التفسير و"التصدير"- عدلي صادق
ترجيعات بعض الناطقين باسم "حماس" في غزة، على حديث الرئيس محمود عباس؛ اتسمت كالعادة بما يثير القرف والسخرية في آن. فكأنما تُركت لهؤلاء المتفلتين بالكلام، مهام التعليق الفوري العاجل، على كل موقف وحديث، مهما كان مشروحاً وله حظه الوافر من المنطق. ليس ثمة ما يدعو هؤلاء، الى التأمل برهة، ناهيك عن التلميح بأن الموقف أو الحديث، أيّاً كان، ما زال في موضع الدراسة. فكل شيء جاهز على ألسنة الناطقين الذين ظنوا أن السياسة، توافقاً أو سجالاً، يمكن ممارستها بقوالب من الكلام والتعبيرات الفاقدة للدلالة، بل والتي إن كانت لها دلالات، فهي معيبة وشائنة، ربما دون أن يتنبه قائلوها الى عيوبها!
أحدهم، ركز في تعليقه، على محاولة "من قِبل عباس، تصدير أزمته" الى "حماس" وغزة (كأن الاثنتين متطابقتان). ولا يعلم واحدنا، كيف يكون مثل هذا التصدير، الذي لا يتحقق دون الحاجة الى مستورد. ربما القصد، الكامن خارج قوالب التعبيرات الجاهزة، أن الرئيس الفلسطيني، يريد إحالة بعض أسباب المصاعب التي تواجهها السلطة الفلسطينية، الى وضعية الانقسام، وفي هذا الأمر الكثير من المنطق. لكن الناطق الحمساوي عندما يشرح، يُفسد المعنى على نفسه ولغير صالحه، إذ يُعلل محاولة "التصدير" هذه، بالفشل السياسي والاقتصادي والأمني الذي مُنيت به السلطة. ولا فرصة هنا، لأن يتفكر القائل، ملياً، في هكذا قول مُرسل. فما يسميه الفشل السياسي، له اسمه وتعريفه الأصح، الذي يقر به العالم كله، وهو حال انسداد، ناجم عن موقفين متضادين، واحد يتمسك بالحقوق والثوابت الوطنية وصولاً الى الأهداف المرسومة، من خلال عملية سلمية متوازنة، وآخر يجافي الحقوق الفلسطينية ويهدد. الأول، أصر على عدم الانكسار أمام الثاني، بينما الثاني يتمادى في العربدة والتعدي. هنا، لا نعلم الى جانب أي الموقفين، اختار الناطق الحمساوي أن يكون. هو مع الانسداد قطعاً، ولكن يبدو أن المسؤولية في تقييمه المتبدي من ظاهر الكلام، تقع على الطرف الأول، أي الفلسطيني. ولو أتيح لمن يتعاطون قوالب الكلام الجاهز، ترف الاستطراد، لقالوا إنهم أصلاً ضد العملية السلمية، حتى بمضامينها التي تؤكد على الحقوق المرتجاة، وفق موقف حمساوي معلن، يؤيد الدولة الفلسطينية على أراضي 67 وعاصمتها القدس الشرقية. في مثل هذه الحالة، يقع الحاسوب نفسه، إن حاولنا من خلاله تحليل هكذا منطق؛ ضحية "الهاكر" وينهار وربما ينتحر. فنحن بصدد طرف حمساوي يتهرب ويرقب في الإفلات من الفرضيتين: أن تكون هناك عملية سياسية متوازنة، تضمن التحقق الوطني الفلسطيني المستقل، على جغرافيا الوطن، وأن تكون هناك مقاومة فعالة، تنتزع حقوقاً قصوى أو حتى لا تنتزع شيئاً. طرف لا يريد للسياسة أن تكون، ولا يريد للمقاومة أن تكون. هو يستعيض عن الاثنتين، بقالب تعبيري اسمه "برنامج المقاومة" لكن ما يراه الناس بأمهات عيونهم، ويلمسونه في كل أوقاتهم، أن الموجود، هو منظومة جبايات مالية تحنق المجتمع في غزة، وتحقق لشريحة منتفعة، أغراضها الذاتية، وتلبي حساباتها الصغيرة، بامتلاك أراضٍ وعقارات، وسيارات فارهة، ونمط حياة باذخة، ووجاهة موهومة، مع خطاب "جهادي" فخيم!
