استعدّوا لحصار من نوع آخر في الضفة- عبد الناصر النجار
في استحقاق أيلول الماضي، بدت الضغوط الأميركية بشكل خاص، والضغوط الغربية بشكل عام واضحة المعالم على القيادة الفلسطينية، حيث وصلت الضغوط الأميركية حدّ التهديد بشكلٍ فظّ، وعلى أكثر من صعيد.
في الأسابيع والأيام التي سبقت اجتماع مجلس الأمن بدأت واشنطن حملةً دبلوماسيةً ضد فلسطين استهدفت في الأساس الدول الأعضاء في مجلس الأمن، وبشكل خاص الدول غير الدائمة العضوية، واتّبعت سياسة العقاب والثواب. بل كانت العصا تسبق الجزرة، ووصل الأمر بالإدارة الأميركية إلى أن يقوم الرئيس الأميركي باراك أوباما بالاتصال شخصياً بقيادات هذه الدول طالباً منها عدم التصويت لصالح الاقتراح الفلسطيني.
القيادة الفلسطينية ربّما أعطت أشهراً كاستراحة محارب سياسية من أجل فتح نافذة في فضاء العملية السياسية المغلق بفعل سياسات الاحتلال العدوانية وعلى رأسها هذا الاستيطان السرطاني الذي لم يبق بقعة في الجسد الفلسطيني إلاّ ونشر خلاياه القاتلة فيها.
توقعنا أن يبعث "الربيع العربي" رسائل قويةً إلى واشنطن والغرب حول ضرورة العمل بجدية والضغط على الاحتلال الإسرائيلي لإيجاد حلٍّ للقضية الفلسطينية على اعتبار أنها المحرّك الأول لكافة المشاكل التي تعاني منها المنطقة، ولكن يبدو أن الرسالة وصلت بشكلٍ عكسيّ إلى سلطات الاحتلال التي استغلت الأوضاع الصعبة والمخاض الخطير الذي تمر به المنطقة لتكثف من خلق أمر واقع في الضفة الغربية وتهويد كامل للقدس المحتلة، واستيلاء متسارع على الأماكن الإسلامية المقدسة، وعلى رأسها المسجد الأقصى، وذلك على قاعدة أن المنطقة لن تهدأ قبل عدة سنوات... بمعنى أن التناقض العربي مع الاحتلال الإسرائيلي لم يعد تناقضاً أساسياً، فربما طغت مشاكل العرب الداخلية عليه.
واشنطن من ناحيتها لم تمارس أي ضغوط تذكر على إسرائيل خاصةً مع اقتراب الانتخابات الرئاسية التي دائماً يكون الشعب الفلسطيني وقضيته فيها هما قربان هذه الانتخابات، حيث تبدأ عطايا الحزبين الجمهوري والديمقراطي للاحتلال. وخير دليل على ذلك صفقة السلاح الأخيرة التي قدمها أوباما وإدارته، إضافة إلى مئات ملايين الدولارات، أما الحزب الجمهوري فلعلّ ما يطرحه من امتيازات لإسرائيل وللاحتلال الذي تمارسه يصبُّ في المسار نفسه.
وبناء على ذلك، فإن التحرك الفلسطيني الجديد بالتوجه مرةً ثانيةً إلى الأمم المتحدة، وبشكل خاص إلى الجمعية العمومية من أجل نيل الاعتراف بدولة فلسطينية أو بمكانة متقدمة لفلسطين؛ يثير حفيظة الإدارة الأميركية التي بدأت بالتهديد الفعلي، وربّما بحملة دبلوماسية مشابهة للحملة الأولى قبل أيلول الماضي، والضغط السرّي والعلني على القيادات العربية الموالية لواشنطن، تلك التي تتلقّى تعليماتها بشكل مباشر من هذه الإدارة.
الضغوط الأميركية، وربّما الغربية ستؤدّي إلى حصارٍ آخر على الضفة الغربية، سيتمثل في إضعاف الوضع الاقتصادي والمالي بشكلٍ قد يصل بنا إلى حافّة الانهيار، ولكن دون إحداث هذا الانهيار.
يُضاف إلى الحصار الاقتصادي حصار سياسي سيفرض بالدرجة الأولى على القيادة الفلسطينية، من خلال سحب بعض الامتيازات الممنوحة لها، وربّما حتى على صعيد اللقاءات الدولية.
يُضاف إلى ذلك غضّ بصر متعمّد عن الاعتداءات الإسرائيلية التي ستضاعف المعاناة الفلسطينية، التي قد تصل إلى خلقِ تناقضٍ فلسطيني داخلي من أجل تحميل القيادة الفلسطينية المسؤولية عن ذلك.
إذن، نحن أمام وضع صعب، وربّما معقّد أكثر مما نتوقع. فهل سنخلق من اليوم اقتصاداً مقاوماً بعيداً عن اقتصاد الاستهلاك الذي وقعنا جميعاً في حفرته؟ وهل سنبني مفهوماً سياسياً قائماً على الوحدة الوطنية والشراكة لجميع مكوّنات الشعب الفلسطيني حتى نتمكن من اجتياز هذه المرحلة الأصعب في تاريخنا الحديث؟!.
abnajjarbzu@gmail.com