نافذة - القاهرة في أيلول- فؤاد أبو حجلة
في القاهرة حر وأزمة مواصلات وبشر يكتظون في الشوارع والأسواق ومقاهٍ شعبية لا تستوعب روادها فتتمدد الى الرصيف ثم تزحف الى اسفلت الشارع.
وفي القاهرة جموع مليونية تعبر بالبسمة عن رضاها بالحاضر وتفاؤلها بالمستقبل، وعقائديون يتمسكون بخطابهم الثوري وما بعد الثوري.. وتعايش سلمي غير ممكن في أي بلد آخر بين النقائض الواضحة.
هنا، تعبر عن رأيك وتدافع عنه فلا ينفض عنك أصدقاء يخالفونك في ما تقول. وهنا ينظم الاشتراكيون الثوريون التروتسكيون اعتصاما في ميدان طلعت حرب ولا يتحرش بهم الاخوان المسلمون الخارجون من المساجد القريبة بعد صلاة الجمعة.
في شوارع وسط البلد تتداخل الشعارات المرفوعة، ويختلط صوت عبد الباسط عبد الصمد مع صوت مارسيل خليفة.. ويمضي الناس في حياتهم متكئين على هذا التنوع المطمئن.
بين مقهى ريش ومطعم الغريون مسافة قصيرة يقطعها المشاة في اقل من ربع ساعة، لكن صديقي الصحفي المحتفي بزيارتي يصرعلى اصطحابي في سيارته.. فنصل بعد ساعة ونصف الساعة! وفي المطعم الذي يلتقي فيه المثقفون يتداول الأصدقاء أمور الساعة.. وليس في هذه الساعة ما هو أهم من قصة نخنوج كبير البلطجية الذي تم اعتقاله قبل أيام وانشغلت بأخباره كل الصحف المصرية.
الجميع هنا مهتمون بنخنوخ، ولكثرة ما سمعت اسمه في حوار الغريون شعرت أنني تنخنخت تماما، فهذا البلطجي لغز جديد يضاف الى قائمة طويلة من الألغاز التي يصعب حلها، فهو صديق لكل رموز السياسة والفن والرياضة في مصر، ولديه ما يثبت ذلك بالصور، وهو متعهد بلطجة ويقول المعارضون انه كان وراء «معركة الجمل» ويقصدون اعتداء البلطجية الممتطين للخيول والجمال على المتظاهرين في ميدان التحرير خلال الثورة.
بصراحة، تأثرت كثيرا بنخنوخ وازداد فضولي لمعرفة سر هذه الشخصية الدرامية المؤثرة في وقائع الصراع السياسي والأمني، وأدهشني ما عرفته عن قدراته، فهو كان يملك مجمعا للفلل وليس فيلا واحدة في الاسكندرية، وفي هذا المجمع كان هناك ملهى ليلي خاص به وبأصدقائه، وكان هناك أيضا حديقة حيوانات تضم اسودا ونمورا وحيوانات كاسرة وثلاث زرافات في الوقت الذي ظلت فيه حديقة الحيوان في القاهرة بلا زرافة طيلة ثلاث سنوات بعد أن ماتت الزرافة الوحيدة في الحديقة بسبب كبر السن!
لأول مرة يتراجع الحوار السياسي والثقافي في جلساتنا لصالح البحث في الظاهرة النخنوخية، ولأول مرة يسترسل صديقي الناقد الأدبي في الحديث عن الزرافات بدلا من تشريح قصيدة النثر.
في القاهرة 2012 حر وأزمة مواصلات لكن الناس مشغولين بقضية نخنوخ.