"الطـــــقش"
حمزة الحطاب
أُحرقت، حرقت، لُوثت، تلوثت، شُوّهت، تشوّهت.
تنافس سكان قرى وبلدات غرب وجنوب الخليل على تدمير مساحات واسعة من أراضيهم بقصد آو بغير قصد، وذلك في سبيل العمل في "الطقش"، كما تعارف عليه العاملون فيه، وطش الشيء بمعنى كسره وجعله قسمين، القشرة واللب، وهكذا "طقش" بلدات غرب الخليل، فلبه المتمثل بمعدنه النفيس والخالص يرسل إلى إسرائيل، وما يتبقى من قشره كمخلفات البلاستيك والمطاط فيحرق ويبقى في الأرض.
يقول منسق اللجنة الشعبية للحفاظ على صحة الإنسان أنور عوض: "التلوث البيئي الحاصل في مناطقنا، ينتج عن حرق نفايات ومعادن صلبة تجلب من إسرائيل، تتم إعادة تدويرها من خلال الحرق، وترسل مفروزة ونظيفة عبر المستوطنات إلى إسرائيل من خلال تجار مقدسيين، وهذه البضائع تدخل المناطق الفلسطينية بطريقة غير قانونية، بدون أي عائد ضريبي، أو إشراف جهات الاختصاص المختلفة."
عشر سنوات عمل موردو الآلات القديمة "المستعملة" على جلبها إلى الأراضي الفلسطينية، ليجري العمل على تفكيكها وتقسيمها ثم فرزها حسب نوع المعادن المكونة لها، "نحاس، أو حديد، أو ألمنيوم"، وبعد ذلك تحرق داخل التجمعات السكنية دون الاكتراث للملوثات التي تفتك بالإنسان والحيوان والتربة والمياه على حد سواء.
وبيّن أنور عوض جملة الأضرار التي يحدثها حرق الخردة بالقول: "هناك العديد من الأضرار التي تمت ملاحظتها على السكان في بلدة إذنا، منها ما هو متعلق بالجانب الصحي والتي تتمثل بالربو، والفشل الكلوي، إضافة إلى المرض النحاسي وهو عبارة عن نتوءات جلدية، فضلاً عن الإجهاض لدى النساء وخاصة في المناطق التي يتكرر فيها الحرق، وهناك ضرر زراعي يتمثل في تسميم المزروعات المروية والبعلية، وضعف وهزل الإنتاج النباتي وخاصة أشجار الزيتون، وحرق الأشجار وتلوث المياه، أما فيما يتعلق بالثروة الحيوانية فيتمثل ضررها بتسمم المواشي نتيجة لرعيها من مراعي حدث بالقرب منها حرق البلاستيك والمطاط وغيره،ضعف في نمو الخراف، أما الأضرار التعليمية والتي تتمثل باقتراب ورشات الخردة من المدارس، فهناك أربع ورشات للخردة على الأقل ملاصقة لمدارس مقامة في هذه المناطق، وعملية تدوير هذه الخردة تتم على مدار الساعة، خاصة في ساعات الصباح أثناء دوام الطلاب، ما يتسبب بإزعاج الطلاب، ويضعف تركيزهم ".
وزير شؤون البيئة يوسف أبو صفية وأثناء زيارة قام بها لبلدة أذنا، قال: "إسرائيل تحول مناطقنا مكبا لنفاياتها، ليس هذا فحسب بل إنها تسترجعها بعد تدويرها على أراضي المواطنين. وأمريكا تعمل على إرسال نفاياتها للهند، ونحن أصبحنا هند إسرائيل، هذا يسبب ضررا فادحا، ويعمل على إحداث مشاكل كثيرة للسكان، وهناك خطورة كبيرة على حياتهم".
وأضاف أبو صفية "أطلعنا على كم هائل من عدد الورش في بلدة إذنا، كل هذا قد يكون ممكن التعامل مع، ولكن الذي يجب أن يقف وسيكون لنا موقف بخصوصه، وسأقوم بطرحه على مجلس الوزراء هو وقف ومنع استيراد هذه الخردة، ووقف عمليات الحرق، أما بخصوص حل هذه المشكلة، فإن ذلك يتم من خلال تدخل مجموعة من الوزارات مثل وزارة المالية، ووزارة الاقتصاد الوطني، ووزارة الداخلية وتعاون من الأجهزة الأمنية مثل الشرطة والضابطة الجمركية".
"دير سامت، بيت عوا، الكوم، يطا" بلدات تضم مئات ورشات "الطقش"، وخطرها لا يتوقف عند حد تلوث التربة والمياه الجوفية، وموت النباتات والأشجار، بل زد عليها عمل القاصرين، إضافة إلى عدم توفر معايير السلامة العامة.
