مجزرة من الممكن تجنبها
القدس - رام الله - الدائرة الإعلامية
بقلم سيث انزيسكا (مرشح لنيل الدكتوراه في التاريخ الدولي جامعة كولومبيا)، (عن نيويورك تايمز)
ترجمة: أسيل الأخرس
في ليلة 16 أيلول/سبتمبر 1982 سمح الجيش الإسرائيلي للمليشيا اليمينية اللبنانية بدخول مخيمين للاجئين الفلسطينيين في بيروت، وفي هذه الهجمات التي استمرت ثلاثة أيام قامت المليشيا والتي ارتبطت بحزب الكتائب المسيحي الماروني باغتصاب وقتل وتقطيع أطراف ما لا يقل عن 800 مدنيا، في حين أنارت مشاعل إسرائيلية أزقة المخيمات الضيقة والمظلمة، حيث كانت غالبية القتلى من النساء والأطفال والرجال المسنين.
وبعد مرور ثلاثين عاما تذكر مجزرة صبرا وشاتيلا كفصل سيء في تاريخ الشرق الأوسط الحديث، والذي يشوش العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية ولبنان والفلسطينيين. وفي عام 1983 خلصت لجنة التحقيق الإسرائيلية إلى أن القادة الإسرائيليين كانوا "مسؤولين بشكل غير مباشر" عن عمليات القتل، وأن آرئيل شارون وزير الدفاع في ذلك الوقت ورئيس الوزراء لاحقا، يتحمل المسؤولية الشخصية لفشله في منع وقوعها.
وفي حين تمت دراسة دور إسرائيل في المجزرة، إلا أن الموقف الأميركي لم يفهم بشكل كامل أبدا. في هذا الصيف وفي أرشيف الدولة الإسرائيلية، وجدت وثائق تم رفع السرية عنها مؤخرا، توضح النصوص الحرفية لوقائع المحادثات بين مسؤولين أميركيين وإسرائيليين قبل وأثناء مجزرة عام 1982 والتي كشفت أن الإسرائيليين قاموا بتضليل الدبلوماسيين الأميركيين حول الأحداث في بيروت، وتخويفهم لقبول الإدعاء الزائف بوجود الآلاف من "الإرهابيين" في المخيمات. والأمر الأكثر مدعاة للقلق هو فشل الولايات المتحدة بممارسة الضغوط الدبلوماسية القوية على إسرائيل والتي كانت من الممكن أن تنهي تلك الأعمال الوحشية. ونتيجة لذلك كانت ميلشيات الكتائب قادرة على قتل المدنيين الفلسطينيين التي تعهدت الولايات المتحدة على حمايتهم في الأسابيع التي سبقت.
لقد تورطت إسرائيل في الحرب الأهلية اللبنانية عندما احتلت جارتها الشمالية في حزيران/يونيو 1982، وكانت تهدف بهذا إلى القضاء على منظمة التحرير الفلسطينية التي شكلت دولة داخل دولة، وتحويل لبنان إلى حليف ذو حكم مسيحي. لاحقا حاصرت قوات الدفاع الإسرائيلية المناطق التي تسيطر عليها منظمة التحرير الفلسطينية في الجزء الغربي من بيروت. وأدى القصف الإسرائيلي المكثف إلى سقوط أعداد كبيرة من الضحايا المدنيين وامتحنت الرئيس الأميركي رونالد ريغان الذي كان مؤيدا لإسرائيل في البداية. وفي منتصف آب/أغسطس حين كانت أميركا تتفاوض على انسحاب منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان، كتب ريغان في مذكراته أنه أخبر رئيس الوزراء مناحيم بيغن "على التفجيرات أن تتوقف أو ستهدد علاقتنا المستقبلية".
وافقت الولايات المتحدة على نشر قوات المارينز في لبنان كجزء من قوة متعددة الجنسيات للإشراف على مغادرة منظمة التحرير الفلسطينية، وفي 1 أيلول/سبتمبر غادر الآلاف من مقاتلي المنظمة بما في ذلك ياسر عرفات من بيروت لعدد من الدول العربية. بعد تفاوض أميركا على وقف إطلاق النار والذي شمل ضمانات مكتوبة لحماية المدنيين الفلسطينيين في المخيمات من انتقام المسيحيين اللبنانيين، وفي 10 أيلول/سبتمبر غادرت قوات المارينز بيروت.
