نحو ثورة حقيقة على مؤسسات المجتمع المدني- رمـزي صادق شاهيـن
لقد كانت مؤسسات المجتمع المدني محل نقاش دائم طيلة الخمس عشر عاماً الماضية ، من حيث الأهداف والبرامج ونوعية النشاطات ، لكننا في الحقيقة لم نصل لمشروع متكامل نستطيع من خلاله فهم كيفية الاستفادة مجتمعياً من هذه المؤسسات وبرامجها ، وتسخير عملها لخدمة القضايا الحقيقة بدل البرامج الاستهلاكية والإعلامية التي يتم صرف ملايين الدولارات عليها .
مجتمعنا الفلسطيني وخاصة في قطاع غزة يحتاج إلى النوعية وليس الكمية ، وهو من المجتمعات التي تحتاج لطريقة مُعينة من الإقناع ، خاصة أن لديه ثقافات تختلف عن بقية المجتمعات الأخرى لو قارنا ذلك بالضفة الفلسطينية ، حيث عمد الاحتلال طيلة سنوات على زرع ثقافة الفوضى والعنف ، ومارس عملية التجهيل من خلال تمرير مشاريع الفقر والحصار متعدد الإشكال ، فكانت النتيجة أن هناك حاجة لزرع مفاهيم وقيم جديدة نستطيع من خلالها تغيير الكثير من العادات والسلوكيات لدى البعض .
بعد سبع عشر عاماً من قيام السلطة الوطنية ، والذي ترافق معه إنشاء عشرات بل مئات المؤسسات المجتمعية، فلا زلنا ندور في نفس الحلقة ، ملايين الدولارات صُرفت بإسم الشعب الفلسطيني وتحسين الثقافة وزرع القيم والمبادئ والمفاهيم ، وإقامة المشاريع والدورات والمؤتمرات ، إلا أننا نعود في كُل مرة إلى نقطة الصفر ، ومهما حاول البعض تجميل الصورة ، إلا أن النزول إلى قاع المجتمع يفتح الملف بصورة مؤلمة ، في ظل وجود قضايا ومشاكل تقشعر لها الأبدان ، ولن يستطيع حلها أي حكم لا عسكري ولا مدني .
لو راجعنا دائرة الشؤون العامة في وزارة الداخلية ، فإننا سنجد مئات الجمعيات والمؤسسات المُرخصة ، والتي تتخذ من قطاع غزة مقراً لها ، وبرغم وجود عدد من هذه المؤسسات على الورق ، إلا أننا سنرى حجم الإخفاق في تحقيق ما معدله 5% من برامج ما تبقى من المؤسسات العاملة والتي تتلقى الدعم سواءاً المباشر أو غير المباشر من المؤسسات الدولية .
جميع هذه المؤسسات تضع في برامجها تنمية المجتمع وبناء الشباب ونشر الديمقراطية وحقوق الإنسان ، وللأسف من عام 1994م زادت المشاكل والخلافات والقضايا والجرائم وتنوعت بما يؤكد فشل كُل هذه المؤسسات في تحقيق أياً من برامجها ، لأن القائم على الجريمة هو من نفس الفئة العمرية التي شهدت سنوات بناء وإنشاء هذه المؤسسات أو الجمعيات ، وهذا يجعلنا نقف بجدية لمراجعة شاملة لعمل هذه المؤسسات والقيام بثورة تصحيح لأدائها وعملها .
انتشار ظاهرة المخدرات :
من عام لعام ترتفع نسبة قضايا المخدرات ، ففي الأعوام التي تلت إنشاء السلطة الوطنية كانت قضايا المخدرات تنحصر في مجموعة بسيطة من التجار والمتعاطين ، ومن عمل في أجهزة السلطة المختصة يعلم تماماً أن هذه الظاهرة اقتصرت على فئة من المجتمع ، وهي الفئة التي كانت تاريخياً تعتاش من هذه التجارة وكانت تعتبرها مصدر رزق لها ، أما اليوم فإن القضايا لا تنحصر في فئة عمرية أو مجتمعية أو محافظة بعينها ، فقد نجد أبناء أطباء تجار مخدرات ، أو محامين متعاطين ، وطلبة جامعات ، وحتى بنات مدارس ثانوية ، وهذا بالتأكيد هو فشل واضح في أدائنا كمؤسسة رسمية وكمؤسسات مجتمع مدني تأخذ على عاتقها الدور التكميلي للسلطة الحاكمة .
