ليس لدى الرئيس من يكاتبه- فؤاد ابو حجلة
بماذا أفكر لو كنت مكان الرئيس السوري بشار الأسد؟
في الواقع يصعب علي تخيل حالته الآن، فقد اكتشف الرجل بالصدمة كذب التقارير التي كان يرفعها اليه قادة الأمن السوري الذين هرب منهم من تمكن من الهرب وانشق من رأى مصلحته في الانقلاب على الذات وقتل من لم يتمكن من الهرب أو الانشقاق.. الرئيس اكتشف أيضا أن الجغرافيا السورية كلها مشتعلة بالثورة، وأنه لا مكان آمنا فيها للنظام، وربما يسمع الآن من غرفة أو ملجأ في دمشق أصوات الانفجارات والرصاص الذي يقترب من نوافذ القصور الرئاسية.
إنها النهاية المرة للرئيس ونظامه، فقد تفرق الرفاق وانفض المريدون وغادر المصفقون مقاعدهم أمام منبر الرئيس الذي يجيد الكلام، وخاصمه الزملاء الذين طالما احرجهم بالكلام.. لم يعد لدى الرئيس من يكاتبه ولم يعد لديه من يصفق لخطاباته ومن يهتف بحياته الى الأبد.
المدن تسقط في قبضة المعارضة والحدود ترفع اعلام المعارضين، والمواطنون الذين كانوا، في سنوات الرماد، آمنون يبحثون عن المأوى في المهاجر القريبة والبعيدة.
يعرف الرئيس الآن كل التفاصيل، فكيف وبماذا يفكر؟
اتخيله الآن يمشي في الغرفة ذهابا وإيابا بتوتر واضح تؤكده حركة يديه اللتين لا تكفان عن العبث بشعر رأسه وشعر شاربيه. وأراه يدخن بشراهة لا تليق برأس الدولة، ويتمتم بكلام غير مفهوم، مثل خطاباته في مجلس الشعب، ولكن الغرفة تخلو من المصفقين.. الرئيس يفكر بصوت مسموع ويدرس خياراته، ويفاضل بين النماذج.
النموذج الليبي مخيف، والاختباء في مجرى للمياه الصحية لا يليق برئيس كان يسخر علانية من جبن الآخرين. ثم إن القتل في الشارع مشهد مريع لا يطيق سيادته مجرد التفكير فيه.
النموذج المصري مهين، فالوقوف في قفص الاتهام يكسر الهيبة، والنوم على سرير متنقل احتمال غير ممكن لرئيس يتمتع بكامل لياقته البدنية. ثم إن القاضي قد يكون واحدا من ضحايا ظلم النظام، وقد يختار مخاطبته باسمه الحقيقي، وهو ليس أسدا على الاطلاق.
النموذج التونسي خائب، والمشي خلف الأولى إلى سلم الطائرة مشهد مخزٍ لرئيس كان يتقدم في مشيته المهيبة رؤساء الأركان وكبار رجال الدولة. ثم من يضمن عدم تصويره من قبل حراسه وبيع الفيديو الى محطات التلفزة مقابل حفنة من الدولارات؟
النموذج اليمني مسيء، والحروق التي تطال الوجه واليدين تظل تذكارا وتذكيرا بالمآلات المأساوية للحاكم الذي اقنعوه عقودا طويلة بأن ظلمه عادل. ثم من يضمن أن تستقبله اميركا أو روسيا ليعيش في ظل الثروة والترف والنسيان؟
يستبعد الرئيس كل هذه النماذج، وهو يفكر في العرض العربي بتأمين خروجه الآمن من السلطة ومن البلاد مقابل التنحي السريع.
يبدو العرض مغريا، فهو ما زال شابا وأمامه عمر طويل من البذخ والعيش الرغيد، لكن قبوله العرض يعني بكل بساطة نزع صوره من الشوارع وعن جدران المكاتب الرسمية.. الرئيس يحب التصوير.
يشعر الرئيس أن العرض العربي جاد بالفعل، ويدرك بحدسه الذي قيل له إنه صائب دائما أن هذا هو العرض الاخير.. لا بأس، فلدى الرئيس ما يكفي من الدقائق أو الساعات أو الأيام لقرار قبول العرض أو رفضه، لكن المهم الآن هو البحث عن نموذج آخر.
يتذكر الرئيس فجأة نموذجا عربيا آخر، حيث قرر النظام مواجهة المعارضة بالقوة، وخاض حربا ضدها امتدت سنين وانتهت بمقتل مائتي ألف مواطن وبقاء النظام.
يفرك الرئيس يديه ويحسم أمره بالمواجهة، لكنه يكتشف عزلته فيبدأ التفكير بكيفية خوض الحرب بلا وزير دفاع ولا رئيس أركان ولا مدير مخابرات.
لا حاجة للحرب، فالشعب مع الرئيس الى الأبد وليس عيبا أن يظل الرئيس في مخبئه!