أملت إسرائيل في أن يدعم الرئيس اللبناني الماروني المنتخب حديثا بشير جميل التحالف الإسرائيلي-المسيحي. ولكن في 14 أيلول/سبتمبر تم اغتيال جميل، وردت إسرائيل على هذا بانتهاك اتفاق وقف إطلاق النار واحتلت بيروت الغربية بسرعة، حيث بدء ظاهريا أن هذا القرار كان لمنع وقوع هجمات من المليشيات ضد المدنيين الفلسطينيين. وأخبر بيغن المبعوث الأميركي للشرق الأوسط موريس درابر في 15 أيلول/سبتمبر "أن الهدف الأساسي اليوم هو الحفاظ على السلام وإلا من الممكن أن يحدث هناك مذابح".
وفي 16 أيلول/سبتمبر سيطر الجيش الإسرائيلي على بيروت الغربية بشكل كامل بما في ذلك صبرا وشاتيلا. وفي واشنطن في نفس اليوم؛ قال وزير الخارجية الأميركية لورانس اس ايغليبرغر للسفير الإسرائيلي موشيه ارينز "إن مصداقية إسرائيل قد تضررت كثيرا ويبدو أننا كنا ضحية خداع متعمد من الجانب الإسرائيلي" وطالب إسرائيل بالانسحاب من بيروت على الفور.
وفي تل أبيب التقى درابر مع السفير الأميركي صموئيل لويس وكبار المسؤولين الإسرائيليين. وقال وزير الدفاع شارون، خلافا لتأكيدات رئيس الوزراء بيغن في وقت سابق، إن "هناك ما يبرر احتلال بيروت الغربية وهو أنه لا يزال هناك 2000 إلى 3000 إرهابي".
ودحض درابر هذا الادعاء، حيث أنه من نسق للانسحاب في آب/أغسطس وكان قد أكد في حينه أن عدد المقاتلين قليل.
وقال درابر أنه ذعر عند سماع شارون يقول أنه سمح لمليشيا الكتائب دخول بيروت الغربية. واعترف رئيس هيئة الأركان في جيش الدفاع الإسرائيلي رفائيل ايتان للأميركيين أنه يخشى من" مذبحة لا هوادة فيها".
في مساء يوم 16 أيلول/سبتمبر اجتمع مجلس الوزراء الإسرائيلي، وكانوا قد أٌبلغوا بأن مقاتلي الكتائب قد دخلوا المخيمات الفلسطينية. وأعرب نائب رئيس الوزراء دافيد ليفي عن قلقه قائلا: "إنني أعرف ما معنى الانتقام بالنسبة لهؤلاء، وأي نوع من المذابح سيكون، ولن يصدق أحد أننا خلقنا نظاما هناك، وسوف نتحمل اللوم". وفي ذلك المساء، تسربت أخبار للعسكريين والسياسيين والصحفيين الإسرائيليين عن وقوع ضحايا بين صفوف المدنين.
في الساعة 12:30 من مساء يوم 17 أيلول/سبتمبر عقد وزير الخارجية اسحق شامير اجتماعا جمعه مع درابر وشارون وعدد من رؤساء الاستخبارات الإسرائيلية. لم يذكر السيد شامير ما وردته من أنباء حول "الذبح" الذي يجري في المخيمات في ذلك الصباح، مع أنه كان قد سمع أخبار بما حصل.
وكشف محضر اجتماع يوم 17 أيلول/سبتمبر رهبة الأميركيين من إصرار شارون على ادعائه الكاذب حول "ضرورة" التخلص من "الإرهابيين"، كما يظهر أيضا رفض إسرائيل التخلي عن المناطق الخاضعة لسيطرتها والتأخير في التنسيق مع الجيش الوطني اللبناني والذي رغبت الولايات المتحدة بالتدخل فيه الأمر الذي أدى إلى إطالة عمليات القتل.
