"حماس" واستخلاص الدروس- عادل عبد الرحمن
حركة حماس الخاطفة لقطاع غزة من الشرعية الوطنية منذ 2007، وتسيطر من خلال مليشياتها على مليون وستمائة الف مواطن فلسطيني، هي المسؤولة بشكل مباشر، في ظل الانقلاب الأسود سياسياً وأمنياً واقتصادياً وأخلاقياً، عنهم حتى تتمكن الشرعية الوطنية من استعادة دورها القيادي الكامل على جناحي الوطن. وبالتالي هي المسؤولة عن نتيجة اي عمل تخريبي او غير تخريبي ضد ابناء الشعب الفلسطيني او الشعوب العربية وخاصة الشعب المصري بحكم الجوار الجغرافي.
العملية "المجزرة الجبانة"، التي أودت بحياة ستة عشر ضابطاً وجندياً (بالأمس ورد خطأ بإيراد ثمانية عشر شهيداً بسبب التقارير غير الدقيقة) وجرح سبعة آخرين، جراح ثلاثة منهم خطيرة من شباب الجيش المصري البطل، كانت عمليةً غادرة ووحشية بعيدة كل البعد عن تعاليم الإسلام الحنيف، وتعكس وحشيةً منفلتةً من عقالها، ولا تمت بصلة للقيم والاخلاق والشرائع السماوية، عملية نفّذها قطّاع طرق وإرهابيون وتجار دين ودنيا.
المتأسلمون من المجموعات الإرهابية، التي تأويها وتديرها قيادة الانقلاب الحمساوي في القطاع بالتعاون مع أقرانهم من ذات المجموعات الارهابية المنتشرة في اوساط بدو سيناء، هي المسؤولة بشكل مباشر عن المذبحة. ولا يجوز تضليل الرأي العام المصري والفلسطيني بأن المسؤول عن المجزرة هي دولة الابرتهايد الاسرائيلية، وتعليق كل البلاوي والمصائب على شماعتها، التي حلّت وتحل بالشعب الفلسطيني او الشعب المصري او غيرهما من الشعوب العربية، دون ان يلغي دور اسرائيل والولايات المتحدة الاميركية في إنتاج وتفريخ الجماعات الارهابية، ليس في فلسطين والمنطقة العربية، بل في ارجاء الدنيا كلّها، مع احتلال العالم العربي أولوية في أجندة الارهاب المنظم الدولي الذي تقوده اميركا والدولة العبرية.
انطلاقاً مما تقدّم، لا يجوز للقيادات المصرية وخاصة المؤسسة الأمنية التغطية على الدور الخبيث، الذي أسهمت فيه حركة حماس، لا سيما وان كل المعطيات تشير الى ان جزءاً اساسياً من المجموعة المنفذة للمجزرة الوحشية ضد الابطال الشهداء من الجيش المصري في موقع الماسورة جاؤوا من غزة، والتقدير الأكبر انهم من كتائب القسام، الذراع العسكرية لقيادة الانقلاب. وبالتالي لا يفترض ان تنخدع القيادات المصرية بكل دموع التماسيح الصادرة عن قيادة حركة حماس في الداخل او الخارج.
كما لا يجوز ان تتعامل القيادات المصرية الأمنية والسياسية مع حركة حماس، على اعتبار انها خارج نطاق المسؤولية عن المذبحة وإشراكها في لجان وترتيبات أمنية مشتركة مع الجانب المصري، لأنها تتمنى وتطمح لذلك لتسويق نفسها كفريق "شرعي يحكم"، حتى لو طالب بذلك الرئيس الاخواني محمد مرسي. وإنما من الواجب التعامل معهم كقوة خارجة على القانون، وجلب قياداتها (حماس) باعتبارهم شركاء في الجريمة – المجزرة، وإخضاعهم للتحقيق، والمساءلة، ومطالبتهم بتسليم الجماعات المخططة والمنفّذة لاغتيال شهداء الجيش المصري الأبطال بدم بارد. وان لم يلتزموا، تقوم السلطات الامنية المصرية بمنع قيادات حماس من دخول الاراضي المصرية، ومطاردتهم حيثما كانوا حتى تقتص من المجرمين الحقيقيين وكل من هم على شاكلتهم في غزة او سيناء.
