الاحتلال يشدد إجراءاته العسكرية على حواجز نابلس    لازاريني: الأونروا هي الوصي الأمين على هوية لاجئي فلسطين وتاريخهم    شهداء في قصف الاحتلال منازل مواطنين في مدينة غزة    3 شهداء و10 مصابين في قصف الاحتلال شقة غرب غزة    الاحتلال يأخذ قياسات 3 منازل في قباطية جنوب جنين    فتح منطقة الشهيد عز الدين القسام الأولى والثانية إقليم جنين تستنكر قتل خارجين على القانون مواطنة داخل المدينة    استشهاد اب وأطفاله الثلاثة في قصف الاحتلال مخيم النصيرات    الاحتلال يواصل عدوانه على مدينة ومخيم طولكرم    الاحتلال يشدد من إجراءاته العسكرية شمال الضفة    50 شكوى حول العالم ضد جنود الاحتلال لارتكابهم جرائم في قطاع غزة    دائرة مناهضة الأبارتهايد تشيد بقرار محكمة برازيلية يقضي بإيقاف جندي إسرائيلي    المجلس الوطني يحذر من عواقب تنفيذ الاحتلال قراره بحظر "الأونروا"    14 شهيدا في قصف الاحتلال مناطق عدة من قطاع غزة    16 شهيدا في قصف للاحتلال على وسط قطاع غزة    نادي الأسير: المخاطر على مصير الدكتور أبو صفية تتضاعف بعد نفي الاحتلال وجود سجل يثبت اعتقاله  

نادي الأسير: المخاطر على مصير الدكتور أبو صفية تتضاعف بعد نفي الاحتلال وجود سجل يثبت اعتقاله