وافتتح السيد درابر الاجتماع بالمطالبة بسحب الجيش الإسرائيلي على الفور، وانفجر شارون غضبا وقال: "أنا لا أستطيع أن أفهم ما الذي تسعى إليه؟ هل تريد بقاء الإرهابيين؟ هل تخاف من أن يظن أحد أنك متواطئ معنا؟ أنكر هذا ونحن بالفعل قد فعلنا". لم يتأثر السيد درابر واستمر بالمطالبة بإشارات نهائية تدل على الانسحاب. وقال شارون بسخرية والذي كان على علم بأن ميليشيات الكتائب قد دخلت المخيمات بالفعل "لن يحدث شيئا ربما سيقتل بعض الإرهابيون هذا سيكون في مصلحتنا جميعا". وافق أخيرا شامير وشارون على الانسحاب تدريجيا حالما بدأ الجيش اللبناني بدخول المدينة لكن إسرائيل أصرت على الانتظار 48 ساعة (نهاية روش هاشانا" رأس السنة العبرية"، والتي كانت قد بدأت في تلك الليلة).
واستمر درابر في المطالبة بضمانات على الانسحاب الإسرائيلي محذرا بأن النقاد سيقولون "بالفعل، سيبقى جيش الدفاع الإسرائيلي في بيروت الغربية وسيسمحون للبنانين بقتل الفلسطينيين في المخيمات". رد شارون قائلا: "لذلك سنقتلهم ولن نتركهم هناك وأنت لن تنقذهم لن تنقذ مجموعات من الإرهاب الدولي"، وأجاب داربر: "لسنا مهتمين بإنقاذ أي من هؤلاء"، صرح شارون :"إذا كنت لا تريد أن يقتلهم اللبنانيون نحن سنفعل".
غضب درابر ولكنه ما لبث أن تراجع وذكر الإسرائيليين أن الولايات المتحدة سهلت خروج منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت، "لن يكون من الضروري لكم أن تتدخلوا"، وأضاف: "يجب عليكم أن تبقوا بعيدين عن هذا". انفجر شارون مرة أخرى: "عندما يتعلق الأمر بأمننا ووجودنا فهو مسؤوليتنا الخاصة ولن نسمح لأحد بأن يقرر عنا". انتهى الاجتماع بالاتفاق على تنسيق خطط الانسحاب ما بعد روش هاشانا "رأس السنة العبرية".
من خلال السماح لشارون في المضي قدما بحججه، أعطى درابر إسرائيل الفرصة للتغطية على مقاتلي الكتائب والتي لا تزال في المخيمات. في 18 أيلول/سبتمبر بدأت تفاصيل أوفى للمذبحة بالتسرب، عندما قام الدبلوماسي الأميركي الشاب ريان كروكر بزيارة المشهد الفظيع هناك وأرسل تقريرا إلى واشنطن.
بعد عدة سنوات وصف درابر المجزرة بأنها "قذرة". وفي تسجيل شفوي وتاريخي له قبل بضع سنوات على وفاته عام 2005 قال لشارون "يجب أن تشعر بالخجل، إن الوضع مروع تماما! إنهم يقتلون أطفالا! إن المنطقة تحت سيطرتكم بشكل كامل، وبالتالي فأنتم مسؤولون عن هذا الوضع". وفي 18 أيلول/سبتمبر أعلن ريغن عن "غضبه واشمئزازه من جرائم القتل". ويرجع هذا لاعتقاده أنه خطأ من حيث المبدأ وأنه سيثير المزيد من القتال".
واعترف وزير الخارجية جورج شلتز لاحقا: "إننا مسؤولون جزئيا" لأننا "صدقنا وعود الإسرائيليين واللبنانيين". واستدعى السفير ارينز وقال له "عندما تسيطر على مدينة ما فأنت مسؤول عما يحدث فيها"، "والآن هناك مجزرة بين أيدينا".
إن الصدمة والفزع الأميركي المتأخر يؤكد فشل الجهود الدبلوماسية الأميركية خلال المجزرة. إن محضر اجتماع درابر يوضح كيف كانت الولايات المتحدة الأميركية متواطئة عن غير قصد في مأساة صبرا وشاتيلا.
