القلق والتوتر سيدا الموقف عند "فلسطينيي سوريا"
زلفى شحرور
قلق.. توتر جلوس بالساعات على الإنترنت وأمام شاشات التلفزة وغياب للرغبة بالحياة والمرح والتمتع بالأجواء الرمضانية، هو حال المواطنين العائدين من سوريا (فلسطينيي سوريا).
قلقهم وخوفهم على الأهل يكاد يقتلهم، فالجلوس بالساعات على الإنترنت لاصطياد أحد الأقارب والأهل على مواقع التواصل الاجتماعي للاطمئنان عليهم هم يومي ويكاد يكون لحظيا وأولوية تعلو على كل المهام الأخرى في الحياة.
ولم يعد همهم كما كان بداية الأحداث في سوريا الاطمئنان على شؤون حياتهم اليومية والتأكد أنهم ما زالوا بمنأى عن الأحداث، حيث كانت المخيمات الفلسطينية في سوريا تشكل ملاذا آمنا للمهاجرين السوريين إليها، ولم يعد همّ الاطمئنان على شؤون حياتهم اليومية على أهميتها، لأنها أصبحت شيئا ثانويا أمام هول الموت الرابض لهم بالمرصاد في مختلف المدن السورية والمخيمات الفلسطينية فيها.
ويزداد هذا التوتر مع اقتراب موعد العيد والذي تغيب مظاهره عن بيوت العديدين منهم، فهم لا يمتلكون النفسية ولا الروح للاحتفال والتحضير له.
الاقتتال القائم في سوريا زاد من تواصل العائدين من سوريا فيما بينهم، لا كما زاد من تواصلهم مع عائلاتهم من خلال الإنترنت وصارت الاتصالات يومية.
وذهب البعض منهم لتقديم النصائح للأهل في سوريا لمساعدتهم في تدبير شؤونهم وتقديم الاقتراحات وربما التوصيات التي تتخذ طابع التعليمات بحكم خبرة الانتفاضة، وخبرة الحروب كاجتياح بيروت في العام 1982 وغيرها، لكنهم يفتقدون للطريقة التي تمكنهم من تحويل الأموال للأهل والأقارب.
الصحفي محمد هواش يظل ساعات طوال أمام شاشة الكمبيوتر، في بداية الأحداث كان للتعرف على ما يجري في الواقع من خلال شبكة من أقاربه المنتشرين في عدد من المدن السورية.
ومع دخول حلب التي تقطنها عائلته تغير نمط المتابعة، وصارت تأخذ طابعا لحظيا وعلى اتصال مع جميع أخوته في أماكن توزعهم المختلفة في المدينة حاضا بعضهم للانتقال من موقع إلى آخر، وشارحا لهم طريقة التخزين والتموين.
ويخلق انقطاع الإنترنت عن المدينة توترا كبيرا ولكن داخليا عند هواش، ويقوم بالاتصال أكثر من مرة من خلال الخط الأرضي، ولكنه لا يوفق كثيرا في ذلك ويضطر لإجراء العديد من المحاولات قبل أن ينجح في التقاط الخط.
ويظل هواش على اتصال مع كافة أفراد عائلته خارج سوريا عله يحصل على ما يطمئنه خاصة خلال الأسبوع الأخير، والتي شهدت انقطاعا كاملا للخطوط الأرضية والخلوية والإنترنت، وكل من يحصل على خبر ولو صغيرا يقوم بتعميمه على الكل.
النساء أكثر تعبيرا عن مشاعرهن في مثل هذه المواقف، وتستشعر القلق والخوف والتوتر باديا على وجوههن، ويقضين غالب وقتهن بين التلفزيون ومحاولات الاتصال التي تحتاج للساعات حتى يتمكن من التقاط الخط الدولي.
وتقول إيمان عبد الفتاح، "كل يوم نموت مئة موتة.. نصحو وننام على الأخبار وعلى الاتصالات، لا نستطيع أن نتنفس.. يقتلنا القلق والخوف على الأهل الموزعين في عدد من الأحياء الدمشقية".
وأضافت، "اعتمد بصورة رئيسية على أختي في قطر بالاتصال بهم لأن الخطوط هناك يبدو أنها أسهل من عندنا، مشيرة إلى أن القلق لم يعد فقط من القصف والمعارك، بل صار يمتد لقضايا الحياة اليومية فزوجة أخيها داهمها مخاض الولادة وهي حامل بتوأم، وبصعوبة شديدة تم إيصالها إلى أقرب مستشفى، ولكن بسبب عدم وجود حاضنة توفي أحد التوأمين، وتمكن الوالد من نقل ابنته إلى مستشفى آخر رغم الخطورة، ولا تزال حالتها حرجة".