الآن

غسان بن جدو: سقطات بشفاعة التمويل! - عدلي صادق

أرسل اليَّ صديق عزيز، مقالة لغسان بن جدو، تتعلق بثورات "الربيع العربي" ناصحاً بأن اطلع عليها باعتبارها "مهمة" وهكذا كان. وبالفعل أذهلني ما كتبه هذا الإعلامي المُركّب، في نَصٍّ مطوّل ومُقعّر، مستفيضاً في الحديث عن جزئية يلتقطها هو، بميكروسكوب "فطنته" ويبني عليها حكماً شاملاً.
ولكي يوحي بعمق التحليل، صاغ غسان حُكمه الشامل، بتحشيد بعض النادر والاستثنائي، من الألفاظ والمفردات، متوهماً أنه يداري بها خياره المذهبي والسياسي، المجافي حتى العداء، لثورة الشعب السوري حصراً.
لكن الإعلامي المتخرج من مدرسة "الجزيرة" لا يسد ثغرات كثيرة، في آرائه المتصلة بالشخصيات التي جاء على ذكرها، وفي المواقف التي خرج بها من خلال قراءته للمشهد العام للأحداث، في العالم العربي عموماً، وفي سوريا على وجه الخصوص!
* * *
سأفسر هنا، وصفي لغسان بن جدو بأنه إعلامي مركّب. فليس ذلك من باب الانتقاص من مؤهلات الشاب، ولا من قدراته، ولا من باب المساس ـ لا سمح الله ـ بشخصه، من حيث هو صاحب حق في خياراته الاجتماعية والسياسية والثقافية. فغسان تونسي الأصل، لبناني المعايشة والتواصل، إيراني الخيار الشخصي الاجتماعي، خليجي التأهيل الإعلامي، اقترن بكريمة الكاتب المثابر محمد صادق الحسيني، الإيراني الفصيح بالعربية، والمستشار المُقدّر، لرموز الخط الإصلاحي، أو المعتدل، في الجمهورية الإسلامية الإيرانية. والرجل (محمد صادق الحسيني) كان معنا في حركة "فتح" لفترة طويلة!
جمعتني ذات يوم، مائدة غداء مع غسان وحماه محمد صادق الحسيني وفيصل القاسم ومحمد جاسم العلي المدير العام التنفيذي الأول لقناة "الجزيرة". كان انطباعي عن غسان والحسيني طيباً، وقد نقل اليّ الأخير، بعد الغداء، رسالة شفوية حانية ومؤيدة للرئيس الشهيد ياسر عرفات. وقد عرفت أنه جاء من أجلها الى الغداء.
 وكان مؤسفاً أن يقع غسان بن جدو، في العديد من الزلات الأخلاقية والسياسية، في مقالته المثيرة للدهشة.
ملخص مقالته، التي يوسع فيها حقل التحليل لكي يشمل الثورات العربية برمّتها، لكنه يهدف الى ذم الثورة السورية حصراً؛ هو أن "الربيع العربي" افتقر ويفتقر على نحو فادح، الى الفلاسفة والأدباء والمفكرين، وبالتالي فإن ثورات هذا الربيع "المزعوم" هي مجرد هوجات رعاع، ليس لهم بوصلة إلا غرائزهم. وفي السياق، يُجهد غسان نفسه، على حساب كياسة وأدب أعهدهما فيه، فيتناول بعض الأسماء بالتوصيف، وبالتسطيح الجزافي لتجاربهم وقدراتهم، لكي ينفي وجود مفكرين أو مثقفين وراء الثورة السورية. بل إن برهان غليون، أستاذ علم الاجتماع السياسي في واحدة من أعرق جامعات العالم (السوربون الفرنسية) بات في مقالة غسان، شخصاً تافها خسر نفسه، وارتضى أن يتسلم راتباً من "الاعرابي" الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير قطر، حسب زعم الكاتب.
ربما يُثير وصفي لبعض النقاط في مقالة غسان، بأنها سقطات أخلاقية؛ فضولاً لدى قارئي الكريم. لذلك سوف أركز عليها: ففي الفقرة الأولى من مقالته المقعّرة، يبلغنا الفيلسوف غسان، الناظر الى تطورات الأحوال في العالم العربي من فوق برج عالٍ؛ أنه ـ بسلامته ـ لم يكترث للوم الكثيرين له، على تجاهله للثورات. وهنا، له مطلق الحرية في أن يُعلي من شأن رأيه الذي يتعطش الى سماعه كثيرون حسب قوله. لكن الجارح والصادم، هو قوله أن سبب لوم الآخرين له، كان إصراره على إشاحة نظره عن الثورات العربية بازدراء. ويبدو بن جدو هنا، وهو المتلطي بمنطق المقاومة