اخبرني السفير لويس، المتقاعد الآن "لقد كان من الصعب منع المجزرة ما لم يلتقط ريغان الهاتف ويتصل على بيغن ويقرأ عليه قانون مكافحة الشغب بشكل أوضح عما فعله في آب/أغسطس– كان من الممكن أن يوقفوها بشكل مؤقت". وأضاف لويس "لكن شارون كان سيجد طريقة أخرى دفع رجال المليشيا للتصرف".
موافقا قال مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى نيكولا فيليوتس عندما قرأت النص له، إنه "تصرف كلاسيكي من شارون.. إما طريقته أو لا خيار آخر".
إن مجزرة صبرا وشاتيلا تقوض نفوذ أميركا بقوة في الشرق الأوسط وتقوض أيضا من سلطتها المعنوية. إن الولايات المتحدة شعرت "بالذنب" من إعادة نشر قوات المارينز التي انتهى دورها دون وجود مهمة واضحة لها في خضم الحرب الأهلية الوحشية.
في تشرين أول/أكتوبر عام 1983 قصفت ثكنات المارينز في بيروت وقتل 241 من جنود المارينز. وأدى الهجوم إلى فتح الحرب مع القوات المدعومة من سوريا وإلى الانسحاب السريع لمشاة البحرية باتجاه سفنهم. أخبرني السيد لويس لقد غادرت أميركا لبنان خائبة.
إن السجل الأرشيفي يكشف حجم التضليل الذي قوض الجهود الأميركية لتجنب إراقة الدمار. وعملا بمعرفة جزئية بالواقع، سلمت الولايات المتحدة بضعف للحجج الكاذبة والتكتيكات المماطلة وسمحت للمجزرة بالحدوث.
إن الدرس من مأساة صبرا وشاتيلا واضح. في بعض الأحيان يقوم الحلفاء بأعمال تتعارض مع المصالح والقيم الأميركية. إن عدم ممارسة القوة الأميركية التي تدعم تلك المصالح قد تنتج عواقب وخيمة: لحلفائنا، لمكانتنا الأخلاقية، والأهم للأبرياء الذين يدفعون الثمن الأكبر.
بقلم سيث انزيسكا (مرشح لنيل الدكتوراه في التاريخ الدولي جامعة كولومبيا)، (عن نيويورك تايمز)
ترجمة: أسيل الأخرس
في ليلة 16 أيلول/سبتمبر 1982 سمح الجيش الإسرائيلي للمليشيا اليمينية اللبنانية بدخول مخيمين للاجئين الفلسطينيين في بيروت، وفي هذه الهجمات التي استمرت ثلاثة أيام قامت المليشيا والتي ارتبطت بحزب الكتائب المسيحي الماروني باغتصاب وقتل وتقطيع أطراف ما لا يقل عن 800 مدنيا، في حين أنارت مشاعل إسرائيلية أزقة المخيمات الضيقة والمظلمة، حيث كانت غالبية القتلى من النساء والأطفال والرجال المسنين.
وبعد مرور ثلاثين عاما تذكر مجزرة صبرا وشاتيلا كفصل سيء في تاريخ الشرق الأوسط الحديث، والذي يشوش العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية ولبنان والفلسطينيين. وفي عام 1983 خلصت لجنة التحقيق الإسرائيلية إلى أن القادة الإسرائيليين كانوا "مسؤولين بشكل غير مباشر" عن عمليات القتل، وأن آرئيل شارون وزير الدفاع في ذلك الوقت ورئيس الوزراء لاحقا، يتحمل المسؤولية الشخصية لفشله في منع وقوعها.
وفي حين تمت دراسة دور إسرائيل في المجزرة، إلا أن الموقف الأميركي لم يفهم بشكل كامل أبدا. في هذا الصيف وفي أرشيف الدولة الإسرائيلية، وجدت وثائق تم رفع السرية عنها مؤخرا، توضح النصوص الحرفية لوقائع المحادثات بين مسؤولين أميركيين وإسرائيليين قبل وأثناء مجزرة عام 1982 والتي كشفت أن الإسرائيليين قاموا بتضليل الدبلوماسيين الأميركيين حول الأحداث في بيروت، وتخويفهم لقبول الإدعاء الزائف بوجود الآلاف من "الإرهابيين" في المخيمات. والأمر الأكثر مدعاة للقلق هو فشل الولايات المتحدة بممارسة الضغوط الدبلوماسية القوية على إسرائيل والتي كانت من الممكن أن تنهي تلك الأعمال الوحشية. ونتيجة لذلك كانت ميلشيات الكتائب قادرة على قتل المدنيين الفلسطينيين التي تعهدت الولايات المتحدة على حمايتهم في الأسابيع التي سبقت.