طبيبة الأسنان وفاء خليفة، قالت، "ربما يكون القادم أسوأ، وربما يكون مصير الفلسطينيين في سوريا أسوأ مما كان في العراق، والقلق من المجهول القادم أقسى بما لا يقاس من القصف والدمار المحيط بهم".
وأضافت: "هذه المشاعر هي المسيطرة على جميع عائلتها والتي انتقلت من أحياء دمشق وتوجهت نحو المخيم وتقيم عند والدها، خاصة بعدما فقد عمها ابنه وحفيده في دمر، وبعدما أصيب ابن خالتها وهو يقوم بعملية إنقاذ في مجزرة اليرموك التي جرت بداية الشهر الجاري وابنة أختها بشظايا الزجاج المتطاير من القصف المدفعي في رقبتها أقعدتها البيت خوفا من الحركة".
وقالت، "إن توترها وقلقها يزداد مع سخونة المعارك وتجد نفسها تتسمر أمام شاشة التلفاز ويدها على الهاتف تحاول وتحاول الاتصال بأهلها ولكن في الأيام الهادئة نسبيا تحاول ممارسة حياتها بصورة طبيعية".
وأشارت خليفة إلى صعوبة الاتصال، فأحيانا تحاول أكثر من ساعتين دون أن تنجح في التقاط الخط الدولي، وأنها اكتسبت خبرة جديدة بحكم محاولاتها المتعددة أن أفضل وقت للاتصال صباحا وقبل الإفطار.
وقالت إنها تتابع واقع مخيم اليرموك حيث يسكن أهلها، من خلال مواقع الإنترنت الخاصة بالمخيمات، ومنها تطل على واقع الحياة اليومية ومعاناتهم وطريقة تنظيمهم لحياتهم رغم الألم، وتعطيها هذه المتابعة دفعة من الأمل وهى ترى إصرار الناس في المخيم على الحياة والاستمرار من خلال ترتيب قضايا القمامة والخبز وغيرها من حياة الناس اليومية.
ويبدو أن قدر الفلسطينيين أن يكون لهم وحسب المثل الشعبي "في كل عرس قرص"، وأن يكون منهم ضحايا في حروب الآخرين وكأن ضريبة الموت التي يدفعها الفلسطيني ثمنا لقضيته الوطنية لا تكفي ليساهم مع الشعوب التي احتضنته بعد النكبة وانصهر معها في حياتها اليومية بضرائب معاركها الداخلية.
قلق.. توتر جلوس بالساعات على الإنترنت وأمام شاشات التلفزة وغياب للرغبة بالحياة والمرح والتمتع بالأجواء الرمضانية، هو حال المواطنين العائدين من سوريا (فلسطينيي سوريا).
قلقهم وخوفهم على الأهل يكاد يقتلهم، فالجلوس بالساعات على الإنترنت لاصطياد أحد الأقارب والأهل على مواقع التواصل الاجتماعي للاطمئنان عليهم هم يومي ويكاد يكون لحظيا وأولوية تعلو على كل المهام الأخرى في الحياة.
ولم يعد همهم كما كان بداية الأحداث في سوريا الاطمئنان على شؤون حياتهم اليومية والتأكد أنهم ما زالوا بمنأى عن الأحداث، حيث كانت المخيمات الفلسطينية في سوريا تشكل ملاذا آمنا للمهاجرين السوريين إليها، ولم يعد همّ الاطمئنان على شؤون حياتهم اليومية على أهميتها، لأنها أصبحت شيئا ثانويا أمام هول الموت الرابض لهم بالمرصاد في مختلف المدن السورية والمخيمات الفلسطينية فيها.
ويزداد هذا التوتر مع اقتراب موعد العيد والذي تغيب مظاهره عن بيوت العديدين منهم، فهم لا يمتلكون النفسية ولا الروح للاحتفال والتحضير له.
الاقتتال القائم في سوريا زاد من تواصل العائدين من سوريا فيما بينهم، لا كما زاد من تواصلهم مع عائلاتهم من خلال الإنترنت وصارت الاتصالات يومية.
وذهب البعض منهم لتقديم النصائح للأهل في سوريا لمساعدتهم في تدبير شؤونهم وتقديم الاقتراحات وربما التوصيات التي تتخذ طابع التعليمات بحكم خبرة الانتفاضة، وخبرة الحروب كاجتياح بيروت في العام 1982 وغيرها، لكنهم يفتقدون للطريقة التي تمكنهم من تحويل الأموال للأهل والأقارب.
الصحفي محمد هواش يظل ساعات طوال أمام شاشة الكمبيوتر، في بداية الأحداث كان للتعرف على ما يجري في الواقع من خلال شبكة من أقاربه المنتشرين في عدد من المدن السورية.