ظاهرة العنف الجامعي والمدرسي :
سأتحدث عن العنف المدرسي بشكل مُبسط ، ولن أخوض في التجربة بشكل معمق لأنها تجربة مخزية ، بأن تجد المؤسسات الجامعية والتعليمية مسرحاً للعنف ، فقد استبدل الجيل الحالي مفهوم التربية بالعنف والتعليم بالاعتداء إما على الأسرة التعليمية أو زملاءهم من الطلبة ، فكم مشكلة حصلت في جامعاتنا الفلسطينية ، وكم مشكلة تحصل يومياً في مدارسنا الثانوية والإعدادية سواءاً مدارس حكومية أو مدارس تابعة لوكالة الغوث الدولية .
انتشار مفاهيم العنف والانتقام :
عندما ترى نوعية الجرائم والقضايا في قطاع غزة ، فإنك تقف مذهولاً ، أمام ما تراه من انتشار لمفاهيم العنف وحب الانتقام ، والإصرار على التعامل مع الأمور بشكل تصعيدي متخلف ، وهذا يدلل على فشلنا جميعا في إيصال رسائل مؤسساتنا المجتمعية لصحابها ، فما تفسيركم لعدد المشاجرات العائلية في شهر رمضان على سبيل المثال ، والتي سجلتها مراكز الشرطة في قطاع غزة ، والتي سجلت مئات المشاكل التي تم استخدام فيها إما الأسلحة النارية أو البيضاء ، بخلاف حالات القتل التي حصلت في هذه الفترة على سبيل المثال لا الحصر والتي سجلت أكثر من 6 حالات .
اخذ القانون باليد :
ثقافة اخذ القانون باليد هي السائدة اليوم ، فعلى ما يبدوا إننا نحتاج إلى عملية تصحيح في قوانين العقوبة المعمول بها ، أو أن المجتمع أصبح يعيش حالة من الفلتان الأخلاقي ، نتيجة عدة عوامل منها الفقر والبطالة والانقسام ، وغياب الرادع الأخلاقي والقانوني ، وغياب التثقيف والإرشاد ، وعدم نجاعة أساليب التوعية الموجودة حاليا ، وغياب المساجد والمدارس ومؤسسات المجتمع المدني عن دورها الحقيقي .
ظواهر أخرى :
لم يُسجل في تاريخ الشعب الفلسطيني أن كانت لديه ثقافة النصب والإحتيال ، بل هي قضايا مستجدة ظهرت منذ عشرة أعوام تقريباً وانتشرت لتصبح ظاهرة حقيقية ، وهذا بالتأكيد نتيجة عدة عوامل أهمها عدم وجود آليات ردع خاصة وقوانين خاصة بمثل هذه القضايا ، فقضايا التحايل المالي والشيكات بدون رصيد موجودة في مجتمعنا بشكل كبير ، وهذا ما سيضع المجتمع أمام مشاكل كبيرة في المستقبل ، خاصة في ظل وجود العقوبة وغياب مؤسسات المجتمع والمؤسسات الأخرى ذات العلاقة .
أخيــراً :
قد يحاول البعض وصف هذا المقال بالتجني على مؤسسات المجتمع المدني ، لكنها الحقيقة ، الحقيقة التي حاول مراراً الكثيرين تجاهلها ، ويحاول البعض تجاهلها أو تبسيطها ، فكم من مشروع جاء بإسم الشعب الفلسطيني ونُهبت أمواله ، وكم من مشروع تم على الورق وتم سرقة موازنته ، كم من مشروع تم تحويله لجيوب مسئولي السلطة بالمناصفة مع مسئولي المؤسسات ، وكم من مؤسسة اتخذت من قطاع غزة ملعباً لسياساتها المشبوهة بإسم الديمقراطية وحقوق الإنسان وبناء المجتمع ، وكم وكم .
لقد آن الأوان لفتح هذه الصفحة ، فشعبنا دفع ويدفع ثمن فساد مؤسساتكم ، فساد مشاريعكم ، فساد علاقاتكم على حساب معاناة وفقر الشعب الفلسطيني في مخيمات الفقر ومدن القهر ، مؤسساتكم التي جلبت لكم الملايين التي لم نرى منها سوى الفتات ، وآن الأوان للقيام بثورة تصحيح لمؤسسات المجتمع المدني كافة ، من منها يعمل ويؤدي بشكل فعال ومن منها موجود من اجل مصالح وغايات أخرى .
&&&&&&&&
* إعلامي وكاتب صحفي- غـزة
Rm_sh76@yahoo.com