كأن من المقنع أن يقول طرف، إنه يتبنى "برنامج المقاومة". لو كان ذلك مقنعاً، فإن محسوبكم كاتب هذه السطور، سيتبنى "برنامج اليورانيوم" أو"برنامج ترسانة القنابل العنقودية" لانتزاع الحقوق. فلا حظ لهذا التغابي من الإقناع والصدقية!
عن أي فشل اقتصادي، يتحدث الناطق الحمساوي الركيك، الذي يسمي الحصار فشلاً؟ ربما يلبي الذين يحاصروننا، رغبة لدى نفر من هؤلاء، الذين يثرثرون بمنطق هو ـ في أحسن تفسيراته ـ فاقد للدلالة. فأي طرف يؤيد أخونا هذا: المحاصَرين أم الذين يحاصرون؟ ولماذا؟ لكي يجد نقطة أو محنة، تفيده في لقطة تلفزيونية، يظنها تعزز موقفه في السجال مع الكون ومع خلق الله؟ أي شيطان أوقعنا في هذا الزمن الفلسطيني "العبيط"؟!
لو أننا قايضنا انكسارنا، برفاهية العيش والتدليع الأمريكي الإسرائيلي، لقيل إن هؤلاء يبيعون القضية مقابل مال السُحت. علما بأن من يبيع الوحدة والصلابة، المتاحتين للنظام السياسي الفلسطيني وللأرض الفلسطينية، بمزايا التربح والاستمرار في اقتناص الفرصة المواتية، لاعتصار المجتمع، وأوهام النفوذ؛ هم أولئك الذين يعطلون المصالحة ولا يريدونها، بل ويرونها كابوساً!
أي فشل أمني، يتحدث عنه الناطق الحمساوي: ذلك الذي جعلوه موضوعاً ملفقاً لاستدرار عطف البسطاء، حول مطاردات كابحة لجيوش "المقاومة" أم الإقرار بحق الناس في التظاهر والاحتجاج؟! إن كان الأول يعكس فشلاً، فلماذا التشكي إذن، من سلطة تكبح المجاهدين وكيف تكون قد فشلت؟ وإن كان الثاني هو الفشل، فهو الانعكاس الضمني، لأنموذج القمع المتبع، لأي حراك شعبي في غزة!
* * *
التصدير، بمعنى الإحالة، يكون عندما يعلل المستنكفون عن المقاومة، استنكافهم بوجود طرف يكبح. ويكون "التصدير" عندما يبرر الذين دحرجوا براميل الديناميت ـ مثلاً ـ على أتباع السلفية الجهادية (الخطابية، في الواقع) لقتلهم بالجملة في رفح على النحو الذي يحرمه الله سبحانه؛ بأن أولئك الضحايا من أتباع أجهزة أمن "سلطة دايتون" واستحقوا الموت. والتصدير، بمعنى الإحالة، يقع دونما مستورد، عندما يُفسر الرفض الغرائزي، للمصالحة الوطنية، بهذه أو تلك، من الذرائع السخيفة، فيما هو رفض يعبر عنه حال التعارض داخل "حماس"، بين منتفعين من سلطة غزة، ومنتفعين من وحدة الفلسطينيين!
