الاحتلال يشدد إجراءاته العسكرية على حواجز نابلس    لازاريني: الأونروا هي الوصي الأمين على هوية لاجئي فلسطين وتاريخهم    شهداء في قصف الاحتلال منازل مواطنين في مدينة غزة    3 شهداء و10 مصابين في قصف الاحتلال شقة غرب غزة    الاحتلال يأخذ قياسات 3 منازل في قباطية جنوب جنين    فتح منطقة الشهيد عز الدين القسام الأولى والثانية إقليم جنين تستنكر قتل خارجين على القانون مواطنة داخل المدينة    استشهاد اب وأطفاله الثلاثة في قصف الاحتلال مخيم النصيرات    الاحتلال يواصل عدوانه على مدينة ومخيم طولكرم    الاحتلال يشدد من إجراءاته العسكرية شمال الضفة    50 شكوى حول العالم ضد جنود الاحتلال لارتكابهم جرائم في قطاع غزة    دائرة مناهضة الأبارتهايد تشيد بقرار محكمة برازيلية يقضي بإيقاف جندي إسرائيلي    المجلس الوطني يحذر من عواقب تنفيذ الاحتلال قراره بحظر "الأونروا"    14 شهيدا في قصف الاحتلال مناطق عدة من قطاع غزة    16 شهيدا في قصف للاحتلال على وسط قطاع غزة    نادي الأسير: المخاطر على مصير الدكتور أبو صفية تتضاعف بعد نفي الاحتلال وجود سجل يثبت اعتقاله  

نادي الأسير: المخاطر على مصير الدكتور أبو صفية تتضاعف بعد نفي الاحتلال وجود سجل يثبت اعتقاله

الآن

في “كوفنت جاردن”- فؤاد ابو حجلة

الزمن لا يعود إلى الوراء، ومن يحاول اعادة انتاج اللحظة المتوهجة في الذاكرة، يعرف كم هو مستحيل نفخ الروح في ما فات ومات من زمن الحب والتمرد.
وقفت على باب محطة “كوفنت جاردن” في لندن بانتظار مجيء الصديقين علي الصالح وعبد اللطيف جابر. كنت هاتفت عليا في الصباح، واتفقنا على اللقاء في هذا الحي اللندني المكتظ بالسياح والمتسوقين.
مرت دقائق الانتظار بطيئة وقلقة ومتوترة، فلم أكن متأكدا من قدرتي على التعرف على صديقي بين هذه الحشود من البشر، ولم أكن واثقا من قدرتهما على التعرف علي وكبرت اثنتين وثلاثين سنة من فراق نسميه لقاء أخيرا.
كانا يمشيان باتجاهي، وكلما اقتربا مني بديا وكأنهما يخرجان من شريط الذاكرة المغبشة الى فضاء العين محملين بالأشواق والحنين.. والكهولة الطاعنة في الغربة.
تعانقنا وبكينا على رصيف لم يحفظ خطانا قبل عمر من الغربة، ومشينا الى مقهى قريب.
في الطريق كان علي يتهكم على قصر قامتي وعلى انكشاف رأسي بفعل عوامل التعرية التي أطاحت بشعري، وكان عبد اللطيف يتقدم نحو المقهى بخطى ثابتة وكأنه يقود مجموعة مقاتلة في مهمة اختراق في حرب تحرير “شويكة”. أما انا فواصلت بكائي الداخلي، وانا استذكر ما مضى من شباب وفتوة.
عندما وصلنا المقهى كنت منهكا من المشي وكان الوجع يصعد إلى رأسي من قدمي اليسرى، لكن علي وعبد اللطيف لم يتعبا ولم يلهثا رغم امتلاكهما كرشين معتبرين يصلحان للمشاركة في جاهة عشائرية. قال علي إنها السجائر اللعينة ووافقه عبد اللطيف، فبدا الأمر وكأنهما يتحالفان ضد مزاجي ويسعيان لشطب آخر مشاهد التذكير بحواراتنا في الغرف المغلقة “العاجقة” بدخان السجائر في مرحلة النهوض والانتشار الفلسطيني في اوروبا في سبعينيات القرن الماضي.
كانت لندن مقرا ثم صارت مستقرا عندما فشل مشروعنا، واكتشفنا كم هو صعب بل مستحيل تغيير قناعات الجموع بجدوى الخنوع للرجعيات العربية.
علي وعبد اللطيف تغيرا، وكذلك أنا، فقد كبرنا كثيرا، وهرمت اجسادنا، وتبدلت قناعاتنا، واختلفت رؤيتنا للصراع وللحياة، لكن شيئا واحدا لم يتغير. إنه الحزن المقيم في القلب والحزن المتسرب من طرف العين، والحزن الساكن في الصوت عندما نحكي عن فلسطين.
في لندن، وتحت سماء ملبدة بغيوم الصيف، كان لقاؤنا الأول بعد دهر من البعد والقطيعة، وفيها استعدنا ما ظل في الذاكرة من جنون لذيذ في زمن بعيد كان أكثر دفئا وأكثر رأفة بالمتمردين.
لنا الله يا صاحبي الرائعين، فقد كبرنا ولم ننس، وهرمت اجسادنا ولم نتوقف عن المشي على أرصفة الغربة، ويبدو أننا سنمشي كثيرا ونحن نعرف أن الطريق من “كوفنت جاردن” لا تؤدي الى شويكة أو ديراستيا.
 
 

إقرأ أيضاً

الأكثر زيارة

Developed by MONGID | Software House جميع الحقوق محفوظة لـمفوضية العلاقات الوطنية © 2025