الحرية دائماً حمراء.. - فؤاد أبو حجلة
في ذكرى استشهاد القائد الجبهاوي أبو علي مصطفى خطت ريشة الفنان المبدع محمد سباعنة باللون الأحمر القاني لوحة تعبر بصدق ودقة عن الاقتران بين الحرية وبين روادها وحاملي شعلتها والمخلصين لها حد شرائها بالروح.
ولعل سباعنة هذا الفنان الشاب الذي ما فتئ يدهشني منذ رأيت رسمته الكاريكاتورية الأولى، يعرف تماما ما الذي تعنيه ذكرى أبو علي لشعب حر يعيش في محيط يخشى حريته، لذا فإنه يخرج من أسر الاغواء الكوميدي للكاريكاتور إلى فضاء التوثيق الجمالي لذكرى الرحيل الموجع. وربما كان وجود هذا الالتزام الوطني بالحرية كقيمة عليا يؤكد أن دم أبي علي لم يذهب هدرا، وأن ما عاش الرفيق الشهيد من أجل تحقيقه يترسخ في حياتنا مقاومة وسياسة وثقافة وابداعا.
لا اريد الخوض كثيرا في دوافع العدو لاغتيال الشهيد أبو علي مصطفى، لأن هذه الدوافع كثيرة فقد كان الشهيد مناضلا صلبا في مواجهة الاحتلال والمشروع الصهيوني برمته، لكن هناك مناضلين آخرين من رفاق الشهيد وأقرانه في العمل الوطني الفلسطيني ممن لا يرتقي الشك الى مستوى وعيهم النضالي وصمودهم وتضحياتهم الكبيرة، وقد كان الشهيد رمزا للموقف الحدي والمبدئي في مسيرة الثورة الفلسطينية لكن هناك آخرين من رفاق الشهيد وأبناء جيله في المقاومة ممن سطروا صفحات ناصعة في تاريخ النضال الوطني..
الأسباب كثيرة، لكن أهمها من وجهة نظري يكمن في أخلاق الشهيد أبو علي وزهده في الدنيا، ومن كان يعرف الشهيد يعي تماما مستوى هذا الزهد الثوري الذي بلغ أكثر ما يمكن لانسان أن يبلغه من تمثل لنبض الناس وجماهير الثورة.
كان أبو علي الفلاح الفلسطيني المخضر قلبه بعشب «يعبد» أصيلا حتى في خطابه وفي لهجته وفي حبه للتراب ومن على هذا التراب المقدس. وكان أقرب ما يكون إنسان الى نموذج القداسة الثورية، فقتلوه بأشد اسلحتهم فتكا، وكأنهم كانوا يريدون صهر وتذويب أفكاره ورؤاه بانفجار الصاروخ الغادر.
سباعنة يعي ذلك جيدا، ويثق أيضا أن الحرية لا بد أن تكون حمراء بلون دم الشهداء، فيرسم تخليدا للحرية من خلال صورة الشهيد أبو علي الذي علمنا كيف يكون الحب خالصا لوجه الأرض.
الحرية دائما حمراء.. وقد أثبت أبو علي مصطفى هذه الحقيقة.