هنا، وتجنباً للإطالة أكثر، ندعو العقلاء من كبار الحمساويين، وبخاصة الأخ خالد مشعل، الى تحمل مسؤولياتهم، ليس من أجل طرف آخر، وإنما لإنقاذ سمعة "حماس" المتردية للغاية في غزة، كما يعلم القاصي والداني. إن لم يفعلوا ذلك، سيظل الميدان خالياً لأم احديدان، وستجري الأمور على طريقة فيلم سينمائي مصري قديم، اسمه "درب المهابيل" تشاجر فيه سكان الحي جميعاً، حتى الرمق الأخير، على ورقة يانصيب، يظنونها رابحة، فيما هي خاسرة بامتياز!
www.adlisadek.net
adlishaban@hotmail.com
أحدهم، ركز في تعليقه، على محاولة "من قِبل عباس، تصدير أزمته" الى "حماس" وغزة (كأن الاثنتين متطابقتان). ولا يعلم واحدنا، كيف يكون مثل هذا التصدير، الذي لا يتحقق دون الحاجة الى مستورد. ربما القصد، الكامن خارج قوالب التعبيرات الجاهزة، أن الرئيس الفلسطيني، يريد إحالة بعض أسباب المصاعب التي تواجهها السلطة الفلسطينية، الى وضعية الانقسام، وفي هذا الأمر الكثير من المنطق. لكن الناطق الحمساوي عندما يشرح، يُفسد المعنى على نفسه ولغير صالحه، إذ يُعلل محاولة "التصدير" هذه، بالفشل السياسي والاقتصادي والأمني الذي مُنيت به السلطة. ولا فرصة هنا، لأن يتفكر القائل، ملياً، في هكذا قول مُرسل. فما يسميه الفشل السياسي، له اسمه وتعريفه الأصح، الذي يقر به العالم كله، وهو حال انسداد، ناجم عن موقفين متضادين، واحد يتمسك بالحقوق والثوابت الوطنية وصولاً الى الأهداف المرسومة، من خلال عملية سلمية متوازنة، وآخر يجافي الحقوق الفلسطينية ويهدد. الأول، أصر على عدم الانكسار أمام الثاني، بينما الثاني يتمادى في العربدة والتعدي. هنا، لا نعلم الى جانب أي الموقفين، اختار الناطق الحمساوي أن يكون. هو مع الانسداد قطعاً، ولكن يبدو أن المسؤولية في تقييمه المتبدي من ظاهر الكلام، تقع على الطرف الأول، أي الفلسطيني. ولو أتيح لمن يتعاطون قوالب الكلام الجاهز، ترف الاستطراد، لقالوا إنهم أصلاً ضد العملية السلمية، حتى بمضامينها التي تؤكد على الحقوق المرتجاة، وفق موقف حمساوي معلن، يؤيد الدولة الفلسطينية على أراضي 67 وعاصمتها القدس الشرقية. في مثل هذه الحالة، يقع الحاسوب نفسه، إن حاولنا من خلاله تحليل هكذا منطق؛ ضحية "الهاكر" وينهار وربما ينتحر. فنحن بصدد طرف حمساوي يتهرب ويرقب في الإفلات من الفرضيتين: أن تكون هناك عملية سياسية متوازنة، تضمن التحقق الوطني الفلسطيني المستقل، على جغرافيا الوطن، وأن تكون هناك مقاومة فعالة، تنتزع حقوقاً قصوى أو حتى لا تنتزع شيئاً. طرف لا يريد للسياسة أن تكون، ولا يريد للمقاومة أن تكون. هو يستعيض عن الاثنتين، بقالب تعبيري اسمه "برنامج المقاومة" لكن ما يراه الناس بأمهات عيونهم، ويلمسونه في كل أوقاتهم، أن الموجود، هو منظومة جبايات مالية تحنق المجتمع في غزة، وتحقق لشريحة منتفعة، أغراضها الذاتية، وتلبي حساباتها الصغيرة، بامتلاك أراضٍ وعقارات، وسيارات فارهة، ونمط حياة باذخة، ووجاهة موهومة، مع خطاب "جهادي" فخيم!
