افطار تكريمي- فؤاد أبو حجلة
في رمضان يزداد منسوب الورع والتقوى بين الناس ويرتفع أيضا مستوى الكذب والاستعراض لدى الحكام وقادة الدول الذين يقتاتون على حصص مسروقة من ملايين الفقراء في عواصمهم الزاهرة.
في هذا الشهر الفضيل يقبل الناس على فعل الخير ويتذكر المقتدرون اخوانهم المستورين، فيجودون بالعطاء لمن يردون بالدعاء.. وفي هذا التواصل تتجلى روح التراحم بين البشر الذين اكرمهم الله بنعمة الاسلام.
من قبيل الالتزام بالتعاليم السماوية، ومن باب حرص الانسان على كرامة أخيه الانسان لا يجاهر فاعل الخير بما قدمه للمحتاجين، ولا يستدعي المحسن المتبرع ببناء جناح في مستشفى اطفال كاميرات التلفزيون والجرائد لتصوير احسانه وترويجه بين الناس، بل إن الخير يرى وفاعله يظل مجهولا طمعا في الثواب وحتى لا تعلم يساره ما قدمت يمينه.
الأمر ليس كذلك بالنسبة للحكام العرب والمقربين منهم في داوئر الحكم والتجارة.. والفساد، فهم يستعرضون ما يعتبرونه فعل خير، ويتسابقون على إقامة موائد الافطار للشرائح المهمشة والفقيرة في مجتمعاتهم، وتتسابق الصحف على نشر صور هؤلاء العظماء الذين يتواضعون حد الافطار مع الفقراء!
انها مهزلة تتكرر في كل رمضان وفي كل دولة ترى الهلال من سطح قصر الحكم، وهي مهزلة تنشر صورها الصحف في صفحاتها الجادة، وتفرد لها مساحات كبيرة تكفي أثمانها الاعلانية لاطعام فقراء المدن العربية على امتداد الشهر الفضيل، وربما في كل شهور السنة.
لا يستفزني شيء أكثر مما يستفزني خبر عن افطار تكريمي للفقراء يقيمه حاكم عربي.. على حساب الفقراء انفسهم، ولا يغيظني شيء أكثر مما يغيظني حديث الحكام العرب عن التراحم وعن العدالة الاجتماعية، ولا يضحكني شيء اكثر مما يضحكني احترام الحكام ومؤسساتهم للذين يقيمون موائد الرحمن في رمضان واعتبارهم متقدمين على الناس في التقوى والايمان، بينما يتم اعتقال من يدعون الى تحقيق العدالة الاجتماعية بين الناس ويعتبرون الخبز حقا لكل الناس.. كالحرية، واعتبارهم كافرين وملحدين والعياذ بالله.
قبل سنين، وخلال الانتفاضة الأولى ظهرت موضة حفلات الافطار والغداء والعشاء التقشفي لدعم الانتفاضة ومساندة الشعب الفلسطيني في صموده. وقد تكررت هذه الحفلات بشكل ممل حتى ظننا أن فلسطين تتحرر بمنقوشة زعتر!
انها ثقافة «اذا لم تستح فافعل ماشئت» لكن ما لا يعرفه اصحاب الولائم أننا نستحي كثيرا.. لذا لا نصدقهم.