وفي السياق، إلزام قيادة الانقلاب الحمساوية بتنفيذ اتفاقية المعابر المُبرمة بين منظمة التحرير وسلطات الاحتلال الاسرائيلية وبرعاية اميركية وأوروبية ومصرية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2005، والعمل بأسرع وقت ممكن على فتح معبر رفح الحدودي البري امام حركة المواطنين الفلسطينيين، لأن اغلاق المعبر الوحيد الذي يربطهم بالعالم لا يخدم العلاقات الفلسطينية – المصرية، فضلاً عن انه يعتبر شكلاً من اشكال العقاب الجماعي، الذي لا ترتضيه القيادات المصرية السياسية والأمنية.
ومرة اخرى، حذارِ من خلط القيادات السياسية والأمنية ووسائل الاعلام المصرية بين ابناء قطاع غزة جميعاً والجماعات الارهابية وخاصة حركة حماس، لأن حماس جزءٌ محدود من الشعب الفلسطيني. ولا تمثل إلا نفسها، والتصويت الذي حصلت عليه في العام 2006، كان لحظة قاتلة في تاريخ الشعب الفلسطيني، ولا تعكس حقيقة المزاج والمناخ الوطني. والآن بعد مرور اكثر من خمسة اعوام، وعلى بؤس واقع الحال الفلسطيني العام، فإن الغالبية من المواطنين، اكتشفوا خطأهم الفادح في التصويت للحركة المشؤومة.
مع ذلك، هل تستخلص حركة حماس العبر والدروس من المذبحة البشعة، التي ساهمت بها عناصرها وقياداتها بشكل مباشر او غير مباشر وتعود لرشدها؟! وهل تتراجع عن خياراتها الانقلابية والمريبة، وتكف عن الاحلام الوضيعة، التي مزّقت النسيج الاجتماعي الفلسطيني؟! لأنها إن لم تتراجع عن سياساتها الانقلابية والارهابية من خلال ممارساتها البشعة ضد المواطنين الفلسطينين من فتح وغير فتح، وحمايتها لكل قوى وجماعات التطرف المتأسلمة في قطاع غزة، فإنها ستُدّفع الشعب الفلسطيني ثمناً باهظاً اكثر من تداعيات الانقلاب الاسود، وخاصة مع الاشقاء المصريين، الذين عندما كانت الشرعية الوطنية موجودة ومسيطرة على المعبر وحامية للحدود، لم تشهد العلاقات المصرية – الفلسطينية اية توترات جدية، وشكّلت العلاقات الفلسطينية – المصرية نموذجاً رائعاً من التكامل والتعاون المشترك رغم كل الهِنات، التي مرّت بها تلك العلاقات.
الكرة في مرمى حركة حماس، لتعيد النظر في سياساتها وأدائها تجاه ابناء الشعب الفلسطيني والمصالحة الوطنية وتجاه العلاقة مع الشعب المصري الشقيق. وبقدر ما تتمكن القوى العقلانية في حماس من تغيير السلوكات التخريبية التي تنفّذها القوى المتنفذة من الانقلابيين، بقدر ما تحمي ذاتها وأبناء الشعب الفلسطيني عموماً، وتخفّف من آلامه، وتعيد الاعتبار للوحدة الوطنية.
رحم الله شهداء الشعب المصري العظيم، والعزاء الحار لذويهم وللقيادة المصرية بجناحيها السياسي والعسكري.
(أشرت بالأمس الى ان الرئيس مرسي زار موقع المذبحة في رفح، ولكنه لم يصل رفح، وبقي في العريش، وبررت الجهات المعنية في الرئاسة ذلك بالخشية الأمنية على حياة الرئيس. أيضاً، الخطأ في إيراد المعلومة ناجم عن النقل غير الدقيق لوكالات الانباء، لا سيما وان المعلومة لا تحتاج لمصادر خاصة، لأن الخبر عام ومُعلن. لذا أعتذر من القارئ العزيز.
a.a.alrhman@gmail.com