التي يبذل أبطالها أرواحهم، من أجل الناس ومن أجل كرامة الآدميين؛ يُشيح نظره عن عنصرين من شأنهما إثارة حواس الجماد وليس الإنسان الطبيعي المحايد وحسب: نحو عشرين ألف ذبيح عربي، من الأطفال والشيوخ والنساء واليافعين، ومئات الميادين في مئات المدن والبلدات والقرى، وألوف الشوارع التي غُصت بالمتظاهرين سلماً، تطالب بإسقاط النظام. فعلى امتداد سطور مقالته، ليست هناك إشارة لموقف الشعب السوري، وهذا غض طرف متذاكٍ من جانب غسان، غايته رفع الحرج عن نفسه بعد انتصار الثورة السورية، إذ سيُتاح له أن يعيد تفسير مقالته، بأن انتقاده الفاقد للحد الأدنى من التهذيب، كان للطبقة السياسية المؤيدة للثورة، وليس للثورة نفسها، بمضمونها الاجتماعي والطبقي والثقافي.
من بين السقطات الأخلاقية أيضاً، كان التوصيف البذيء لأمير قطر وحتى لـ "الجزيرة" التي لولاها لما كان غسان بن جدو إعلامياً معروفاً. كثيرون يركزون في موضوع الثورة السورية على أمير قطر. ونسأل غسان بن جدو باختصار: لماذا لم يكن أمير قطر مجرد "اعرابي" مذموم، عندما تكفل بإعادة بناء ما دمرته آلة العدو الحربية في حرب تموز 2006 على لبنان، وكان الضحايا والمهدمة منازلهم، من بيئة غسان بن جدو التي تعاطفنا معها جميعاً، يُجزلون الشكر لله وللشيخ حمد ويرفعون صوره؟ ولماذا لم يكن الرجل اعرابياً، عندما كان صديقاً مقرباً لبشار الأسد؟ ولماذا لم تكن "الجزيرة" شيطاناً، عندما أتاحت لغسان دون سواه، أن يُجري المقابلة الطويلة الأشهر عبر الشاشة الأشهر، مع بشار الأسد نفسه؟!
طبيعي أن تكون المواقف قابلة للتغيير، لكن الشاذ وغير الطبيعي هو أن تنقلب تماماً على مستوى توصيف كينونة الأشخاص والأصدقاء السابقين وجهات العمل السابقة، وعلى مستوى نظافة الدراهم. ومن غير الأخلاق أن يسمح إعلامي محترم لنفسه، بعد أن ترعرع في "الجزيرة" وقبض من ريالاتها، بأن يعيّر استاذاً مرموقاً في جامعة السوربون، بعد أن يختلق له راتباً يقبضه من قطر، بينما الرجل لا يقبض راتباً إلا من عمله في السوربون!
غسان بن جدو، في سياق محاججته بأن لا عقل للثورة السورية، يعيب على عزمي بشاره النطق بجملة أفلتت قبل بث برنامج معه، ويعد هذه الجملة سقطة أجهزت على عزمي، مثلما تُجهز الضربة القاضية على ملاكم. هو يريد شطب عزمي بشارة، بجريرة جملة عادية، يطلب فيها من المذيع، أن لا يتعرض لبلد معيّن، وهذا مفهوم ومتبع في العمل السياسي والإعلامي. لكن مشكلة عزمي الحقيقية مع بن جدو أن الأول بات من مؤيدي ثورة الشعب السوري. كان عزمي عند بن جدو وسواه من معسكر الطنين، بلبلاً يغرد، ومفكراً لا يُشق له غبار، لسبب بسيط وهو أنه أظهر وداداً للنظام السوري وإعجابا ببشار. الآن اختلف الأمر، وفي اختلافه تتكشف مستويات الأخلاق، وتنفضح ضآلة الضمير وغيبة الموضوعية.
* * *
ذروة النص المقعّر، الذي كتبه غسان، تحاول إقناعنا بافتقار الثورة السورية للفلاسفة والمفكرين والأدباء. ولكي يصل الكاتب الى مبتغاه، يتعرض لأشخاص ويقلل من شأنهم. بل إنه في الإشارة الى القاضي مصطفى عبد الجليل في ليبيا، يرمي بملاحظة أظن أن "السيّد" سيلومه عليها، ليس إكراماً لمصطفى عبد الجليل، وإنما إدراكاً لطبائع المرحوم معمر القذافي. فمن بين ضحايا القذافي الشيخ والمرجع الشيعي موسى الصدر وصحبه. فمصطفى عبد الجليل، في مقالة غسان بن جدو، هو "مصطفى عبد الذليل" ولا ندري من أين جاءت المذلة في واقع ليبيا الجديد، وحيثما بدأ متسلمو مسؤوليات الحكم، يزرعون في أرض، حَكَم عليها القذافي لأكثر من أربعة عقود، بالتصحر السياسي والثقافي مع الانتعاش العشائري. ويبدو أن غسان، مثل كثيرين سواه، يريد جعل المثال الليبي سبباً للدفاع عن الحكم في سوريا. ربما كان الأفضل عندهم، بدل سيرورة التاريخ الجارية حثيثاً الآن في ليبيا؛ أن يمحو القذافي بمنظومة صواريخه، بنغازي وأهلها، ومعهما كل البؤر المنتفضة، فينتصر ويعود قائماً فوق أشلاء الناس وعذاباتها!
