الاحتلال يشدد إجراءاته العسكرية على حواجز نابلس    لازاريني: الأونروا هي الوصي الأمين على هوية لاجئي فلسطين وتاريخهم    شهداء في قصف الاحتلال منازل مواطنين في مدينة غزة    3 شهداء و10 مصابين في قصف الاحتلال شقة غرب غزة    الاحتلال يأخذ قياسات 3 منازل في قباطية جنوب جنين    فتح منطقة الشهيد عز الدين القسام الأولى والثانية إقليم جنين تستنكر قتل خارجين على القانون مواطنة داخل المدينة    استشهاد اب وأطفاله الثلاثة في قصف الاحتلال مخيم النصيرات    الاحتلال يواصل عدوانه على مدينة ومخيم طولكرم    الاحتلال يشدد من إجراءاته العسكرية شمال الضفة    50 شكوى حول العالم ضد جنود الاحتلال لارتكابهم جرائم في قطاع غزة    دائرة مناهضة الأبارتهايد تشيد بقرار محكمة برازيلية يقضي بإيقاف جندي إسرائيلي    المجلس الوطني يحذر من عواقب تنفيذ الاحتلال قراره بحظر "الأونروا"    14 شهيدا في قصف الاحتلال مناطق عدة من قطاع غزة    16 شهيدا في قصف للاحتلال على وسط قطاع غزة    نادي الأسير: المخاطر على مصير الدكتور أبو صفية تتضاعف بعد نفي الاحتلال وجود سجل يثبت اعتقاله  

نادي الأسير: المخاطر على مصير الدكتور أبو صفية تتضاعف بعد نفي الاحتلال وجود سجل يثبت اعتقاله