لقد تورطت إسرائيل في الحرب الأهلية اللبنانية عندما احتلت جارتها الشمالية في حزيران/يونيو 1982، وكانت تهدف بهذا إلى القضاء على منظمة التحرير الفلسطينية التي شكلت دولة داخل دولة، وتحويل لبنان إلى حليف ذو حكم مسيحي. لاحقا حاصرت قوات الدفاع الإسرائيلية المناطق التي تسيطر عليها منظمة التحرير الفلسطينية في الجزء الغربي من بيروت. وأدى القصف الإسرائيلي المكثف إلى سقوط أعداد كبيرة من الضحايا المدنيين وامتحنت الرئيس الأميركي رونالد ريغان الذي كان مؤيدا لإسرائيل في البداية. وفي منتصف آب/أغسطس حين كانت أميركا تتفاوض على انسحاب منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان، كتب ريغان في مذكراته أنه أخبر رئيس الوزراء مناحيم بيغن "على التفجيرات أن تتوقف أو ستهدد علاقتنا المستقبلية".
وافقت الولايات المتحدة على نشر قوات المارينز في لبنان كجزء من قوة متعددة الجنسيات للإشراف على مغادرة منظمة التحرير الفلسطينية، وفي 1 أيلول/سبتمبر غادر الآلاف من مقاتلي المنظمة بما في ذلك ياسر عرفات من بيروت لعدد من الدول العربية. بعد تفاوض أميركا على وقف إطلاق النار والذي شمل ضمانات مكتوبة لحماية المدنيين الفلسطينيين في المخيمات من انتقام المسيحيين اللبنانيين، وفي 10 أيلول/سبتمبر غادرت قوات المارينز بيروت.
أملت إسرائيل في أن يدعم الرئيس اللبناني الماروني المنتخب حديثا بشير جميل التحالف الإسرائيلي-المسيحي. ولكن في 14 أيلول/سبتمبر تم اغتيال جميل، وردت إسرائيل على هذا بانتهاك اتفاق وقف إطلاق النار واحتلت بيروت الغربية بسرعة، حيث بدء ظاهريا أن هذا القرار كان لمنع وقوع هجمات من المليشيات ضد المدنيين الفلسطينيين. وأخبر بيغن المبعوث الأميركي للشرق الأوسط موريس درابر في 15 أيلول/سبتمبر "أن الهدف الأساسي اليوم هو الحفاظ على السلام وإلا من الممكن أن يحدث هناك مذابح".
وفي 16 أيلول/سبتمبر سيطر الجيش الإسرائيلي على بيروت الغربية بشكل كامل بما في ذلك صبرا وشاتيلا. وفي واشنطن في نفس اليوم؛ قال وزير الخارجية الأميركية لورانس اس ايغليبرغر للسفير الإسرائيلي موشيه ارينز "إن مصداقية إسرائيل قد تضررت كثيرا ويبدو أننا كنا ضحية خداع متعمد من الجانب الإسرائيلي" وطالب إسرائيل بالانسحاب من بيروت على الفور.
وفي تل أبيب التقى درابر مع السفير الأميركي صموئيل لويس وكبار المسؤولين الإسرائيليين. وقال وزير الدفاع شارون، خلافا لتأكيدات رئيس الوزراء بيغن في وقت سابق، إن "هناك ما يبرر احتلال بيروت الغربية وهو أنه لا يزال هناك 2000 إلى 3000 إرهابي".
ودحض درابر هذا الادعاء، حيث أنه من نسق للانسحاب في آب/أغسطس وكان قد أكد في حينه أن عدد المقاتلين قليل.
