هنيّة الى "عدم الانحياز": كفى عبثاً أيها الملالي- عدلي صادق
ربما يرى بعض السطحيين، في طهران وغزة، أن دعوة اسماعيل هنية، الى قمة عدم الانحياز في إيران؛ ستُعلي من شأن حكومة أحمدي نجاد وسلطة "حماس" في غزة. الأولى ترغب في التأكيد على أنها حليفة "المقاومة" التي لا تقاوم، لكي تصبح مؤشرات هذا التحالف، سبباً في إيهام السذج، بأن المجازر التي حصدت حتى الآن، أرواح ثلاثين ألف إنسان في سوريا ودمرتها، هي الأفق الطبيعي والمنطقي الذي يفتح طريق تحرير القدس، والثانية (سلطة الأمر الواقع في غزة) تتطلع الى مكانة إقليمية على قاعدة أن بذرتها الأولى نبتت في حقل انتخابي ديمقراطي، والإيحاء بأن صدودها عن المصالحة، إنما هو لأسباب مبدئية!
الإيرانيون، بدعوتهم لهنية، يخالفون قواعد العمل في مؤتمرات كتلة عدم الانحياز، حيث لا يحق للدول المضيفة للمؤتمرات، أن تُعيد هيكلة سلطات الدول المدعوّة، لأن لائحة مكتب التنسيق تمنع ذلك وتعتبره تدخلاً فظاً في شؤون الأمم، يخالف مبادئ حركة عدم الانحياز. فالدولة المضيفة، حتى وإن كانت على خصومة مع نظام، أو حتى لا تعترف به، فهي مضطرة لدعوته، وليس دعوة الحزب الذي تقيم علاقات معه. ثم إن حركة عدم الانحياز، هي ابنة شرعية لحركات التحرر والدول المساندة لها منذ زمن الحرب الباردة، أيام كانت جماعة "الإخوان" في خندق أصدقاء الغرب الاستعماري، وبعد ذلك في السنوات التي كانت فيها منظمة التحرير الفلسطينية، تفتح معسكراتها لتدريب عناصر الثورة الإيرانية في زمن طفولتها عندما كانت تحبو، وبادرت الى تزويد الثورة الإيرانية التي شبت عن الطوق، بعشرين ألف بندقية على الأقل، فضلاً عن الدعم السياسي والمعنوي وإقامة الجسور لها، مع دول حركات التحرر المنتصرة والمستقلة!
عيب على نظام الملالي في إيران، أن يتعاطى مع الوضع الفلسطيني، بأسلوب من شأنه تعميق الانقسام، ونقل الخلافات الفلسطينية الداخلية الى المنابر الدولية. فإن كان هنية هو رئيس حكومة الأمر الواقع في غزة، فإن من كلفه في المرة الأولى قبل الانقلاب، هو الرئيس محمود عباس، بتزكية رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس". ومثل هذا السلوك المجرد من قيمة الوفاء، يرقى الى الغدر، وهو يدخل في الاتجاه المعاكس على خط الوقائع التي ستصبح تاريخاً. فالجماعة، ستجد نفسها مضطرة الى مجافاة إيران والركون الى خندق المعترضين على دورها في المنطقة. ففي الحسابات "الإخوانية" البحتة، المتعلقة بالموضوع السوري؛ نجحت إيران حتى الآن، بأموالها، في أن تحشر الحلقة الفلسطينية من "الإخوان" في زاوية لا تُحسد عليها، بـ "شراء" صمتها حيال ذبح إخوتها السوريين، فيما شقيقتها الحلقة السورية من "الإخوان" انخرطت في صراع مع نظام كافر مستبد، تجاوز نطاق التخيل "الإبداعي" في تخليق مسارات للجريمة والفتنة والدسيسة. وعندما يقف "إخوان" فلسطين، غير مبالين، ومنتعشين بعلاقات حميمة مع نظام الملالي الطائفيين، المشارك في القتل في سوريا؛ فإنهم يجسّدون الحماقة كمن يبل حزامه عندما يشرب جرعة ماء. والحماقة الأكبر، ترتسم عندما يتصور هؤلاء، أن المستقبل لهم، مستأنسين بما تأتى لحلقات "الجماعة" في لحظات ملتبسة وبتأثير مشاعر الإحساس الجمعي لدى الناس، بمظلوميات الإسلاميين، في أقطار عربية. ربما يكفي المظلوم، أن يكون مظلوماً لبعض الوقت، لكي يربح في اللحظة الأولى من الحرية. لكن مظلومياته وحقائق تحالفاته، وخياراته الاقتصادية والاجتماعية، وانكشاف تحالفاته السياسية الحقيقية، لن تكفيه، لأن يصبح مع مرور الأيام ظالماً مستريحاً لا ينفجر في وجهه الشعب.
