برهان هندي على وجوب التفاؤل- عدلي صادق
كانت فقرة واحدة، من برنامج الزيارة الرسمية، التي أداها الرئيس أبو مازن الى الهند، أكثر من كافية، لإنعاش روح الزائر وتفاؤل كل من يهمه أن يطمئن الى مكانة فلسطين لدى الأمم العريقة، وطبقاتها السياسية ورموزها. ويتسم هذا الإنعاش، بأهمية بالغة وبليغة، عندما يكون في زمن رديء ومحبِط، يُلقي بظلاله على كل تفصيل، من راهن حياتنا وأوقاتنا!
فعند بوابة قصر الرئاسة الهندية، استقبل صفّان من الخيول، سيارة الرئيس الفلسطيني، وأحاطا بها، ليأخذاها ببطء ودلال، الى باحة القصر، على مسافة نحو ثلاثمئة متر. فالخيل ـ كما قالت العرب ـ أعلم من فرسانها!
وفيما كانت تُسمع من بعيد، قرقعة السنابك، وهي تتقدم مزهوّة بضيفها، بدأت المدفعية تُطلق تباعاً، الإحدى وعشرين طلقة، قبل الوصول الى ساحة المراسم. وتحت أشعة الشمس، جلس في الانتظار، رئيس الدولة، ورئيس الوزراء وعدد من وزراء الحكومة وشخصياتها الرسمية. ومع وصول الرئيس وترجله من السيارة، وقف الحاضرون جميعاً ليبدأ عزف السلام الوطني الفلسطيني، بأداء موسيقي فخم وغير منقوص، مثلما وضعه في أوائل السبعينيات، الملحن المصري الراحل علي إسماعيل، صاحب الكثير من الألحان الحماسية الثورية. وبعد عزف السلام الوطني الهندي، واستعراض حرس الشرف؛ تقدم الرئيسان للسلام على المستقبلين. القصد أن المراسم التي جرت، هي نفسها التي تجري لرؤساء الدول العظمى. ذلك لأن فلسطين كانت وما تزال وستبقى قضية كبرى، لن يتضاءل حجمها مهما تورمت أحجام الغزاة والمتواطئين وفاقدي الإحساس بمعنى العدالة.
في مأدبة العشاء التي أقامها رئيس الهند، على شرف الرئيس الفلسطيني؛ اجتمعت الحكومة وقيادة الحزب الحاكم، ومعهم عديد البرلمانيين وممثلو الأديان، والدبلوماسيون المخضرمون. وضمت الجمع، قبل التوجه الى طاولة الطعام الممتدة لنحو خمسين متراً، قاعة بديعة تغطي الرسوم والزخارف جدرانها وسقفها.
رئيس الحكومة، في جلسة المباحثات الرسمية، أحضر معه ستة وزراء، سرعان ما بدا أنهم جاهزون للرد بالإيجاب على كل ما يطرحه الفلسطينيون ويطلبونه. وحضر للقاء الرئيس، في مقر إقامته، كل من طلبنا الالتقاء به في اجتماع مصغر: نائب رئيس الدولة محمد حميد الأنصاري، السيدة سونيا غاندي، رئيسة حزب المؤتمر، ونجلها الشاب راؤول، الأمين العام للحزب. وقد بادر بالحضور معهما دون علمنا المسبق، وزير التجارة آنان شارما، صديق القيادات الطلابية الفلسطينية أيام كان قائداً طلابياً. فقد جاء يسأل عن أحوال فلسطين وجوارها. كذلك حضر وزير الخارجية لاجتماع آخر مصغر، ووزير الدولة للشؤون الخارجية، ثم مستشار الدولة للأمن القومي، ومجموعة السفراء العرب، وحتى الضيف الزائر المقيم في الفندق نفسه، نائب رئيس الوزراء ووزير الطاقة في قطر، عبد الله بن حمد العطية ومعه مدير مكتبه، وسفير بلاده. وأبو مازن، الذي عمل في قطر، منذ العام 1958 يعرف عائلات هذا البلد ورجالاتها القدامى. فعندما قدم العطية مدير مكتبه، سأله الرئيس عن اسم صديق قديم له من عائلة الرجل، فإذا به والده.
