يبتلعها التهويد والاستيطان".
يسيء لجيش مصر وشعبها العظيم كل من يحاول تبرير إعلان حماس بالقول ان مصر تحتاج الى تأمين جبهتها الشرقية، رغم قناعتنا وايماننا بالأمن القومي العربي، وان كل قطر عربي هو عمق استراتيجي للآخر، فهذا القول تسويق " لدويلة غزة " ومحاولة يائسة لإقناع الاشقاء بمصر بمشروع دولة فلسطينية قزم.
يبقى ان نذكر أن خطوات حماس الاستعجالية هذه قد يكون هدفها احراج رئيس مصر الدكتور محمد مرسي، أو لاستنباط حقيقة موقف القيادة المصرية الجديدة من موضوع المصالحة الفلسطينية بعد زيارة الرئيس محمود عباس الى القاهرة.
نعرف أن القرار في جمهورية مصر العربية ينبع من المصلحة العليا للمصريين كل المصريين وليس المصالح المحدودة لجماعة الاخوان، ونعتقد حتى اللحظة أن رئيس مصر الدكتور مرسي لن يقدم في أول ايام حكمه على ضرب القضية الفلسطينية والمشروع الوطني الفلسطيني بمقتل، فهو يدرك ذلك جيدا ولا يمكن ان يتسبب بنكسة سياسية تاريخية للإخوان من اجل عيون خلافة يحلم بها هنية أو دويلة يضع يحلم كرسي السلطة فيها محمود الزهار.. فكلاهما ومن معهما سيخضعون في نهاية الأمر لمشيئة المرشد وليس عليهم الا السمع الطاعة.