اسماعيل هنية، ربما لم يرغب في التفكير في أبعاد الدعوة ومآلاتها وانعكاساتها على الكيانية الفلسطينية، ولا في قانونيتها حسب قواعد عمل حركة عدم الانحياز. يبدو أن كل ما اجتذبه في الموضوع، هو الاستقبال الرئاسي لشخصه، حيث ترتسم الابتسامات العريضة وتُرسم إشارة النصر. هو يريد أن يبدأ من حيث بدأ الشهيد ياسر عرفات. لا يعنيه أن العالم تغيّر، وأنه لا راح ولا جاء، ولا نام أو قام، على حواف الجبال، يجمع المقاتلين ويبني ثورة، حولّت فلسطين، من قضية لاجئين، في حجم خيمة، شأنها شأن ألف قضية في العالم؛ الى أهم قضية دولية في القرن العشرين.
العاقل، يبدأ من حيث انتهى الآخرون، ولا تخدعه ألاعيب نظام موتور، له مواويل تطمح كلها الى تكريس قوس جغرافي يأتمر بأمره، يبدأ في مدينة قم، وينتهي في صور اللبنانية، مروراً بالعراق وسوريا. ولم نكن سنعارض ذلك، في حال التطلع الى تحرير فلسطين حقاً، ولو كان الملالي يتسمون بالعدالة ولم يكونوا طائفيين. لكن هاجسهم يتمثل تعقيدات التاريخ الإسلامي منذ سقيفة بني ساعدة وبيعة أبي بكر، بعد وفاة الرسول في العام 632 م الى اليوم، وينظر للأوطان وللشعوب بمنطق ثأري.
لو كان الأمر بيدي، لرفضت أن يحضر وفد فلسطيني برئاسة الرئيس عباس أو سواه من منظمة التحرير الفلسطينية، الى مؤتمر عدم الانحياز في طهران، في حال دعوة هنية، لأن في ذلك مخالفة لقواعد استضافة المؤتمر وتوجيه الدعوات، وإساءة لشكل ومضمون الكيانية الفلسطينية. ما ينبغي أن نفعله، هو تقديم مذكرة للدول الأعضاء في حركة عدم الانحياز، تشرح الأضرار الناجمة عن هكذا سلوك إيراني منفرد، يريد محمود أحمدي نجاد، أن يسحبه على واقع التمثيل الفلسطيني في منظمة دولية مهمة.
نقبل من إيران، أن تلتمس من الرئيس عباس اصطحاب رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" الى المؤتمر ضمن الوفد الفلسطيني. فالإيرانيون يتجاوزون حتى التراتبية الحمساوية، وهم يعرفون أن الحركة التي تحكم في غزة، على إثر انقلابها الدامي، لها قيادة سياسية. لكن الحاكمين الإيرانيين، يريدون حتى تهميش خالد مشعل، بسبب ما رصدوه من تبدلات سياسية عقلانية في مواقفه، جعلته "يخلع" من تحت خيمة الشبيحة في سوريا وينحاز لأمته.
إيران تمر بظروف صعبة، بصرف النظر عن أسبابها. هي في حاجة الى تعاطف الأمتين العربية والإسلامية معها. المنحنى النازل، لهذا التعاطف، بسبب الموقف المروّع من شعب سوريا الثائر، يبتعد كثيراً في هبوطه عن مستوى التعاطف مع الملالي، أيام الثورة الإسلامية. ومع ذلك، فإن موقفنا هو رفض التلويح بالحرب على إيران. وفي حال مهاجمتها ـ وهذا ما نستبعده ـ فإن موقف كاتب هذه السطور شخصياً، هو أن يُمنى المهاجمون بالهزيمة، لأنه ليس هناك أخطر من الصهيوينة وبخاصة في طبعتها الأشد عنصرية وتطرفاً. ومع ذلك نقول للإيرانيين كفى عبثاً بالمنطقة وكفى تلاعباً بالمعاني وبالخطابات، لتمرير أجندات سوداء في قلب المشرق العربي.
www.adlisadek.net
adlishaban@hotmail.com