الاحتلال يشدد إجراءاته العسكرية على حواجز نابلس    لازاريني: الأونروا هي الوصي الأمين على هوية لاجئي فلسطين وتاريخهم    شهداء في قصف الاحتلال منازل مواطنين في مدينة غزة    3 شهداء و10 مصابين في قصف الاحتلال شقة غرب غزة    الاحتلال يأخذ قياسات 3 منازل في قباطية جنوب جنين    فتح منطقة الشهيد عز الدين القسام الأولى والثانية إقليم جنين تستنكر قتل خارجين على القانون مواطنة داخل المدينة    استشهاد اب وأطفاله الثلاثة في قصف الاحتلال مخيم النصيرات    الاحتلال يواصل عدوانه على مدينة ومخيم طولكرم    الاحتلال يشدد من إجراءاته العسكرية شمال الضفة    50 شكوى حول العالم ضد جنود الاحتلال لارتكابهم جرائم في قطاع غزة    دائرة مناهضة الأبارتهايد تشيد بقرار محكمة برازيلية يقضي بإيقاف جندي إسرائيلي    المجلس الوطني يحذر من عواقب تنفيذ الاحتلال قراره بحظر "الأونروا"    14 شهيدا في قصف الاحتلال مناطق عدة من قطاع غزة    16 شهيدا في قصف للاحتلال على وسط قطاع غزة    نادي الأسير: المخاطر على مصير الدكتور أبو صفية تتضاعف بعد نفي الاحتلال وجود سجل يثبت اعتقاله  

نادي الأسير: المخاطر على مصير الدكتور أبو صفية تتضاعف بعد نفي الاحتلال وجود سجل يثبت اعتقاله

