حقيقة التفلت الإسرائيلي على إيران- عدلي صادق
في الوقت الذي يتواصل فيه قرعهم لطبول حرب هجومية على إيران؛ يتشكّى الحاكمون في إسرائيل، عبر تقارير يوعزون بنشرها؛ من عدم جهوزيتهم لشن الحرب. والأمر هنا، لا يقتصر على امتثالهم للولايات المتحدة، التي لا ترغب في أن يقوم حلفاؤهم الإسرائيليون بهجوم لا ينوونه أصلاً. هم يلوّحون بالحرب وبطنين من الكلام، ابتزازاً للمزيد من المساعدات العسكرية والاقتصادية الأمريكية. ففي تقريرهم الأخير، جاء وصفهم لإسرائيل، شبيهاً لما تُوصف به دول العالم الثالث المتخلفة، أو دول الجنوب الرثة المأزومة: نقص كبير في الملاجئ، وعدم كفاءة جهاز الصحة، إذ تعاني المشافي من فقدان التحصين الذي يقيها من الهجمات الصاروخية، والاقتصاد الإسرائيلي لا يتمتع بالمناعة!
حتى سلاح الجو، الذي تحدثت تقارير سابقة عن تحقيق قفزات غير مسبوقة في تطويره؛ فإنه في حال تنفيذ الهجوم على المنشآت النووية الإيرانية، سيكون بصدد مهمة معقدة، ينعدم فيها عنصر المفاجأة الذي استفاد منه في هجومين سابقين دمرت فيهما منشأتين نوويتين (على العراق في العام 1981 وعلى سوريا في العام 2007).
وباعتبار أن هدف الهجوم على إيران، سيكون تدمير أربعة مواقع وليس موقعاً واحداً، فإن تقديراتهم تؤكد على الحاجة الى مئة طائرة هجومية متطورة، تقطع كل واحدة منها نحو 1300 كم وبالتالي فإن هذه الطائرات، في حاجة الى التزود بالوقود في الجو. ويقول الأمريكيون إن إسرائيل لا تمتلك العدد الكافي من طائرات الإمداد بالوقود في الجو. ثم إن ضرب المواقع الأربعة، يحتاج الى عدد كبير، لا تمتلكه إسرائيل، من القنابل العنقودية الذكية، التي تتقصى باطن الأرض وتنفجر داخل الاستحكامات في باطنها. والأمريكيون لن يزودوا إسرائيل بالمزيد من هكذا قنابل، لتنفيذ هجوم لا يريدونه.
أما المسارات، أو الخطوط التي ستسلكها الطائرات، فهي أيضاً حكاية عويصة. فهناك في خططهم، ثلاثة مسارات، واحد جنوبي، يمر بالأراضي السعودية، يرفض السعوديون السماح به. والثاني مسار شمالي، يمر عبر الأجواء التركية، وربما لن يتاح لهم بسبب التأزم في العلاقات بين انقرة وتل أبيب. أما المسار الأوسط أو المركزي، فهو مساران: واحد يمر بالأجواء السورية ثم العراقية. ومن جهة هذا المسار، هم يرون أن الدفاعات الجوية السورية، ستتصدى لهم وترسل الإنذارات للإيرانيين، عرفاناً من النظام بمعاونة إيران له، في مقاومته الشرسة لثورة الشعب. والأجواء العراقية آمنة في تقديرات سلاح الجو، لعدم امتلاك العراق لشبكة دفاع جوي متطورة. لكن مسار الهجوم المركزي الثاني، فهو عبر الأردن فالعراق وصولاً الى إيران. ويرى الإسرائيليون هذا المسار متاحاً، على قاعدة تقديرهم بأن البلد الأول سيغض الطَرْف، بينما الثاني لن يتنبه بسبب ضعف تجهيزاته.
هم يتحدثون كذلك، عن شبكة دفاع جوي إيرانية متطورة، وعن ترسانة صواريخ قريبة في لبنان وسوريا، وعن عدم كفاية الملاجئ.
أما عن الوضع الاقتصادي، فإنهم يتحدثون عن موازنة العام المقبل، ويلمحون الى أزمة اقتصادية كبيرة سيواجهونها، ويقولون ذلك استدراراً لمعونات أمريكية كبيرة. ويؤكدون على أن أية حرب تندلع مع إيران، من شأنها إحداث ركود عام، وتراجع في النمو، والاضطرار الى اعتماد برنامج تقشفي وصرف عشرات الألوف من العاملين، وسيتراجع تصنيف إسرائيل المعتمد لدى المؤسسات المالية الدولية.
في سيناريو الحرب، يطرح المحتلون الشيء ونقيضه. فمن جهة، يلعلع الخطاب الهجومي بلسان نتنياهو، بينما يتولى الخبراء الاقتصاديون والعسكريون، التحذير من مغبة الهجوم. وليس الفقدان الطوعي لعنصر المفاجأة، إلا واحداً من الأدلة على أن الهجمات لن تقع. وأوساط الصناعات العسكرية الأمريكية، في حاجة الى استمرار الدور الإيراني والى تضخيم "الفوبيا" وإخافة الجوار العربي من إيران، مع الاستمرار في إشغالها واستنـزافها في سوريا وإسقاطها أدبياً، بحكم تورط الحاكمين الإيرانيين في دم الشعب السوري، وفي سياق الإجهاز على مقومات الدولة السورية، وفي مقدمتها المؤسسة العسكرية.
إن هذا التفلت الإسرائيلي، هو بمثابة جعجعة بلا طحن، هدفها استغلال الملف النووي الإيراني في تعزيز قدرات إسرائيل، في موازاة التغييرات في الجوار العربي القريب. وبات ضعف الإيرانيين يكمن في سياساتهم، إن كان على صعيد تبني أجندات مذهبية في المنطقة، أو على صعيد التورط في الصراع في سوريا، الى جانب النظام الآيل للسقوط!
www.adlisadek.net
adlishaban@hotmail.com