ويؤكد عمرو العملة رئيس بلدية الياسرية أن هناك ظاهرة عمالة الأطفال في "الطقش"، أضحت ظاهرة مقلقة للمجتمع المحلي، فهؤلاء الأطفال يتسربون من المدارس، ويتم استغلالهم من أصحاب الورش، وهذا كله يرافقه عدم وعي بيئي أو صحي في مراعاة وأتباع إجراءات ووسائل الوقاية العامة من قبل العاملين بهذه المهنة، هناك نسبة كبيرة من يتعاطون مع هذه المهنة، لا تقل عن 6% من مجموع السكان".
يذكر العملة أن السبب الذي دفع الموطنين إلى العمل بهذه المهنة، يتمثل في الوضع الاقتصادي والمعيشي الصعب، بالإضافة إلى ارتفاع نسبة الفقر والبطالة، إذ تعد قرى جنوب وغرب الخليل مناطق مهمشة، وهناك جدار الفصل العنصري الذي حطم مصادر الرزق لشرائح كبيرة من المجتمع المحلي، بالإضافة إلى استفزاز الجيش الإسرائيلي والمستوطنين خاصة في المناطق المحاذية للجدار، هذا كله دفع المواطنين إلى ترك أراضيهم والبحث عن مصادر أخرى للرزق والمعيشة، وبالتالي العمل بهذه المهنة.
وأشار إلى أن مسألة الحرق تصدرت على الدوام أولويات البلدية، وأنها عملت اتصالات مع مختلف الجهات ذات الاختصاص، وذلك في سبيل التعاون من أجل القضاء على هذه الظاهرة أو الحد منها، إلا أن تلك الجهود لم تثمر، وذلك لأن المنطقة جميعها خارج التغطية الأمنية للسلطة الفلسطينية، مما أوجد لدى الكثيرين ممن يعملون في هذه المهنة شعورا بأنهم يستطيعون عمل أي شيء دون رادع.
أهالي بلدات الخليل، دقوا ناقوس الخطر منذ اللحظات الأولى لحرق المخلفات على أرضهم، لكن دون جدوى. والآن وبعد عشر سنين بلغت معاناتهم مبلغها، وكلهم أمل بان تعود حياتهم دون حرق ودخان.
أُحرقت، حرقت، لُوثت، تلوثت، شُوّهت، تشوّهت.
تنافس سكان قرى وبلدات غرب وجنوب الخليل على تدمير مساحات واسعة من أراضيهم بقصد آو بغير قصد، وذلك في سبيل العمل في "الطقش"، كما تعارف عليه العاملون فيه، وطش الشيء بمعنى كسره وجعله قسمين، القشرة واللب، وهكذا "طقش" بلدات غرب الخليل، فلبه المتمثل بمعدنه النفيس والخالص يرسل إلى إسرائيل، وما يتبقى من قشره كمخلفات البلاستيك والمطاط فيحرق ويبقى في الأرض.
يقول منسق اللجنة الشعبية للحفاظ على صحة الإنسان أنور عوض: "التلوث البيئي الحاصل في مناطقنا، ينتج عن حرق نفايات ومعادن صلبة تجلب من إسرائيل، تتم إعادة تدويرها من خلال الحرق، وترسل مفروزة ونظيفة عبر المستوطنات إلى إسرائيل من خلال تجار مقدسيين، وهذه البضائع تدخل المناطق الفلسطينية بطريقة غير قانونية، بدون أي عائد ضريبي، أو إشراف جهات الاختصاص المختلفة."
عشر سنوات عمل موردو الآلات القديمة "المستعملة" على جلبها إلى الأراضي الفلسطينية، ليجري العمل على تفكيكها وتقسيمها ثم فرزها حسب نوع المعادن المكونة لها، "نحاس، أو حديد، أو ألمنيوم"، وبعد ذلك تحرق داخل التجمعات السكنية دون الاكتراث للملوثات التي تفتك بالإنسان والحيوان والتربة والمياه على حد سواء.
