القمح مقابل القمع- فؤاد ابو حجلة
لا تأخذ المساعدات والمعونات الاميركية للدول العربية شكلا واحدا، فهي تصل في شيكات وتحويلات مالية مثلما تصل في برامج التدريب ومشروعات التأهيل للقطاعات المختلفة في المجتمعات المحلية، كما تصل في شحنات المساعدات العينية للدول الفقيرة.
ويبدو أن هذا التنوع في أشكال الدعم ضروري لضمان تحقيق المردود المتوقع اميركيا الذي يتجلى في الحفاظ على حالة قمع الحريات وعرقلة التطور نحو الديمقراطية في الوطن العربي، وهو ما تنجح الولايات المتحدة في تحقيقه منذ ما قبل نهاية الحرب الباردة.
بعد عقود طويلة من الاعتماد على هذه المساعدات صار الارتباط بالمشروع الاميركي امرا واقعا، بل صار الحفاظ على التبعية لواشنطن هاجسا يؤرق النظام العربي الذي يعتمد في ديمومته على الانخراط في هذا المشروع وتتسابق مكوناته في خدمة التوجه الاميركي في المنطقة من أجل البقاء في الحكم ومن أجل اسكات الاصوات المعارضة في الشارع بأرغفة مخبوزة بدقيق القمح الاميركي.
ورغم كل ما يقال عن سعي الحكومات العربية الى تحقيق الرفاهية لشعوبها الا أن الحقيقة الموجعة تكشف ان هذه الحكومات غير قادرة في الأصل على توفير اساسيات الحياة لمواطنيها وأن حاضر الشعوب العربية ومستقبلها أيضا مرهون باستمرار وصول شحنات القمح الاميركي التي تتحول بحكمة الحكومات إلى ارغفة عيش معجونة بالذل وبالخوف وبالتبعية.
يرسل الاميركيون إلى الدول العربية المحتاجة شحنات من القمح تكفي بالكاد لاسكات الجوع، وهم بذلك يضمنون اسكات الشارع العربي الكاره لهم وللحكام السائرين في فلكهم.
ما لا يعرفه الكثيرون أن شحنات القمح الاميركي وحتى المساعدات المالية الاميركية مشروطة بامتناع الدول التي تتلقى هذه المساعدات عن زراعة القمح، ولعل تراجع المساحات المزروعة في هذ الدول يؤكد التزامها بالشروط الاميركية.
في بلاد تحترف زراعة الخيار والطماطم ينتظر المواطن وصول قمح رغيفه من وراء البحار ولا يملك القدرة على تغيير هذا الواقع المؤذي لأنه يعرض نفسه للموت جوعا.
لكن الامتناع عن زراعة القمح ليس الشرط الاميركي الوحيد للمساعدات، بل إن الأمر يصل الى حد التدخل الوقح في الشؤون الداخلية للدول وتوجيه سياساتها الأمنية نحو قمع الشارع بدلا من حماية البلاد من الاستهدافات الخارجية المعادية.
ومثلما استطاعت اميركا تحقيق معادلة النفط مقابل الغذاء أثناء حصارها الدولي للعراق، فإنها تعمم الآن نموذجا أكثر خطورة يقوم على معادلة القمح مقابل القمع في علاقاتها بالأنظمة العربية.. ويبدو انها تنجح في ذلك أيضا.