ساعة هزت مصر- فؤاد ابو حجلة
في كتابه التوثيقي البديع «عشرة أيام هزت العالم» تناول الكاتب الماركسي الأميركي جون ريد وقائع الثورة البلشفية التي غيرت وجه العالم وساهمت في تحديد مسار التاريخ البشري سبعة عقود من زمن الصراع.
ساهم هذا الكتاب الذي ترجم الى لغات كثيرة في تعريف شعوب العالم بتفاصيل المواجهات في المدن الروسية وخفايا الصراع في اللجنة المركزية لحزب الثورة، وأبرز التنافس المحموم على السلطة بين رموز ثورة كبرى حققت انتصارها بنهر من الدم.
في مصر تختلف الصورة ويبدو أن الكتاب المصريين ليسوا معنيين بالتوثيق ويبدو أن لا أحد في القاهرة معني بوقائع ثورة ميدان التحرير وهي الثورة التي بدأت ليبرالية وانتهت اخوانية بقدرة قادر. كل من التقيتهم هناك معنيون بالنتائج فقط، ومنهمكون في حملات التحريض والتحريض المضاد والصراع المحتدم بين العسكر والفلول من جهة والاخوان وحلفائهم السلفيين من جهة اخرى. لذا يظل ما يجري على الأرض وفي قاعات الاجتماعات مجرد وقائع منسية لا يعود الناس اليها الا بدافع الفضول.
هذا الواقع مريح جدا للقوى والجهات المتحكمة في القرار المصري من الداخل والقوى والدول الموجهة للسياسة المصرية من الخارج. ففي ظل غياب المتابعة يسهل خداع الناس والهائهم بحروب وهمية يبعدهم الانشغال فيها عن الانخراط في صياغة شكل الدولة ومحتواها السياسي.
قبل ايام كان الشارع المصري كله مشغولا بمتابعة الرد المصري على جريمة الاعتداء على الجنود الصائمين في رفح. وكان طبيعيا جدا أن يتعاطف الشعب كله مع شهدائه الذين قضوا غدرا برصاص الارهابيين لكن أحدا لم يستجوب الرواية الرسمية لوقائع الجريمة، ولم يطلب اثباتا لتورط فلسطينيين فيها، بل انخرط الجميع في لعبة التحريض الخطرة التي مارسها متمرسون في الردح والتحريض في الصحف والاذاعات وهم يجيدون هذه اللعبة منذ ايام الرئيس المخلوع حسني مبارك.
فجأة اصبح الفلسطيني عدوا لمصر! وقرر سائقو التكسي وعمال المطاعم وموظفو الفنادق أن ينوبوا عن لجان التحقيق الأمنية في اعلان نتائج التحقيق وكان المشهد مؤذيا ومثيرا للشفقة.
ما جرى في رد الفعل على جريمة رفح تكرر في رد الفعل على قرار الرئيس محمد مرسي اقالة وزير الدفاع المشير طنطاوي ورئيس الاركان سامي عنان، فقد خرجت الجموع الى الميدان للاحتفال بهذا القرار الرئاسي الذي انهى بالفعل ازدواجية القرار المصري وأنهى الشركة بين الاخوان والعسكر، لكن احدا لم يسأل: كيف حدث ذلك؟ وهل كان القرار مفاجئا بالفعل أم أن له مقدمات؟ وهل هناك صفقة بين الطرفين يتم فيها عزل الرجلين مقابل منحهما الحصانة واعفائهما من الوقوف في أقفاص الاتهام في محاكمات رموز النظام المخلوع؟
تعددت الروايات، لكنها جاءت كلها من خارج مصر، وتعددت التصريحات وكان منها ما هو مضحك كادعاء الاميركيين بأنهم فوجئوا بالقرار الرئاسي المصري.
لا أحد يوثق ولا أحد يعرف حتى الآن تفاصيل ووقائع الساعة التي هزت مصر.