وقال درابر أنه ذعر عند سماع شارون يقول أنه سمح لمليشيا الكتائب دخول بيروت الغربية. واعترف رئيس هيئة الأركان في جيش الدفاع الإسرائيلي رفائيل ايتان للأميركيين أنه يخشى من" مذبحة لا هوادة فيها".
في مساء يوم 16 أيلول/سبتمبر اجتمع مجلس الوزراء الإسرائيلي، وكانوا قد أٌبلغوا بأن مقاتلي الكتائب قد دخلوا المخيمات الفلسطينية. وأعرب نائب رئيس الوزراء دافيد ليفي عن قلقه قائلا: "إنني أعرف ما معنى الانتقام بالنسبة لهؤلاء، وأي نوع من المذابح سيكون، ولن يصدق أحد أننا خلقنا نظاما هناك، وسوف نتحمل اللوم". وفي ذلك المساء، تسربت أخبار للعسكريين والسياسيين والصحفيين الإسرائيليين عن وقوع ضحايا بين صفوف المدنين.
في الساعة 12:30 من مساء يوم 17 أيلول/سبتمبر عقد وزير الخارجية اسحق شامير اجتماعا جمعه مع درابر وشارون وعدد من رؤساء الاستخبارات الإسرائيلية. لم يذكر السيد شامير ما وردته من أنباء حول "الذبح" الذي يجري في المخيمات في ذلك الصباح، مع أنه كان قد سمع أخبار بما حصل.
وكشف محضر اجتماع يوم 17 أيلول/سبتمبر رهبة الأميركيين من إصرار شارون على ادعائه الكاذب حول "ضرورة" التخلص من "الإرهابيين"، كما يظهر أيضا رفض إسرائيل التخلي عن المناطق الخاضعة لسيطرتها والتأخير في التنسيق مع الجيش الوطني اللبناني والذي رغبت الولايات المتحدة بالتدخل فيه الأمر الذي أدى إلى إطالة عمليات القتل.
وافتتح السيد درابر الاجتماع بالمطالبة بسحب الجيش الإسرائيلي على الفور، وانفجر شارون غضبا وقال: "أنا لا أستطيع أن أفهم ما الذي تسعى إليه؟ هل تريد بقاء الإرهابيين؟ هل تخاف من أن يظن أحد أنك متواطئ معنا؟ أنكر هذا ونحن بالفعل قد فعلنا". لم يتأثر السيد درابر واستمر بالمطالبة بإشارات نهائية تدل على الانسحاب. وقال شارون بسخرية والذي كان على علم بأن ميليشيات الكتائب قد دخلت المخيمات بالفعل "لن يحدث شيئا ربما سيقتل بعض الإرهابيون هذا سيكون في مصلحتنا جميعا". وافق أخيرا شامير وشارون على الانسحاب تدريجيا حالما بدأ الجيش اللبناني بدخول المدينة لكن إسرائيل أصرت على الانتظار 48 ساعة (نهاية روش هاشانا" رأس السنة العبرية"، والتي كانت قد بدأت في تلك الليلة).
واستمر درابر في المطالبة بضمانات على الانسحاب الإسرائيلي محذرا بأن النقاد سيقولون "بالفعل، سيبقى جيش الدفاع الإسرائيلي في بيروت الغربية وسيسمحون للبنانين بقتل الفلسطينيين في المخيمات". رد شارون قائلا: "لذلك سنقتلهم ولن نتركهم هناك وأنت لن تنقذهم لن تنقذ مجموعات من الإرهاب الدولي"، وأجاب داربر: "لسنا مهتمين بإنقاذ أي من هؤلاء"، صرح شارون :"إذا كنت لا تريد أن يقتلهم اللبنانيون نحن سنفعل".
غضب درابر ولكنه ما لبث أن تراجع وذكر الإسرائيليين أن الولايات المتحدة سهلت خروج منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت، "لن يكون من الضروري لكم أن تتدخلوا"، وأضاف: "يجب عليكم أن تبقوا بعيدين عن هذا". انفجر شارون مرة أخرى: "عندما يتعلق الأمر بأمننا ووجودنا فهو مسؤوليتنا الخاصة ولن نسمح لأحد بأن يقرر عنا". انتهى الاجتماع بالاتفاق على تنسيق خطط الانسحاب ما بعد روش هاشانا "رأس السنة العبرية".
