شأن أميركي داخلي - احمد دحبور
في هذه الأيام، والبازار الأميركي الانتخابي في ذروته، يبرطع الطفل الاسرائيلي المدلل، ويتنزه في ملعب كل من الجمهوريين والديمقراطيين، وعلى أونه على دوي على تري، فعلى من سيقع المزاد؟ لقد سجل المرشح الجمهوري ميت رومني ضربة استباقية عندما تنحنح عشية ترشيحه للرئاسة من قبل حزبه اليميني - وكأن حزب أوباما أقل يمينية؟- وقال: إن الفلسطينيين شعب وهمي لا وجود له في الواقع إلا كأداة ازعاج لدولة اسرائيل الديمقراطية. ولم يكد أوباما يظفر، كما هو متوقع، باعادة ترشيحه لولاية رئاسية جديدة، حتى وضع في برنامجه الانتخابي فقرة لا تتصل بأميركا مباشرة، وهي: ان القدس عاصمة لدولة اسرائيل..
والمتابع لهذا التهريج الموسمي لا تصدمه المفاجأة، فلا مفاجأة في موقف أميركا من الكيان الصهيوني ومن رفض الحق الفلسطيني، أم نسينا أن هذه الدولة العظمى قد اعترفت بهذا الكيان فور الاعلان عن قيامه متجاوزة بذلك الأعراف السياسية والتقاليد المرعية؟
لا جديد تحت الشمس، كما أنه لا جديد في الموقف الأميركي، ولكن لماذا؟
إن أصحاب القرار في السياسة الأميركية، على اختلاف مواقعهم ومرجعياتهم، ينطلقون من مبدأ كان يحدده الكاريكاتور الدولي باعتبار الكيان الصهيوني عملياً بمثابة ولاية من الولايات المتحدة الأميركية، ولن نضيع وقتنا في تعداد المواقف الرسمية التي تؤكد ذلك. فهي أشهر من أن يشار إليها، لا لأن الرأي الأميركي مصنع في قالب يعتبر اسرائيل قضية أميركية داخلية وحسب، بل انها قضية بنيوية في المقام الأول، إذ يربط اللاوعي الجمعي في هذه الدولة العظمى بين تاريخ انشائها وتاريخ انشاء الكيان الصهيوني، وآلية هذا الانشاء في الموقعين. لقد تكلفت أفلام الوسترن مثلاً بالشرح المسهب لقيام المهاجرين البيض الأوائل، بطرد الهنود الحمر وابادتهم ومحاولة محو آثارهم، تمهيداً لاقامة دولة سيدة العالم الحر: الولايات المتحدة الأميركية.. وكانت الاعتذارات الخجولة عن تلك الجريمة التاريخية العرقية، مقصورة على استذكار بعض نوبات الضمير عند بعض المعترضين على المذابح، ولكن في سياق اقرار الأمر الواقع ويا دار ما دخلك شر..
أما نشوء الكيان الصهيوني، فإنه منذ وعد بلفور حتى آخر مذبحة ينظمها الاحتلال، قد أخذ بسياسة التطهير العرقي وجلب اليهود من مختلف بقاع الأرض إلى أرض لم يعرفوها من قبل إلا في مدعى مشروع توراتي يقفز عن الحق والحقيقة، ويسوّغ سياسة الجريمة والتطهير العرقي، بما يعيد انتاج المذبحة الأميركية ضد الهنود الحمر..
وهكذا يكون السياسي الأميركي، سواء أكان اسمه رومني أم أوباما، قد أعاد تخطيط قيام دولته على أنقاض شعب آخر، وتبلغ المفارقة حد النكتة السمجة عندما يقول رومني ان الفلسطينيين شعب وهمي، ليثبت أن المجلوبين من مختلف الأجناس والأعراق هم الشعب الحقيقي، كما سبق للمهاجرين من مختلف الأقطار الأوروبية إلى العالم الجديد أن مسحوا عن الخريطة قوماً هم الهنود الحمر، مع الابقاء على عينات منهم لأغراض تخص السياحة وتؤسس لميثولوجيا مسلية.
وهكذا تصبح اسرائيل شأناً أميركياً داخلياً يستلزم تعديلاً على وصفة شائعة لاهتمام أميركا بالكيان الصهيوني، فقد كان المعتاد أن يقال إن الولايات المتحدة يهمها من منطقتنا أمران، هما اسرائيل والنفط. والواقع أن التوسع في قراءة المجال الحيوي للمشروع الامبريالي، يقول إن ما تريده أميركا هو أكثر من النفط وأبعد منه. إذ إنها تريد كل شيء كحد أدنى، وبالتالي فإن حرصها على اسرائيل كاف في هذا السياق، لأن الكيان الصهيوني يتضمن سرقة النفط والثروات الطبيعية كلها والنفوذ والموقع الجغرافي والبقية تأتي..
على أن ثمة خللاً صغيراً في هذا الحساب الأميركي، هو أن العالم قد شب عن الطوق وأن مأساة الهنود الحمر غير قابلة للتكرار، وللمناسبة فإن الشعب الفلسطيني الذي وقع اختياره لهذه المحنة، ينتمي إلى ثقافة وتقاليد انسانية ضاربة في القدم، منها مثلاً أنه يقول: ما ضاع حق وراءه مطالب..