الآن

احذر ... منطقة رجرجة- عيسى قراقع

لا يوجد في نظام المواصلات في أي بلد في العالم، إشارة تقول للسائق:احذر منطقة رجرجة إلا في الأراضي الفلسطينية المحتلة، حيث تقع مناطق الرجرجة على مسافة قريبة من الحواجز العسكرية الإسرائيلية.
ترتج المركبات والسائقون وكل شيء فيها يرتجف حتى تصل الجنود المسلحون على الحاجز، ينظرون إلى الركاب، يتفحصون وجوههم وهوياتهم ولحاهم، يفتشون محتويات المركبة ، فإما أن يمر الركاب أو أن لا يمروا، وقد ينتظرون طويلا في طابور مزدحم من السيارات إلى حين يحرك أحد الجنود يده أو قدمه أو رأسه إيذانا بالمرور.
الرجرجة تستهدف تحريك كل شيء داخل المركبة ، الجسد والأغراض الشخصية، وما في بطون الحوامل، الجريدة والقلم والنظارة والهواء، الكل يهتز لبضع دقائق، يرتفع ويهبط فوق شارع مدبب، النائم يستيقظ، والمستيقظ ينتبه أكثر، يستعد للعبور مكتمل الارتجاج، مقتنعا أن الأرض ليست كروية بل مدببة،وحتى يصدق أنه لم يحجز عاريا في البركس.
جنود الحواجز يراقبون المترجرجين، التعليمات تقول أن كل فلسطيني هو قنبلة موقوتة، يخبئون المتفجرات بين ضلوعهم وفي أحشائهم ، وأحيانا يصير غضبهم ويأسهم بارودا وجحيما، ولهذا عليهم أن يترجرجوا ويتطهروا من الموت، قبل أن ينفجروا في موقع الحاجز.
الشعب الفلسطيني يترجرج في كل لحظة، الأرض ترتج وهي تخطف تحت أسنان الجرافات والبلدوزرات لصالح مستوطنات عابرة، والعين ترتج وتصاب بالعمى وهي تحاول النظر أبعد من مدى جدار عنصري شاهق، يحجب الطير والهواء والسماء ولون المكان.
الرجرجة نظام سياسي يضعك في اللايقين، سجين وليس سجين، تفتش بالالات في مناطقك الحساسة ، إلى أن يفقد جسدك حرارته ورنينه وتبرد رجرجته الساخنة نحو الحرية.
الرجرجة نظام يدعوك أن تنفض كل ما فيك من إنسانية وكرامة وأحلام قومية ، تخلع كل ما عليك وما فيك، وتقتنع أن جسدك ليس لك، مستلذا بما تقوم به يد الجندي من عبث في داخلك وعقلك ووعيك، كأنك لست أنت.
احذر... منطقة رجرجة ... لا تفكر بالسفر أو بالعمل أو بالحلم قبل أن يترجرج تفكيرك بين حصولك على تصريح من الأمن الإسرائيلي أو الدخول في المغامرة، لا تحاول أن تضيء قلبك في الزنزانة ، لأن المؤبد يرجرج الزمن ويرخي ظلمات طويلة بلا نهاية.
لا تنم مبكرا، لأن الرجرجة تأتيك الساعة الثالثة فجرا ، عندما يقتحم الجنود غرفة نومك، يبحثون عن أحلامك الممنوعة، وبقايا نعاسك وهو يمشي على السحاب.
احذر.. منطقة رجرجة ، حياتك منذ الولادة بدأت بالرجرجة، وتعلو أكثر كلما اقتربت من أسوار القدس أو البحر المتوسط، وحينها عليك أن تترك وراءك ذاكرة الحنين وأركان الصلاة الخمس، وتنسى رائحة الموج وشكل ذلك البيت.
إن توراة ملوك الرجرجة تسمح لك أن تصرخ وتغني وتطلق ما تشاء من الشعارات الوطنية، وتسمح لك أن تستعين ببعض الرموز والشكليات والاستعارات، بشرط أن لا تصل ارتجاجات أقوالك وأفعالك إلى حدود دولة إسرائيل الكبرى، فكل رجرجة زائدة لها قانون وإجراءات ولائحة اتهام ومحاكمة.
على كل فلسطيني أن يترجرج ، أن يعيش عبدا ويظن انه سيدا، أن يذهب إلى السجن ويظن أنه ذاهب إلى الدولة، أن يحمل رتبة وزير وينسى ما فعلته به تلك المجندة، فالرجرجة إيقاع متنوع بين الأفكار والمسافات، انخفاض في الأسئلة، وما عليك سوى أن تختار رجرجتك المناسبة وتتقن اختيار المسميات والصفات.
نحن شعب نترجرج كشهقات الشهداء، في الموت رجرجة، وفي الحياة رجرجة، وما بينهما يكتوي وعيك وتتشكل حالتك ، وتعتمد على مهاراتك المتقنة في خداعك للواقع وركوب الخيال، وعلى الحاجز عليك أن تنساب في الإجابات الواضحة: رقم هويتك، اسمك الخماسي، اسم أمك وزوجتك وأولادك ووجهة نومك بعد المساء.
أرى الناس يترجرجون، مهمومين من غلاء الأسعار وقبضة البنوك، رجرجات في الرواتب كل شهر ، ارتفاع في أقساط الجامعات، انقطاع في المياه والكهرباء، يترجرج الناس في سوق المفرقعات المستوردة من المستوطنات ، حيث تتمزق أصابع أطفالنا في حفلات الحرائق وأعراس الشواء.
الأخبار اليومية تطفح بالرجرجة،عدد النساء المقتولات يزداد، تصاعد حالات الانتحار ، ولا احد يقرأ لأن محمود درويش قد مات ، ننتظر ليلة القدر حتى الصباح ، بطالة متصاعدة وشبان عاطلون، لا طبقة وسطى ولا تنمية ، لا روح تضامنية دافئة، الكل يترجرج وسط همومه ومتاعبه الشخصية، الكل مريض ويطلب تحويلة للعلاج ، لم أر أحد يبتسم أو يغني.
الوضع السياسي مترجرج، مفاوضات ولا مفاوضات ، مصالحة ولا مصالحة، انتخابات ديمقراطية وحرية رأي وسيادة للقانون في ظل استمرار الاحتلال، أل نحن تترجرج في غموض التعريف بالمرحلة: مرحلة تحرر وطني أم مرحلة بناء الدولة والمجتمع المدني، البرنامج لا يستمر، والفكرة لا تصمد، كأننا نرحل من لحظة إلى لحظة، ولا نصل إلى أية لحظة.
رجرجة بين إقامة دولتين أو دولة ثنائية القومية، والدولة في الحالتين لا يبزغ لها أفق، أمام عنصرية بغيضة تمتد وتتسع في الجغرافيا والاقتصاد ومناهج التعليم في المدرسة ، وهي تنظر بعين واحدة إلينا نحن (الأغيار).
رجرجة بين المجهول والمعلوم، صار المعلوم في الحياة مجهولا وحامضا، فلا تدري من أنت على هذه الخارطة، ينطقون اسمك بالعبري، ويضعون على بيتك يافطة بالعبري ، كأنك بلا ذكريات وظلال.
رجرجة في وطن صار عقارا واستثمارا ومنفضة لبضائع المستوطنين، مستباحا من سماسرة الأراضي، لا طابو هنا ولا بئر ماء، كأن فلسطين صارت أرملة على يد أعدائها وأصدقائها، ترقص بحثا عن مديح في الرثاء.
احذر.. منطقة رجرجة ، أمامك موت نائم قد يصحو، رصاصة جاهزة في بندقية مصوبة نحوك، كل شيء يصبح مؤجلا الآن حتى تعبر وتلحق بالحياة التي هربت منك قبل قليل.
احذر... منطقة رجرجة، كن أعمى، ترى ولا ترى، تتألم ولا تتألم، لا ترى شجرة زيتون قطعت، ولا ترى بيوتا عربية في القدس والخليل يسكنها غلاة المستوطنين، لا ترى المارين عبر (معاطة) التفتيش، لا تسمع صرخة إحدى النساء، لا تكن بشريا منذ الآن.
 وزير شؤون الأسرى والمحررين

إقرأ أيضاً

الأكثر زيارة

Developed by MONGID | Software House جميع الحقوق محفوظة لـمفوضية العلاقات الوطنية © 2025