من خلال السماح لشارون في المضي قدما بحججه، أعطى درابر إسرائيل الفرصة للتغطية على مقاتلي الكتائب والتي لا تزال في المخيمات. في 18 أيلول/سبتمبر بدأت تفاصيل أوفى للمذبحة بالتسرب، عندما قام الدبلوماسي الأميركي الشاب ريان كروكر بزيارة المشهد الفظيع هناك وأرسل تقريرا إلى واشنطن.
بعد عدة سنوات وصف درابر المجزرة بأنها "قذرة". وفي تسجيل شفوي وتاريخي له قبل بضع سنوات على وفاته عام 2005 قال لشارون "يجب أن تشعر بالخجل، إن الوضع مروع تماما! إنهم يقتلون أطفالا! إن المنطقة تحت سيطرتكم بشكل كامل، وبالتالي فأنتم مسؤولون عن هذا الوضع". وفي 18 أيلول/سبتمبر أعلن ريغن عن "غضبه واشمئزازه من جرائم القتل". ويرجع هذا لاعتقاده أنه خطأ من حيث المبدأ وأنه سيثير المزيد من القتال".
واعترف وزير الخارجية جورج شلتز لاحقا: "إننا مسؤولون جزئيا" لأننا "صدقنا وعود الإسرائيليين واللبنانيين". واستدعى السفير ارينز وقال له "عندما تسيطر على مدينة ما فأنت مسؤول عما يحدث فيها"، "والآن هناك مجزرة بين أيدينا".
إن الصدمة والفزع الأميركي المتأخر يؤكد فشل الجهود الدبلوماسية الأميركية خلال المجزرة. إن محضر اجتماع درابر يوضح كيف كانت الولايات المتحدة الأميركية متواطئة عن غير قصد في مأساة صبرا وشاتيلا.
اخبرني السفير لويس، المتقاعد الآن "لقد كان من الصعب منع المجزرة ما لم يلتقط ريغان الهاتف ويتصل على بيغن ويقرأ عليه قانون مكافحة الشغب بشكل أوضح عما فعله في آب/أغسطس– كان من الممكن أن يوقفوها بشكل مؤقت". وأضاف لويس "لكن شارون كان سيجد طريقة أخرى دفع رجال المليشيا للتصرف".
موافقا قال مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى نيكولا فيليوتس عندما قرأت النص له، إنه "تصرف كلاسيكي من شارون.. إما طريقته أو لا خيار آخر".
إن مجزرة صبرا وشاتيلا تقوض نفوذ أميركا بقوة في الشرق الأوسط وتقوض أيضا من سلطتها المعنوية. إن الولايات المتحدة شعرت "بالذنب" من إعادة نشر قوات المارينز التي انتهى دورها دون وجود مهمة واضحة لها في خضم الحرب الأهلية الوحشية.
في تشرين أول/أكتوبر عام 1983 قصفت ثكنات المارينز في بيروت وقتل 241 من جنود المارينز. وأدى الهجوم إلى فتح الحرب مع القوات المدعومة من سوريا وإلى الانسحاب السريع لمشاة البحرية باتجاه سفنهم. أخبرني السيد لويس لقد غادرت أميركا لبنان خائبة.
إن السجل الأرشيفي يكشف حجم التضليل الذي قوض الجهود الأميركية لتجنب إراقة الدمار. وعملا بمعرفة جزئية بالواقع، سلمت الولايات المتحدة بضعف للحجج الكاذبة والتكتيكات المماطلة وسمحت للمجزرة بالحدوث.
إن الدرس من مأساة صبرا وشاتيلا واضح. في بعض الأحيان يقوم الحلفاء بأعمال تتعارض مع المصالح والقيم الأميركية. إن عدم ممارسة القوة الأميركية التي تدعم تلك المصالح قد تنتج عواقب وخيمة: لحلفائنا، لمكانتنا الأخلاقية، والأهم للأبرياء الذين يدفعون الثمن الأكبر.