مدن تحت صفيح ساخن- فؤاد ابو حجلة
نعترف بخجل أن سبعة عقود محشوة بالبذخ والترف منذ اكتشاف النفط في الصحراء العربية لم تكن كافية لتقليل نسبة الفقر في الوطن العربي، ناهيك عن انهاء الفقر بشكل كامل وتحقيق الرخاء والرفاهية للشعوب العربية.
نعترف أيضا بخجل شديد أن مجموع اقتصاداتنا العربية لا يتساوى مع اقتصاد دولة صناعية واحدة في أوروبا، وأن حصة الفرد العربي من المياه والطاقة والدخل القومي تقل بنسبة مستفزة عن حصة الفرد في أي دولة من دول العالم الثاني.
لم ينقلنا النفط من تصنيفنا في ذيل قائمة الدول المصنفة في العالم الثالث، ويبدو أن هذا النفط ساهم بشكل أو بآخر في بقائنا ضمن هذا التصنيف لأنه رسخ في مجتمعاتنا قيم الاستهلاك والاتكالية لدى الدول المنتجة وأعراف التسول وانتظار المعونة لدى الدول القائمة على أطاريف الآبار السوداء.
وها نحن في العقد الثاني من الألفية الثالثة نستسلم لواقعنا ونضطر للتعايش مع فقرنا والقبول بحياة الملايين من إخوتنا في مدن الصفيح في العواصم الزاهرة. وحين ندعو لبعض الإنصاف والعدالة في توزيع الثروة العربية ينقض علينا أهل الحكم وأهل الحركات والأحزاب الدينية، ويتهموننا بالكفر والإلحاد ومعصية رب العباد.
لا أريد التورط في الجدل العقيم لكنني مؤمن بأن الله سبحانه وتعالى عادل ورحيم بعباده، ومن يظلم المسلمين فإنه يمارس المعصية ويكفر بنعمة الله.
عيب وعار على الأمة أن تتكدس أرصدة الأثرياء العرب، دولا وأفرادا، في بنوك الغرب بينما يتقلى الأطفال العرب على التراب الملتهب تحت الصفيح الذي يكاد ينصهر من شدة الحر في هذا الصيف المبالغ في قسوته.
وعيب على العرب أن يقيموا الولائم في لندن وواشنطن وملايين الأطفال العرب محرومون من رضعة الحليب في جيوب الفقر في مصر والمغرب وفي المدن المحاصرة في سوريا وفي المناطق النائية عن كل شيء في الصومال والسودان.
لكن العيب ليس مقياسا في الربيع العربي، فالذين يكتبون الشيكات على بياض لدعاة تغيير النظام في سوريا، وينفقون مليارات الدولارات للإطاحة بحاكم فاسد، كانوا يتعذرون بضعف الموازنة حين يتعلق الأمر بدعم المقاومة الفلسطينية.
العرب ينفقون بقرارات اميركية، ويبدو أن المقاومة وسكان مدن الصفيح ليسوا مدرجين على قائمة النخوة العربية المرعية أميركيا، لذا فإن المنطقة كلها ستظل على صفيح ساخن.