انحراف السياسيين والاحتجاجات- بكر ابو بكر
كنت والكثير أمثالي ضد العفن والتسلق والانتهازية وما زلنا، وضد الفكر الانهزامي والفكر الظلامي وما زلنا، وقاومنا بالصوت والقلم وفي المحافل كافة, العلنية والخاصة، كل أشكال الإساءة والفساد والظلامية والأسرلة (التساوق مع الاحتلال) والانحراف وما زلنا.
وأعتقد وما زلت ان الشعب الفلسطيني الذي دأب يعض على جراحه لن يقبل ان يقطع يديه بدلا من أن يعالجهما إن أصيبتا، ولن يقبل أبدا أن يستبدل (أو يقتل قيادته) على (عجرها وبجرها) وسوئها وإحسانها بالاحتلال الصهيوني، لأن من يفعل ذلك كمن يقهقه ضحكا وهو يحرق بيته بيديه.
ان حق التظاهر وحرية الكلمة والرأي والتعبير لن نفرط بها تحت أي ظرف، لذلك نحن الفلسطينيين نشعر بالامتنان أننا نقول ونعبر كما نشاء في ظل السلطة الوطنية الفلسطينية التي كرست ديمقراطية وشفافية وحرية عزت في كثير من الدول المستقلة، ويشهد لنا العالم بذلك ونحن تحت احتلال.
ومع ذلك نرفض بشدة وقوة أي اساءة او انتهاك يقع لحقوق الإنسان في فلسطين، لان الإشادة بالنظام السياسي الديمقراطي ما هو في هذه الايام واجب لا يعني تشريع أو تجميل الخطأ أو الخطايا، بل هو فعل وفق حديث الرسول الأكرم (انصر أخاك ظالما ومظلوما)، وظالما بكف يديه عن الظلم.
لقد كتبت كثيرا داعما للحراك (وممارسا له) ضد الاحتلال، وضد الانقلاب في غزة، وضد الفساد، وضد الغلاء وضد كل الفاسدين، وضد المباذل أو الاساءات أو البغي، ولكن هالني أن يفهم القلة أن التظاهر او الاحتجاج او التعبير عن الرأي يعني التدمير او التخريب او الايذاء سواء باللفظ او الشعار او حرق الاطارات او تكسير سيارات الدفاع المدني او حرق محلات او مقار رسمية... ما يدعوني للقول: لا، وألف لا. فما هكذا الحرية ولا هكذا النضال ولا هكذا الاحتجاج ولا هكذا يقاوم الفساد والاحتلال والغلاء.
إن الاستعارة لبعض أدوات النضال ضد الاحتلال ذاتها واستخدامها ضد أنفسنا غباء سياسي وعيب وطني وسوء استغلال تنظيمي وانحراف قيمي يجب أن ننضج لرفضه بشكل قاطع، وإلا لشرعنا لحماس ان تقتل ألف شهيد فلسطيني-ما قامت به بانقلابها الأسود- لتقيم "الجنة" و"الخلافة" الموهومة ما هو مرفوض، وما لا تقبله حركة فتح، ولا يقبله الشعب الفلسطيني.
ان حركة فتح التي تقف مع المقاومة الشعبية ومع الاحتجاجات ضد الاحتلال وضد الوضع الاقتصادي السيئ تقف مطولا أو يجب أن تقف أمام الاستغلال البشع لمطالب الناس المحقة، ولمحاولات حرف أشكال النضال من نضال سلمي احتجاجي الى تخريب ممتلكات وتدمير معيب يجب ان يحاسب من قام به وفق القانون.
اننا لا نقبل ان تنهار صورة الفلسطيني البطل الثائر المناضل وتتحول لصورة المخرب والمدمر والمحرق لبلده، والفلسطيني هو من صنع وأسس مدرسة النضال والجهاد العربي منذ انطلاقة حركة فتح عام 1965 حتى اليوم، وبأشكال نضال وصمود وثبات وثورة تتعدد ولكنها لا تحيد عن تحرير فلسطين ابدا، ولا ترضى بالقسمة والانقلاب، وتصر على الوحدة الوطنية.
ان اليائسين من الانقلابيين وأمثالهم من الفاسدين يتمنون ان تحترق غزة وتحترق الضفة بمن فيها، فيعودون لأحضان الاحتلال الذي يرعاهم فيتحطم المشروع الوطني ويسكر الاسرائيليون ويثملون على جثة ما كان قضية فلسطين أو مشروع دولتها.
إننا اليوم أمام مفصل تاريخي يجب ان نعترف فيه بأخطائنا وهزائمنا وانتكاساتنا ومآزقنا ولا نتستر تحت أغطية باهتة وحجج واهية، فنحن (الكل الفلسطيني) لم نحقق لا نصرا مؤزرا ولا تحريرا لأي شبر حتى الآن ولا دولة، بل حققنا الانقلاب والمناكفات والانقسام وألحقنا بصورتنا النضالية العار.
وان كانت حركة فتح وفصائل العمل الوطني تمثل الثوب الابيض والناصع في كثير من حلقات الانتصارات الذاتية او المتراكمة في التاريخ العربي والفلسطيني فإنها وبتشرذمها اليوم قد آذت هذا النضال، وكما تتعمد حماس خاصة في غزة أن تفعل، وكأن حركة فتح أو (م.ت.ف) ضرتها التي يجب أن تؤذيها أصابت أم أخطأت، في منافسة مرذولة.
ان صوتنا العالي يقول نعم لفلسطين، ونعم للسلطة الوطنية ونعم للدولة الفلسطينية المستقلة، ونعم لحرية الشعب الفلسطيني ونعم لحركة فتح ولكافة الفصائل، ولا للاحتلال ولا للفساد ولا للاستيطان ولا للحصار على الضفة وغزة، ولا للانقلاب والانقسام ـ ويدا بيد نحو القدس ما علمنا اياه شيخ المجاهدين القائد الخالد ياسر عرفات.
نعود لنؤكد ان انحراف الاحتجاجات عن مسارها الصحيح مرفوض، واستغلال الشعارات المحقة ضد اتفاقية باريس وضد الاحتلال وضد تهويد القدس وضد الغلاء وضد ما يحصل لشعبنا في سوريا وضد الضغوط الاميركية أيضا مرفوض، وكل ثقة ويقين أن الشعب الذي أنتج ثورات وهبات وانتفاضات علمت العالم سيميز الغث والسمين وينتصر لقضيته وبلده أولا فلا يحولها لخيمة تتلاعب بها الرياح، ولا لجرح مفتوح، ولا لغنيمة تتناهبها الذئاب.
يجب أن يكرّس الرئيس أبومازن نفسه لإيجاد المخارج والحلول فلا مناص من تكثيف اللقاءات الرسمية والشعبية وفتح قنوات الحوار لإحداث التغيير، ولا بديل عن تكامل القيادات والشعب في مقاومة المحتل والنضال ضده، ويجب أن تنصاع حماس للتغيير عبر الانتخابات الديمقراطية، كما يجب أن ننتج سراطية (استراتيجية) وطنية نضالية موحدة.
ويحب تخفيف الأعباء المعيشية على الناس ليستطيعوا الثبات والصمود والنضال (فالجيوش تمشي على بطونها) وهناك الكثير مما يجب، ولكن علينا أن نرى القيود بوضوح وكيفية الانفكاك منها وأشدها متانة هو قيد الاحتلال.