مواقف- فؤاد ابو حجلة
أصعب ما يواجه الفلسطيني في الربيع العربي الأجرد، هو اتخاذ موقف واضح وصريح مما يجري في سوريا، لأن المواجهة تحتدم الآن بين نظام حاكم يداه والغتان في الدم الفلسطيني، ومعسكر معارض لهذا النظام ومرتبط بكل أعداء الأمة بدءا من الناتو ومرورا بالرجعيات العربية وانتهاء باسرائيل.
لذا يظل الفلسطيني محايدا ولا يتعاطف مع أي من طرفي الصراع، ويكتفي بالتضامن مع ضحايا الطرفين وهم المدنيون السوريون اخواننا في الدم وفي الدين وفي النضال القومي ضد أعداء الأمة.
هذا الموقف يدركه المحسوبون على النظام الحاكم في دمشق، لكن لا يستطيع أن يفهمه اؤلئك المهرولون بأقلامهم وحناجرهم خلف دبابات الناتو وشيكات الممولين العرب. لذا فإنهم يتهموننا بموالاة القمع والانحياز للطاغية ومعاداة الحرية وحقوق الانسان.. وما الى ذلك من هذا الهذر الفارغ الذي يبدو أنهم لا يملكون غيره.
على المستوى الشخصي، أشعر بالحزن لما آلت إليه أوضاع سوريا، وأشعر بالخوف على حياة أصدقائي السوريين الذين اختاروا البقاء في الشام وفضلوا مواجهة الموت في بلادهم على السياحة الممولة عربيا في لندن وباريس واسطنبول. ويؤلمني تورط الكثيرين من المثقفين العرب، ومنهم فلسطينيون كثر، في التحريض على التغيير في سوريا بالقوة العسكرية، الأمر الذي يعني تأييدهم وتحريضهم على احتلال بلد عربي. كل ذلك تحت يافطة النضال لتحقيق الحرية للشعب السوري!!
أحد هؤلاء المهرولين يتهمني بتأييد الطاغية بشار الأسد، ويعتبرني بعثيا وكأن الايمان بوحدة الأمة جريمة!
حقيقة الأمر أنني لم أكن يوما مع هذا الطاغية أو غيره من الطغاة العرب، ولم أجرؤ حتى على زيارة سوريا خلال السنوات الثلاثين الماضية خوفا من الاعتقال من قبل السلطات القمعية الحاكمة، وحقيقة الأمر أيضا انني لست بعثيا لكنني أجل فكر حزب البعث وأبرئ هذا الفكر القومي الانساني النبيل من جرائم النظام الذي يحكم باسم البعث.
في كل الأحوال ينبغي الا تخضع المواقف للاعتبارات الشخصية فقط، بل هناك قراءات سياسية واقعية للمشهد السوري الراهن، واحتمالات كلها موجعة لما ستؤول اليه الأوضاع في سوريا، إضافة إلى تأثير كل ذلك على واقعنا الفلسطيني وعلى مستقبل صراعنا مع العدو الذي وجد ليزول.
أمام هذا الواقع الصعب أدرك ضرورة التزام الحياد، لكنني لا استطيع قبول الاتهام ممن يؤجرون مواقفهم بالقطعة كالراقصات في الأعراس.