كأن من المقنع أن يقول طرف، إنه يتبنى "برنامج المقاومة". لو كان ذلك مقنعاً، فإن محسوبكم كاتب هذه السطور، سيتبنى "برنامج اليورانيوم" أو"برنامج ترسانة القنابل العنقودية" لانتزاع الحقوق. فلا حظ لهذا التغابي من الإقناع والصدقية!
عن أي فشل اقتصادي، يتحدث الناطق الحمساوي الركيك، الذي يسمي الحصار فشلاً؟ ربما يلبي الذين يحاصروننا، رغبة لدى نفر من هؤلاء، الذين يثرثرون بمنطق هو ـ في أحسن تفسيراته ـ فاقد للدلالة. فأي طرف يؤيد أخونا هذا: المحاصَرين أم الذين يحاصرون؟ ولماذا؟ لكي يجد نقطة أو محنة، تفيده في لقطة تلفزيونية، يظنها تعزز موقفه في السجال مع الكون ومع خلق الله؟ أي شيطان أوقعنا في هذا الزمن الفلسطيني "العبيط"؟!
لو أننا قايضنا انكسارنا، برفاهية العيش والتدليع الأمريكي الإسرائيلي، لقيل إن هؤلاء يبيعون القضية مقابل مال السُحت. علما بأن من يبيع الوحدة والصلابة، المتاحتين للنظام السياسي الفلسطيني وللأرض الفلسطينية، بمزايا التربح والاستمرار في اقتناص الفرصة المواتية، لاعتصار المجتمع، وأوهام النفوذ؛ هم أولئك الذين يعطلون المصالحة ولا يريدونها، بل ويرونها كابوساً!
أي فشل أمني، يتحدث عنه الناطق الحمساوي: ذلك الذي جعلوه موضوعاً ملفقاً لاستدرار عطف البسطاء، حول مطاردات كابحة لجيوش "المقاومة" أم الإقرار بحق الناس في التظاهر والاحتجاج؟! إن كان الأول يعكس فشلاً، فلماذا التشكي إذن، من سلطة تكبح المجاهدين وكيف تكون قد فشلت؟ وإن كان الثاني هو الفشل، فهو الانعكاس الضمني، لأنموذج القمع المتبع، لأي حراك شعبي في غزة!
* * *
التصدير، بمعنى الإحالة، يكون عندما يعلل المستنكفون عن المقاومة، استنكافهم بوجود طرف يكبح. ويكون "التصدير" عندما يبرر الذين دحرجوا براميل الديناميت ـ مثلاً ـ على أتباع السلفية الجهادية (الخطابية، في الواقع) لقتلهم بالجملة في رفح على النحو الذي يحرمه الله سبحانه؛ بأن أولئك الضحايا من أتباع أجهزة أمن "سلطة دايتون" واستحقوا الموت. والتصدير، بمعنى الإحالة، يقع دونما مستورد، عندما يُفسر الرفض الغرائزي، للمصالحة الوطنية، بهذه أو تلك، من الذرائع السخيفة، فيما هو رفض يعبر عنه حال التعارض داخل "حماس"، بين منتفعين من سلطة غزة، ومنتفعين من وحدة الفلسطينيين!
هنا، وتجنباً للإطالة أكثر، ندعو العقلاء من كبار الحمساويين، وبخاصة الأخ خالد مشعل، الى تحمل مسؤولياتهم، ليس من أجل طرف آخر، وإنما لإنقاذ سمعة "حماس" المتردية للغاية في غزة، كما يعلم القاصي والداني. إن لم يفعلوا ذلك، سيظل الميدان خالياً لأم احديدان، وستجري الأمور على طريقة فيلم سينمائي مصري قديم، اسمه "درب المهابيل" تشاجر فيه سكان الحي جميعاً، حتى الرمق الأخير، على ورقة يانصيب، يظنونها رابحة، فيما هي خاسرة بامتياز!
www.adlisadek.net
adlishaban@hotmail.com