الاحتلال يشدد إجراءاته العسكرية على حواجز نابلس    لازاريني: الأونروا هي الوصي الأمين على هوية لاجئي فلسطين وتاريخهم    شهداء في قصف الاحتلال منازل مواطنين في مدينة غزة    3 شهداء و10 مصابين في قصف الاحتلال شقة غرب غزة    الاحتلال يأخذ قياسات 3 منازل في قباطية جنوب جنين    فتح منطقة الشهيد عز الدين القسام الأولى والثانية إقليم جنين تستنكر قتل خارجين على القانون مواطنة داخل المدينة    استشهاد اب وأطفاله الثلاثة في قصف الاحتلال مخيم النصيرات    الاحتلال يواصل عدوانه على مدينة ومخيم طولكرم    الاحتلال يشدد من إجراءاته العسكرية شمال الضفة    50 شكوى حول العالم ضد جنود الاحتلال لارتكابهم جرائم في قطاع غزة    دائرة مناهضة الأبارتهايد تشيد بقرار محكمة برازيلية يقضي بإيقاف جندي إسرائيلي    المجلس الوطني يحذر من عواقب تنفيذ الاحتلال قراره بحظر "الأونروا"    14 شهيدا في قصف الاحتلال مناطق عدة من قطاع غزة    16 شهيدا في قصف للاحتلال على وسط قطاع غزة    نادي الأسير: المخاطر على مصير الدكتور أبو صفية تتضاعف بعد نفي الاحتلال وجود سجل يثبت اعتقاله  

نادي الأسير: المخاطر على مصير الدكتور أبو صفية تتضاعف بعد نفي الاحتلال وجود سجل يثبت اعتقاله

الآن

أنتم يا من هناك.. بقلم: احمد دحبور

لا أدري ما اذا كان في أبناء جيلي، هنا، من يذكر ذلك العنوان الموحي: أنتم يا من هناك.. وهو عنوان مسرحية او قصة قصيرة، لست متأكداً، للكاتب الاميركي الشهير ذي الاصل الأرمني. لقد قرأت ذلك العمل وأنا في مقتبل العمر، فلم يبق منه في الذاكرة الا صدى العنوان الذي يعبر عن توق الانسان الى التواصل مع آخرين لا يعرفهم. انهم قريبون منه، يتكلمون لغته، لكنهم منصرفون عنه الى أشغالهم وهمومهم، حتى اذا خطر له ان يناديهم او ان ينادي بعضهم، فوجئ بأنه لا يعرف من ينادي، فاكتفى بالصرخة الدرامية: أنتم يا من هناك..
وأذكر انني عندما انتقلت من حمص، المدينة الحنون التي آوت طفولتي ويفاعي، شعرت بما شعر بطل وليم سارويان، فقد وجدتني يومذاك في دمشق، المدينة الكبيرة الواسعة في خيالي، ولم أكن أملك مفاتيحها الاجتماعية في ذلك الحين، فكنت اتصور ان أهل العاصمة لا يكترث أحدهم بأحد، وواقع الأمر اني لم أكن متمكناً من الدخول على هذا العالم الجديد، فكان لسان حالي الصامت يقول: تعالوا.. أنتم يا من هناك..
وقد فوجئت بعد يقظة الوعي، ان دمشق مدينة شديدة الألفة، حتى ان البقال فيها يحيلك على جاره لتشتري منه، فهو قد فتح نهاره على الرزق ومن حق جاره ان يستفتح بالخير كذلك، ثم ان المرأة الدمشقية كثيرا ما كانت ترسل مع اولادها بعض طعامها اليومي الى جارتها لان الممالحة جزء من آداب البلد وتقاليده، يا الله، كنت اتساءل في نفسي: كم كنت جاهلا بهذه المدينة الطيبة التي تسمى بحق أم الغريب، وكنت أدهش من سذاجتي حين كدت اصرخ في الشوارع بحثا عن الناس: أنتم يا من هناك..
سأذكر بعد ذلك وأكرر لكل مناسبة ومن غير مناسبة، قولة الشاعر الراحل صلاح عبد الصبور: ألا ما أجمل الانسان حين يشم في الانسان ريح الود والألفة.. ولكن اين هذا الود، وكيف أحصل على تلك الألفة؟ تزورني هذه الخواطر والافكار، منذ بضعة شهور، اي منذ ان استقر بي المقام في مدينة رام الله. فبعد هذه الشهور أكتشف اني لم أعرف أحداً من جيراني، وأسأل معارفي القدامى ممن وجدوا أنفسهم يقيمون في هذه المدينة، فإذا بالشكوى هي نفسها: لا نعرف أحداً هنا، ولا أحد يطرق باب أحد، أهي ضريبة الاقامة في المدن الحديثة؟ ولكن من قال ذلك: ان غزة مدينة حديثة ببحرها ومقاهيها وأوساطها المتنوعة، ولكنني حين أقمت فيها، قبل سنوات، حظيت بصداقات ومعارف متنوعة خلال ايام قليلة، فالقصة قصة الامساك بالمفاتيح الاجتماعية، تراني لم استطع الامساك بالمفتاح في رام الله؟
ولكن الطريف ان الطارئين على المدينة، فيما هم يشكون من عزلة ما، يعترفون بأنهم لا يتزاورون فيما بينهم، فقد أصبحوا جزءاً من الحالة، وأصبح الطارئ الجديد يشكو من انهم كبقيةالسكان قد دخلوا في مغطس المدينة الحديثة، وانفرد كل منهم في شأنه الخاص وهكذا أجدني استعيد العلاقة بين حمص ودمشق، أيام كنت لا أكف عن التغزل بحمص العدية، والشكوى من جفاء العاصمة، فاذا بدمشق حين تفتح ابوابها تكون أكثر ألفة.
هل المشكلة عندي في هذه الحالة؟ ولماذا لا أبادر فأطرق أول باب أصادفه بحثاً عن جار سيصبح صديقاً ذات يوم؟ ان المكابرة لا تسمح بهذه المبادرة، والارتياب سيكون حاضرا لو افتعلت ذلك الحضور الاجتماعي، على انني أتأمل المدينة الجافية فأراها وادعة لها همومها وأسئلتها وظروفها القاسية او المريحة، فالناس أسرار كما يقول أشقاؤنا في مصر، ولا أملك الا الانتظار، انتظار ماذا؟ ان يطرق بابي أحد لا أعرفه؟ ان أملك المفتاح الخفي للدخول من الابواب الموصدة؟ أم أقف في شارع الارسال مثلاً مفتوح الذراعين وأنادي بملء صوتي: أنتم يا من هناك..؟ ألا هل بلغت؟ هل سمعني أحد منكم.. أنتم يا من هناك؟

إقرأ أيضاً

الأكثر زيارة

Developed by MONGID | Software House جميع الحقوق محفوظة لـمفوضية العلاقات الوطنية © 2025