وبيّن أنور عوض جملة الأضرار التي يحدثها حرق الخردة بالقول: "هناك العديد من الأضرار التي تمت ملاحظتها على السكان في بلدة إذنا، منها ما هو متعلق بالجانب الصحي والتي تتمثل بالربو، والفشل الكلوي، إضافة إلى المرض النحاسي وهو عبارة عن نتوءات جلدية، فضلاً عن الإجهاض لدى النساء وخاصة في المناطق التي يتكرر فيها الحرق، وهناك ضرر زراعي يتمثل في تسميم المزروعات المروية والبعلية، وضعف وهزل الإنتاج النباتي وخاصة أشجار الزيتون، وحرق الأشجار وتلوث المياه، أما فيما يتعلق بالثروة الحيوانية فيتمثل ضررها بتسمم المواشي نتيجة لرعيها من مراعي حدث بالقرب منها حرق البلاستيك والمطاط وغيره،ضعف في نمو الخراف، أما الأضرار التعليمية والتي تتمثل باقتراب ورشات الخردة من المدارس، فهناك أربع ورشات للخردة على الأقل ملاصقة لمدارس مقامة في هذه المناطق، وعملية تدوير هذه الخردة تتم على مدار الساعة، خاصة في ساعات الصباح أثناء دوام الطلاب، ما يتسبب بإزعاج الطلاب، ويضعف تركيزهم ".
وزير شؤون البيئة يوسف أبو صفية وأثناء زيارة قام بها لبلدة أذنا، قال: "إسرائيل تحول مناطقنا مكبا لنفاياتها، ليس هذا فحسب بل إنها تسترجعها بعد تدويرها على أراضي المواطنين. وأمريكا تعمل على إرسال نفاياتها للهند، ونحن أصبحنا هند إسرائيل، هذا يسبب ضررا فادحا، ويعمل على إحداث مشاكل كثيرة للسكان، وهناك خطورة كبيرة على حياتهم".
وأضاف أبو صفية "أطلعنا على كم هائل من عدد الورش في بلدة إذنا، كل هذا قد يكون ممكن التعامل مع، ولكن الذي يجب أن يقف وسيكون لنا موقف بخصوصه، وسأقوم بطرحه على مجلس الوزراء هو وقف ومنع استيراد هذه الخردة، ووقف عمليات الحرق، أما بخصوص حل هذه المشكلة، فإن ذلك يتم من خلال تدخل مجموعة من الوزارات مثل وزارة المالية، ووزارة الاقتصاد الوطني، ووزارة الداخلية وتعاون من الأجهزة الأمنية مثل الشرطة والضابطة الجمركية".
"دير سامت، بيت عوا، الكوم، يطا" بلدات تضم مئات ورشات "الطقش"، وخطرها لا يتوقف عند حد تلوث التربة والمياه الجوفية، وموت النباتات والأشجار، بل زد عليها عمل القاصرين، إضافة إلى عدم توفر معايير السلامة العامة.
ويؤكد عمرو العملة رئيس بلدية الياسرية أن هناك ظاهرة عمالة الأطفال في "الطقش"، أضحت ظاهرة مقلقة للمجتمع المحلي، فهؤلاء الأطفال يتسربون من المدارس، ويتم استغلالهم من أصحاب الورش، وهذا كله يرافقه عدم وعي بيئي أو صحي في مراعاة وأتباع إجراءات ووسائل الوقاية العامة من قبل العاملين بهذه المهنة، هناك نسبة كبيرة من يتعاطون مع هذه المهنة، لا تقل عن 6% من مجموع السكان".
يذكر العملة أن السبب الذي دفع الموطنين إلى العمل بهذه المهنة، يتمثل في الوضع الاقتصادي والمعيشي الصعب، بالإضافة إلى ارتفاع نسبة الفقر والبطالة، إذ تعد قرى جنوب وغرب الخليل مناطق مهمشة، وهناك جدار الفصل العنصري الذي حطم مصادر الرزق لشرائح كبيرة من المجتمع المحلي، بالإضافة إلى استفزاز الجيش الإسرائيلي والمستوطنين خاصة في المناطق المحاذية للجدار، هذا كله دفع المواطنين إلى ترك أراضيهم والبحث عن مصادر أخرى للرزق والمعيشة، وبالتالي العمل بهذه المهنة.
وأشار إلى أن مسألة الحرق تصدرت على الدوام أولويات البلدية، وأنها عملت اتصالات مع مختلف الجهات ذات الاختصاص، وذلك في سبيل التعاون من أجل القضاء على هذه الظاهرة أو الحد منها، إلا أن تلك الجهود لم تثمر، وذلك لأن المنطقة جميعها خارج التغطية الأمنية للسلطة الفلسطينية، مما أوجد لدى الكثيرين ممن يعملون في هذه المهنة شعورا بأنهم يستطيعون عمل أي شيء دون رادع.
أهالي بلدات الخليل، دقوا ناقوس الخطر منذ اللحظات الأولى لحرق المخلفات على أرضهم، لكن دون جدوى. والآن وبعد عشر سنين بلغت معاناتهم مبلغها، وكلهم أمل بان تعود حياتهم دون حرق ودخان.