ومع دخول حلب التي تقطنها عائلته تغير نمط المتابعة، وصارت تأخذ طابعا لحظيا وعلى اتصال مع جميع أخوته في أماكن توزعهم المختلفة في المدينة حاضا بعضهم للانتقال من موقع إلى آخر، وشارحا لهم طريقة التخزين والتموين.
ويخلق انقطاع الإنترنت عن المدينة توترا كبيرا ولكن داخليا عند هواش، ويقوم بالاتصال أكثر من مرة من خلال الخط الأرضي، ولكنه لا يوفق كثيرا في ذلك ويضطر لإجراء العديد من المحاولات قبل أن ينجح في التقاط الخط.
ويظل هواش على اتصال مع كافة أفراد عائلته خارج سوريا عله يحصل على ما يطمئنه خاصة خلال الأسبوع الأخير، والتي شهدت انقطاعا كاملا للخطوط الأرضية والخلوية والإنترنت، وكل من يحصل على خبر ولو صغيرا يقوم بتعميمه على الكل.
النساء أكثر تعبيرا عن مشاعرهن في مثل هذه المواقف، وتستشعر القلق والخوف والتوتر باديا على وجوههن، ويقضين غالب وقتهن بين التلفزيون ومحاولات الاتصال التي تحتاج للساعات حتى يتمكن من التقاط الخط الدولي.
وتقول إيمان عبد الفتاح، "كل يوم نموت مئة موتة.. نصحو وننام على الأخبار وعلى الاتصالات، لا نستطيع أن نتنفس.. يقتلنا القلق والخوف على الأهل الموزعين في عدد من الأحياء الدمشقية".
وأضافت، "اعتمد بصورة رئيسية على أختي في قطر بالاتصال بهم لأن الخطوط هناك يبدو أنها أسهل من عندنا، مشيرة إلى أن القلق لم يعد فقط من القصف والمعارك، بل صار يمتد لقضايا الحياة اليومية فزوجة أخيها داهمها مخاض الولادة وهي حامل بتوأم، وبصعوبة شديدة تم إيصالها إلى أقرب مستشفى، ولكن بسبب عدم وجود حاضنة توفي أحد التوأمين، وتمكن الوالد من نقل ابنته إلى مستشفى آخر رغم الخطورة، ولا تزال حالتها حرجة".
طبيبة الأسنان وفاء خليفة، قالت، "ربما يكون القادم أسوأ، وربما يكون مصير الفلسطينيين في سوريا أسوأ مما كان في العراق، والقلق من المجهول القادم أقسى بما لا يقاس من القصف والدمار المحيط بهم".
وأضافت: "هذه المشاعر هي المسيطرة على جميع عائلتها والتي انتقلت من أحياء دمشق وتوجهت نحو المخيم وتقيم عند والدها، خاصة بعدما فقد عمها ابنه وحفيده في دمر، وبعدما أصيب ابن خالتها وهو يقوم بعملية إنقاذ في مجزرة اليرموك التي جرت بداية الشهر الجاري وابنة أختها بشظايا الزجاج المتطاير من القصف المدفعي في رقبتها أقعدتها البيت خوفا من الحركة".
وقالت، "إن توترها وقلقها يزداد مع سخونة المعارك وتجد نفسها تتسمر أمام شاشة التلفاز ويدها على الهاتف تحاول وتحاول الاتصال بأهلها ولكن في الأيام الهادئة نسبيا تحاول ممارسة حياتها بصورة طبيعية".
وأشارت خليفة إلى صعوبة الاتصال، فأحيانا تحاول أكثر من ساعتين دون أن تنجح في التقاط الخط الدولي، وأنها اكتسبت خبرة جديدة بحكم محاولاتها المتعددة أن أفضل وقت للاتصال صباحا وقبل الإفطار.
وقالت إنها تتابع واقع مخيم اليرموك حيث يسكن أهلها، من خلال مواقع الإنترنت الخاصة بالمخيمات، ومنها تطل على واقع الحياة اليومية ومعاناتهم وطريقة تنظيمهم لحياتهم رغم الألم، وتعطيها هذه المتابعة دفعة من الأمل وهى ترى إصرار الناس في المخيم على الحياة والاستمرار من خلال ترتيب قضايا القمامة والخبز وغيرها من حياة الناس اليومية.
ويبدو أن قدر الفلسطينيين أن يكون لهم وحسب المثل الشعبي "في كل عرس قرص"، وأن يكون منهم ضحايا في حروب الآخرين وكأن ضريبة الموت التي يدفعها الفلسطيني ثمنا لقضيته الوطنية لا تكفي ليساهم مع الشعوب التي احتضنته بعد النكبة وانصهر معها في حياتها اليومية بضرائب معاركها الداخلية.