حفاوة الهنود، أثارت الحماسة نقيض الإحباط، وجددت الأمل نقيض اليأس، وأظهرت الوفاء نقيض النكران، وأوقعت مع كل ذلك، في النفس، بعض الشجن، كلما طرأت في تلك الأثناء، خواطر المقارنة بين حال وحال، وناس وناس. ففي زمننا الرديء هذا، تجدنّ على مقربة منك، من يريدون أن يغمروك، بمشاعر العدم، وبمنطق انتهاء صلاحية القضية، وببلاغ عن نهاية الحكاية. لكن أخرين بعيدين، يقلبون الوجهة الى الصواب: فأنت أنت نفسك، أيها الفلسطيني، منذ أن حملت مشعل الحرية وسكنت في ضمير الأحرار. لا شيء يفقد معناه في حكايتك الأولى والأخيرة. أنت ذو بدايات متجددة، فلا تيأس. أما المحتلون، فهم يمثلون حالة عفنة ومهووسة، فلا تغرنّكم سطوتها وعربدتها!
في حفل الافتتاح الرسمي لمجمع مباني السفارة، الذي كان منحة هندية تراباً وقياماً؛ انفعل الحاضرون، بخاصة عندما اختتم أخوكم كاتب هذه السطور، كلمة الترحيب، قائلاً إن الفلسطينيين، الذين غرسوا بجوار سارية العلم، بعض أشجار زيتونهم التي ستصبح معمّرة؛ لن ينكسروا ولن تنحني هاماتهم أمام الاحتلال الإسرائيلي ولا أمام كل الإمبريالية. وعلى لوحة الافتتاح الرخامية، قلنا، في ختام ما نقشناه بأحرف باللون الذهبي: إن هذا المجمع البديع، الذي تعترشه قبتان ذهبيتان، هو التكثيف الرمزي لتاريخ العلاقة التي أرسى دعائمها القائدان الوطنيان المرموقان الراحلان، ياسر عرفات وإنديرا غاندي!
أخونا أبو مازن، أظهر جَلداً في الشرح تلو الشرح، وفي اللقاء تلو الآخر، وكان مقنعاً وقد أبهجته كل الإشارات، الدالة على ترحيب الهنود بكل ما يقول، في شرح اللحظة وفي وصف الحصار وفي وضع النقاط على حروف أسماء كل الذين يحاصرون.
www.adlisadek.net
adlishaban@hotmail.com
فعند بوابة قصر الرئاسة الهندية، استقبل صفّان من الخيول، سيارة الرئيس الفلسطيني، وأحاطا بها، ليأخذاها ببطء ودلال، الى باحة القصر، على مسافة نحو ثلاثمئة متر. فالخيل ـ كما قالت العرب ـ أعلم من فرسانها!
وفيما كانت تُسمع من بعيد، قرقعة السنابك، وهي تتقدم مزهوّة بضيفها، بدأت المدفعية تُطلق تباعاً، الإحدى وعشرين طلقة، قبل الوصول الى ساحة المراسم. وتحت أشعة الشمس، جلس في الانتظار، رئيس الدولة، ورئيس الوزراء وعدد من وزراء الحكومة وشخصياتها الرسمية. ومع وصول الرئيس وترجله من السيارة، وقف الحاضرون جميعاً ليبدأ عزف السلام الوطني الفلسطيني، بأداء موسيقي فخم وغير منقوص، مثلما وضعه في أوائل السبعينيات، الملحن المصري الراحل علي إسماعيل، صاحب الكثير من الألحان الحماسية الثورية. وبعد عزف السلام الوطني الهندي، واستعراض حرس الشرف؛ تقدم الرئيسان للسلام على المستقبلين. القصد أن المراسم التي جرت، هي نفسها التي تجري لرؤساء الدول العظمى. ذلك لأن فلسطين كانت وما تزال وستبقى قضية كبرى، لن يتضاءل حجمها مهما تورمت أحجام الغزاة والمتواطئين وفاقدي الإحساس بمعنى العدالة.
