في انتظار الاخبار -محمود ابو الهيجاء
في كل يوم، يتنقل معظم الناس بين قنوات الاخبار الفضائية، بحثا عن خبر جديد, خبر يقلب طاولة الأحداث في المنطقة كلها رأسا على عقب، خبر يسقط الذبح والفوضى، ويفتح أبواب الحرية والديمقراطية الحقة، لكن الاخبار هي ذاتها كل يوم تقريبا، وما من طاولة تقلب، ولا من تطور ينبئ بفرج قريب. كان هذا هو موضوع حوار بيني وبين صديق عزيز، وبدأ الحوار بسخرية من اجتماعات إقليمية وأخرى دولية، على اعتبار انها سترفع «الزير من البير» وتأتي بما لم يأت به عالم او خبير، ومنها قمة دول عدم الانحياز ، والاجتماع الأخير لمجلس الامن الدولي، لكن القمة انتهت، وانهى المجلس الفخيم اجتماعه وما من شيء قد حدث، لا على صعيد عدم الانحياز، ولا على صعيد الوضع في سوريا، فقلنا وما العمل الآن اذا؟
على الاغلب سننتظر اجتماعات اخرى، وقمماً ثانية، ومن المؤكد أننا سنواصل تقليب القنوات الفضائية بحثا عن خبر "جودو" الذي ما زال لا يأتي، والذي كان "صمويل بيكيت" قد حسم أمره في مسرحيته الشهيرة بانه لن يأتي ابدا.
لكن لماذا نتابع يوميا نشرات الاخبار وبمثل هذا النهم، ونحن لا نفعل شيئا نحو ما نرى من تكرار لمشهد الدم ؟ كأننا نبحث عن خلاص من ضيق حالنا كمتفرجين، نريد نهاية للمظالم والمذابح حتى لا تطاردنا أسئلة المذبوحين وصرخاتهم التي تتكرر مع كل مشهد : الله أكبر يا عرب، أين أنتم ؟ لا نريد لهذا الصراخ أن يلاحقنا ونحن لم نعد نحسن غير الجلوس والفرجة، قد ندمع قليلا ونتحسر كثيرا ونلعن القتلة والظالمين، لكننا نظل على مقاعدنا جالسين، لنتابع بعد نشرة الأخبار، المسلسل الجديد الذي لا علاقة له بالواقع الذي نعرف ونعيش، لا من قريب ولا من بعيد، وخاصة هذه المسلسلات المدبلجة التركية وغيرها، لا بل ان الكثير من المسلسلات العربية هي الأخرى مدبلجة على نحو تشويه الواقع وعلاقاته وحاله الراهن.
صدقوني، بات الخلل خطيرا حتى على صعيدنا الانثربولوجي، وكل ذلك من أجل ان تزدهر تجارة هذا العصر، تجارة الكلام المتلفز الذي لايصب في المحصلة الا في خدمة اعلانات السلعة الاستهلاكية، لا في خدمة الاستثمار الانتاجي ومشاريعه النهضوية، ودائما الحديث يطول لو شئنا ابحارا في شؤونه المختلفة، بجدية وارادة وعزم الباحث عن مخرج وحل، فهل نفعل ؟