الآن

روسيا في سوريا - أحمد دحبور

ليس من الطبيعي أن يدور نوع من حوار الطرشان بين طرفين يعتمد عملهما أساساً على الحوار والأخذ والعطاء. ولكن هذا ما حدث، للمفارقة، يوم السبت الفائت بين الأخضر الإبراهيمي، المبعوث العربي الدولي إلى سوريا، وسيرجي لافروف وزير خارجية روسيا. على أن الرجلين لم يجتمعا، ولم يدر بينهما حديث مباشر.. إنه كما نوهت، حوار طرشان غير مقصود.
فحين يقوم الأخضر الإبراهيمي بدعوة النظام السوري إلى وقف النار التي تأكل الأخضر واليابس في قلب العروبة النابض، ينبري سيرجي لافروف مؤكداً أنه من السذاجة أن يطلب أحد من النظام السوري أن يوقف إطلاق النار أولاً. وهو في كلامه هذا لم يكن يخاطب المبعوث العربي الدولي، ولم يكن قد سمع بتصريحه أصلاً، بل إنه يعيد إنتاج الموقف الروسي المنحاز كلية إلى النظام السوري من غير قيد أو شرط.
والمتأمل في تصريح لافروف إذا حاول صرف تصريحه سياسياً، لا يجد إلا تفسيراً واحداً، هو أن روسيا ليست معنية بوقف النزف السوري، بل هي ملتزمة بمبدأ الغالب والمغلوب على أن يكون النظام هو الغالب، بمعنى أن الحل الأمني هو الحل الأنجع الأوحد، بدليل أن تدفق الأسلحة الروسية على سوريا مستمر، حتى لو سمعنا تصريحاً مسلياً ذات يوم من لافروف نفسه أن روسيا قد توقف إمداد حكومة دمشق بالأسلحة ولا سيما الجوية منها؟؟!.
وعابر الطريق يعلم أن هذه الأسلحة ليست صدقة عن روح أم بوتين، بل هي صكوك دين يتجرعها الشعب السوري حتى آخر مليم. وهو ما يحثنا على إعادة النظر في مفهوم الصداقة الدولية، إذ انه من الوهم أن نصدق خطاب الصداقة الروسي الراهن إلى سوريا. لأن الصديق الحقيقي هو من صدقك، لا من يدفعك باسم هذه الصداقة العجيبة، إلى الاحتراق في أتون حرب أهلية لا تبقي ولا تذر، ولأن الخاسر الأول، بل الوحيد، من هذا الجنون الدموي هو الدولة السورية بكل مكونات كيانها، بل إنه مخطئ من تسول نفسه له بأن محباً لسوريا العربية الأبية سيفرح بخبر سقوط قتيل سوري واحد، سواء أكان جندياً نظامياً أم مقاتلاً في صفوف الجيش الحر.. ولعلها مقاربة غير شعرية أن نفترض سقوط قتيل برصاص أخيه أو أحد ذويه، فالشعب السوري، كأي شعب، واحد.. والعلاقة التي تربط المواطنين بعضهم ببعض، هي ما توصف بالعبارة الشامية الدارجة قرابة عمك خالك، وما علينا ما دام الجنون قائماً إلا سماع أنباء خسائر سوريا لأن أبناءها يسقطون على الجانبين..
من هنا فإن الإجراء الحكيم الوحيد المطلوب من النظام، هو العمل بحسم وسرعة وقوة على وقف النزف بأي ثمن.. أما ما هو هذا الثمن فهو ما يفرضه واقع الحال في ضوء المصلحة العامة، ولما كان النظام هو الطرف الأقوى، وبالتالي هو صاحب المشكلة القادر على حلها، فإن عليه اجتراح الحل الذي يبدو مستحيلا في ضوء المعطيات الحالية، وهو الانتقال السلمي للسلطة والاعتراف بالشعب مصدراً للسلطات حتى لو كان هذا الحل صعباً بل حتى لو كان مهيناً.. وهذا الكلام بالضبط هو ما يعتبره وزير الخارجية الروسي ساذجاً، وكأن الكلام المقبول هو الدعوة إلى مزيد من الدم حتى تتم تصفية أحد الفريقين.
نعجب لدولة عظمى مثل روسيا أن تتخذ هذا الموقف المتشنج، وكأنها هي التي تدير المعركة، وفي هذه الحال فإنها معركة ضد الشعب السوري بمختلف أطيافه العسكرية والمدنية والإثنية. ويزداد العجب عندما نتذكر - وهل نسينا؟- أن روسيا كانت حتى وقت قريب هي الصديق التاريخي للعرب، عندما كان للصداقة معناها النبيل القائم على احترام الشعوب في تقرير مصيرها ودعمها في إطار من التعاون الإنساني الكريم. أما ما يصدح به السيد لافروف من دعم أعمى لجهة دون غيرها من أجل إذكاء حرب الإفناء هذه، فإنه خطل وخلل وخبل في السياسة الدولية..
طبعاً لن تبلغ بنا السذاجة التي يسخر منها لافروف أن نخاطب طرفي الصراع بأنكما أخوان وعلى أحدكما أن يقبل رأس الآخر. فثمة مشكلة صعبة والوقت من دم، ويحضرني لهذه المناسبة من ذاكرة الصبا قول الشاعر إيليا أبي ماضي:
وثمة أمر يعزي الجميع
إذا سحقت أرضنا القنبلة
فلن يترك الموت حياً يلوم
سواه على هذه المقتلة
بمعنى أن المذبحة ستأتي على الجميع حتى انه لن يبقى من يتهم سواه بالبدء في القتل. وهكذا لا تكون الدعوة إلى وقف النزف سذاجة، بل هي في مصلحة الشعب السوري العظيم الذي يستحق واقعاً وظروفاً أكثر عدلاً.. إن الذي في القلب يختلج في القلب، ومشاعر كل منا مكشوفة للآخر، لكن الكلمة السواء هي التسليم للشعب بما يريد، واعتراف له بحقه في حياة ديمقراطية تعيد إلى سوريا وهجها التاريخي، تلك هي الكلمة السواء وهي بالتأكيد ليست كلمة روسيا في سوريا.

إقرأ أيضاً

الأكثر زيارة

Developed by MONGID | Software House جميع الحقوق محفوظة لـمفوضية العلاقات الوطنية © 2025