في مأدبة العشاء التي أقامها رئيس الهند، على شرف الرئيس الفلسطيني؛ اجتمعت الحكومة وقيادة الحزب الحاكم، ومعهم عديد البرلمانيين وممثلو الأديان، والدبلوماسيون المخضرمون. وضمت الجمع، قبل التوجه الى طاولة الطعام الممتدة لنحو خمسين متراً، قاعة بديعة تغطي الرسوم والزخارف جدرانها وسقفها.
رئيس الحكومة، في جلسة المباحثات الرسمية، أحضر معه ستة وزراء، سرعان ما بدا أنهم جاهزون للرد بالإيجاب على كل ما يطرحه الفلسطينيون ويطلبونه. وحضر للقاء الرئيس، في مقر إقامته، كل من طلبنا الالتقاء به في اجتماع مصغر: نائب رئيس الدولة محمد حميد الأنصاري، السيدة سونيا غاندي، رئيسة حزب المؤتمر، ونجلها الشاب راؤول، الأمين العام للحزب. وقد بادر بالحضور معهما دون علمنا المسبق، وزير التجارة آنان شارما، صديق القيادات الطلابية الفلسطينية أيام كان قائداً طلابياً. فقد جاء يسأل عن أحوال فلسطين وجوارها. كذلك حضر وزير الخارجية لاجتماع آخر مصغر، ووزير الدولة للشؤون الخارجية، ثم مستشار الدولة للأمن القومي، ومجموعة السفراء العرب، وحتى الضيف الزائر المقيم في الفندق نفسه، نائب رئيس الوزراء ووزير الطاقة في قطر، عبد الله بن حمد العطية ومعه مدير مكتبه، وسفير بلاده. وأبو مازن، الذي عمل في قطر، منذ العام 1958 يعرف عائلات هذا البلد ورجالاتها القدامى. فعندما قدم العطية مدير مكتبه، سأله الرئيس عن اسم صديق قديم له من عائلة الرجل، فإذا به والده.
حفاوة الهنود، أثارت الحماسة نقيض الإحباط، وجددت الأمل نقيض اليأس، وأظهرت الوفاء نقيض النكران، وأوقعت مع كل ذلك، في النفس، بعض الشجن، كلما طرأت في تلك الأثناء، خواطر المقارنة بين حال وحال، وناس وناس. ففي زمننا الرديء هذا، تجدنّ على مقربة منك، من يريدون أن يغمروك، بمشاعر العدم، وبمنطق انتهاء صلاحية القضية، وببلاغ عن نهاية الحكاية. لكن أخرين بعيدين، يقلبون الوجهة الى الصواب: فأنت أنت نفسك، أيها الفلسطيني، منذ أن حملت مشعل الحرية وسكنت في ضمير الأحرار. لا شيء يفقد معناه في حكايتك الأولى والأخيرة. أنت ذو بدايات متجددة، فلا تيأس. أما المحتلون، فهم يمثلون حالة عفنة ومهووسة، فلا تغرنّكم سطوتها وعربدتها!
في حفل الافتتاح الرسمي لمجمع مباني السفارة، الذي كان منحة هندية تراباً وقياماً؛ انفعل الحاضرون، بخاصة عندما اختتم أخوكم كاتب هذه السطور، كلمة الترحيب، قائلاً إن الفلسطينيين، الذين غرسوا بجوار سارية العلم، بعض أشجار زيتونهم التي ستصبح معمّرة؛ لن ينكسروا ولن تنحني هاماتهم أمام الاحتلال الإسرائيلي ولا أمام كل الإمبريالية. وعلى لوحة الافتتاح الرخامية، قلنا، في ختام ما نقشناه بأحرف باللون الذهبي: إن هذا المجمع البديع، الذي تعترشه قبتان ذهبيتان، هو التكثيف الرمزي لتاريخ العلاقة التي أرسى دعائمها القائدان الوطنيان المرموقان الراحلان، ياسر عرفات وإنديرا غاندي!
أخونا أبو مازن، أظهر جَلداً في الشرح تلو الشرح، وفي اللقاء تلو الآخر، وكان مقنعاً وقد أبهجته كل الإشارات، الدالة على ترحيب الهنود بكل ما يقول، في شرح اللحظة وفي وصف الحصار وفي وضع النقاط على حروف أسماء كل الذين يحاصرون.
www.adlisadek.net
adlishaban@hotmail.com