وللأسف، ينم سياق حديث غسان، المتعلق بما يراه افتقار ثورة السوريين الى ذوي العقول المنظمة التي تمتلك الرؤية؛ عن جهل بتاريخ سوريا المعاصر. ربما ينطبق توصيف غسان للوضع السوري، على "الثورة الإسلامية الإيرانية" وليس على سوريا. فإيران، منذ ثورة البطل القومي محمد مصدق في آب (أغسطس) 1953 لم تشهد إرهاصات ثورة، ولا شهدت تشكل حالات ضاغطة ومؤثرة، في المجتمع المدني، لتغيير مسلك النظام الشاهنشاهي المستبد. وعندما انتفض الشارع ـ مثلما ينتفض الشعب السوري اليوم ـ لم تكن ثمة منظومة فكرية، قادرة على تأطير الحركة الشعبية، سوى تلك التي بين جنبيْ آية الله روح الله الخميني. والمرحوم الخميني لاقى من يبجلونه ويعدونه مرجعاً لكل ثورة، لا يأتيه الباطل من يمين ولا شمال. أما روح الله، المسلم السني العربي، أيّاً كان، فلا جدارة له ولو حفظ الفقه، على كل المذاهب، عن ظهر قلب. بل أصبح من أهم واجبات الحركة الوطنية السورية ومعها ثورات "الربيع" العربي، دحض "تهمة" المرجعية الدينية ودولتها عن الحراك الشعبي. صار كبار شيوخ الحركات الإسلامية السنية، أنفسهم، يتماشون مع الزمن، ويخففون من هواجس الآخرين حيال الإسلاميين، وباتوا ينطقون في خطابهم العلني بالمدني قرين العلماني، في توصيف الدولة. فلو أحصينا عدد الحركات الإسلامية والعلمانية المعارضة التي مرت في تاريخ سوريا المعاصر، ورجالاتها من الأدباء والمفكرين والنقاد، ومن متعاطي كل أنواع الفلسفات من المجتمع المدني السوري، الذين لاقوا العذابات وتعرضوا للبطش، وسجلوا أرقاماً لموسوعة غينيس في عدد سنوات السجن؛ لاكتشفنا أن "الثورة الإسلامية الإيرانية" التي هي أكبر "رأس" عند غسان بن جدو؛ ليست بالقياس، إلا تجربة دروشة ودراويش ملبسّة بالنووي، وقد بات المجتمع الإيراني يتبرم منها، لأنها غير ذات نسق ديموقراطي أو عصري أو مدني!
لا مجال للمزيد من الأمثلة. ولكن لا يحق لغسان بن جدو، أن يدافع عن وضعية التمويل السخي لقناة يريدها منافسة للشاشات الطاغية؛ بالتعبير عن إزدرائه لثورة سوريا، التي تواجه السلاح الثقيل باللحم الحي، وأثبتت أنها أعتى من النيران ومن الجلادين. فلو كانت هذه ثورة رعاع، وتمردات مجاميع تحركها غرائزها، وليس لها عقول، ولا مفكرين وأدباء وراءها؛ لما ازدادت إصراراً كلما ازدادت النار المصبوبة عليها سعاراً. ففي علم النفس، هناك زمن قصير، محسوب، لحركة الغرائز. بضع ضربات بالكرابيج على أقفية بضعة هائجين بغرائزهم، ينتهي الموضوع. فعيب على غسان أن يكتب مثل هذا الكلام وعيب أكبر، أن يشيح بنظره عن ضحايا الشعب السوري، وهم شهداء من أجل الحرية. ستنتصر الثورة السورية، وسيطل غسان عبر قناة إيرانية لا يتابعها أحد. عندئذٍ سيقلقنا السؤال: ماذا سيصنع غسان إن انتصر الشعب الإيراني وانتزع حريته؟ أم إن أخانا، يظن بأن الاستبداد في سوريا وإيران هو الذي سينتصر، وستُفتح البحرين، بمرجعية فلسفية أدبية وعقائدية خمينية؟ عجبي!
www.adlisadek.net
adlishaban@hotmail.com

 

إقرأ أيضاً

الأكثر زيارة

Developed by MONGID | Software House جميع الحقوق محفوظة لـمفوضية العلاقات الوطنية © 2025